لم يقلع اللقاء المرتقب بين إيلون ماسك ودونالد ترامب كما ينبغي. لأكثر من أربعين دقيقة تأخر موعد البث الصوتي المباشر على منصة X. خلال هذا الوقت الضائع برر مالك المنصة التأخير بأنه نتيجة هجوم (سايبراني).
ومع أن أشد ما يزعج ترامب في العادة عدم اتقان مستضيفه لعمله، فقد بدا مرتاحاً في حواره مع زميله الملياردير، أحد أغنى أغنياء العالم. واللقاء الذي استمر لأكثر من ساعتين كان بمثابة دردشة بين صديقين، ما أن ينتهي الأول من ثناء الآخر حتى يرد الثاني بأفضل منه.
في الثالث عشر من تموز (يوليو) الفائت، احتاج ماسك إلى نصف ساعة بعد محاولة الاغتيال ليعلن دعمه التام لترشيح ترامب. ومع أن رجل الأعمال المولود في إفريقيا الجنوبية ليس لديه قاعدة انتخابية ولم ينتخب هو نفسه، أو يعين في منصب رسمي، إلا أن صاحب "تسلا" و"سبايس إكس" الذي دفع 44 مليار دولار ثمناً لـ"تويتر" ليحوله إلى شركة خاصة باسم X، هو بمثابة امبراطور قدرت "فوربس" ثروته في آب (أغسطس) الحالي بـ 241 مليار دولار. فوق هذه المليارات يقف رجل ليس لديه أدنى اهتمام بعدم حب الظهور، بل هو على العكس يسعى إلى النجومية ويجيد جذب الأضواء بمواقفه المثيرة دائماً للجدل والتي يطلقها كما هي، متعمداً النيل من "الصوابية السياسية" التي يفرضها "توجه يساري متطرف" في السياسة والثقافة والميادين كافة. هذا التوجه الذي ينحى نحو الإلغاء وقمع حرية التعبير كان السبب المعلن وراء شراء "تويتر" بهذا المبلغ المهول، وكان من أول قرارات ماسك فك الحظر الذي فرضته الإدارة السابقة على حساب ترامب بعد أحداث السادس من كانون الثاني (يناير) 2021.
ومع أن ترامب في حينها قرر أن يبقى في نسخته الخاصة من "تويتر"، أي "تروث سوشال"، إلا أنه عاد لمرّة يتيمة إلى حسابه على X حين نشر صورته الجنائية التي التقطت له في السجن في جورجيا، وقد حطمت أرقاماً قياسية في التفاعل.
عند الحادية عشرة من صباح الإثنين بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة، فك ترامب القطيعة الطويلة مع حسابه بفيديو دعائي ليحتفل أنصاره بالعودة المنتظرة، وليلحقه إيلون ماسك بنشر "ميم" من صورتين، العليا لامرأة تهمس في إذن رجل: دونالد ترامب، والسفلى لذراع مقشعر. وكأي رجل أعمال ناجح، عرف كيف يستفيد إلى الأقصى من المقابلة قبل انطلاقها حتى، بأن صارت منصته هي الحدث الذي توجه إليه اهتمام الجمهور الأميركي والإعلام معاً، كما أنه هو نفسه، كان جزءاً أساسياً من الضوء الذي انصب على المبارزة الكبيرة بين الرجلين في اللطف، وهي أبعد ما تكون، شكلاً ومضموناً، عن النزال الذي تحدى فيه ماسك غريمه مارك زوكربرغ سابقاً بأن يواجهه في حلبة ملاكمة.
وهكذا، انطلق الحوار بالسؤال المفضل لدى ترامب، أي محاولة اغتياله. وبينما انطلق ترامب بسرد القصة التي حفظها عن ظهر قلب، لم يقاطعه ماسك إلا ليبدي ذهوله أو تأثره أو ليشرح له أن شجاعته وهو يرفع قبضته أظهرت كم هو قائد حقيقي.
ومن الاغتيال انتقلا معاً بحب ووئام إلى الهجوم العنيف على إدارة الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، في موضوع الهجرة غير الشرعية. وبينما بلغ عدد المستمعين نحو 1.3 مليون، كان ترامب في أتم راحته مع ضيفه (المحادثة نظمت من حساب الرئيس السابق) يشتم بايدن حيناً، ويمدح ماسك أحياناً، ويطلق النكات ويضحك، على غير عادته في المقابلات، ويؤكد أنه خلال فترة ولايته قال للرئيس الروسي: "فلاديمير، إياك أن تفعلها، وإذا فعلتها (غزو أوكرانيا) سيكون يومك سيئاً".
وكرر دونالد ترامب، بالطبع، التحذير من مخاطر "المجرمين" و"المجانين" الذين تتخلص منهم حكوماتهم في أميركا الوسطى والجنوبية بارسالهم إلى أميركا، و"حتى من الكونغو"، ليزيد عليه ماسك (المهاجر بدوره) بأنهم يأتون من كل "كوكب الأرض"، ليشرح أن مشكلته هي مع التساهل مع الهجرة غير الشرعية بالتحديد.
ماسك الذي قال إنه كان يعتبر نفسه "ديموقراطياً يميل إلى اليسار"، شرح سبب تحوّله إلى مناصرة الجمهوريين وترامب ودعمهم السخي مادياً، بسبب سياسات الديموقراطيين في قضايا الهوية الجندرية والمهاجرين، إضافة إلى سوء معاملة بايدن له في مسألة "تسلا"، و"بينما يمكن إجراء محادثة معك، لا يمكن القيام بالمثل مع بايدن وكامالا"، قال لترامب الذي لم يعلّق حين أخبره ماسك أنه انتظر مرة ست ساعات في الصف ليصافح باراك أوباما.
ليس الشعور بالغبن وحده ما يحرّك رجل الأعمال الخمسيني. هو غارق في السياسة منذ زمن بعيد وشراء "تويتر" كان جزءاً من هذا الغرق المحسوب جيداً لدى واحد بحجمه في عالم المال. ربما أبرز ما في سيرته الشخصية إصراره على التحدي ليثبت أنه يستطيع أن يحقق ما راهن الجميع على استحالة تحقيقه، من السيارات إلى الصواريخ إلى "تويتر". في حماسته الترامبية الشديدة مؤخراً، يبدو كمن يتحدى مرة جديدة بأنه قادر ليس على صناعة غزو الفضاء فحسب، بل على صناعة الرؤساء أيضاً. وبما أنه يحب التحدي، وبعدما انتقدته حملة هاريس بشدة بعد اللقاء مع ترامب، قال في منشور عند الساعة الأولى من صباح الثلاثاء: "سعيد بأن أستضيف كامالا عبر إكس سبايسس أيضاً".