نانسي بيلوسي تعرف كيف تفوز. هي تجيد حشد الأصوات والأموال والضغط. وهذه ميزة ليست منتشرة على نطاق واسع في الولايات المتحدة، بحسب تقرير في مجلة "آفاق" الأميركية. ولدى الرئيسة السابقة لمجلس النواب القدرة على الإقناع أيضاً. تشير المجلة إلى أنها كانت من أقنع الرئيس جو بايدن بالتنحي عن السباق إلى ولاية ثانية، لأن بقاءه على التذكرة سيضر بحظوظ المشرّعين أنفسهم. لكن يبدو أن الرئيس غير راض عن الضغط الذي مورس عليه.
"دماء في الكواليس"
لا يزال بايدن مقتنعاً بأنه قادر على إطاحة ترامب. يُظهر ذلك أنه بالرغم من كل الحديث عن المؤتمر الديموقراطي الذي سيخطف الأضواء خلال الأيام المقبلة، ثمة بعض "الدماء في الكواليس".
كانت الصحف الليبرالية في طليعة من نقل الخلافات بين قادة الحزب الديموقراطي. وليس فقط بين بايدن وبيلوسي، بالرغم من أن التركيز الأكبر ينصب على ما ستتركه هذه الانتخابات على العلاقات بين الصديقين... طبعاً إذا كانا سيبقيان صديقين. وهذا ما تمنته بيلوسي. وفي التمني تختبئ المخاوف.
"نتوجه إلى شيكاغو على موجة من الابتهاج، والحماسة، والاغتباط، والإثارة، وحتى، بإمكانكم القول، النشوة. سيكون تتويجاً مجيداً – باستثناء أن الجميع غاضبون من بعضهم البعض".
مقدّمة ربما أمكن توقعها من "نيويورك بوست"، لا من "نيويورك تايمز". أيد مراسلو الصحيفة خروج الرئيس من السباق ومن "خياله" بأنه الوحيد القادر على إلحاق الهزيمة بترامب، لكنهم استخدموا عبارة "انقلاب" لوصف الجهد الذي بذله قادة الحزب لإقناع بايدن بالتنحي. ولن ينفع أن بيلوسي اقترحت في حديث إعلامي نحت وجه بايدن على جبل راشمور. بحسب الصحيفة، "لا بد من أن بايدن فكر (أن يقول) ‘حتى أنتِ يا نانسي؟‘".
"القاسية" تهتم بالنتائج لا بالمشاعر
يتقاطع أكثر من تقرير عند شعور بايدن بالغضب من حلفائه. بحسب "بوليتيكو"، هو مستاء من سلفه باراك أوباما لأنه لم يبلغه مباشرة بأن عليه مغادرة السباق كما لأنه لم يقاوم حملة إزاحته، إلى جانب استيائه من بيلوسي. رئيس الأغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر لم يسلم أيضاً من استيائه. لكن التقرير، على ما نقلته المجلة عن ثلاثة أشخاص مطلعين عن تفكير الرئيس، يُظهر بايدن متقبّلاً على مضض لما فعلته بيلوسي "القاسية".
(أ ب)
"لقد فعلَت ما توجب عليها فعله" لمنح الديموقراطيين أفضل فرص الفوز في الانتخابات. وأضاف الرئيس بحسب أحد هؤلاء الأشخاص أن "بيلوسي تهتم بالحزب" لا بالمشاعر. مع ذلك، لم يتحدث بايدن وبيلوسي مع بعض منذ اتخاذه قرار التنحي.
بحسب "نيويورك تايمز"، حتى المرشحة الرئاسية عن الحزب الديموقراطي كامالا هاريس غير راضية عن التردد الأولي لبيلوسي وأوباما وشومر حيال دعمها لأنهم أرادوا مرشحاً وسطياً. والمشاكل لا تتوقف عند هذا الحد.
صداعٌ في ولاية متأرجحة
لفتت أحداث أخرى انتباه المراقبين مؤخراً وتتعلق بشخصيتين بارزتين في الحزب الديموقراطي، وهما تمثلان واحدة من أهم الولايات انتخابياً: بنسلفانيا. يبدو أن ثمة صراعاً طويلاً مستعراً بين حاكمها جوش شابيرو وأحد ممثلَيها في مجلس الشيوخ جون فيترمان.
آخر تجلياته ما ذكره تقرير لشبكة "إن بي سي" الأميركية عن اعتراض فيترمان على خيار شابيرو كنائب لهاريس حين كانت تفكر في خياراتها لهذا المنصب. ووسط تصفيق حاد لكلمة حماسية ألقاها شابيرو في تجمع انتخابي لهاريس هذا الشهر، كان فيترمان الوحيد الذي لم يصفّق. يقول أحد المطلعين إنه لا يستبعد أن يكون فيترمان راغباً بالترشح إلى الرئاسة في يوم من الأيام، لكنه يرى شابيرو منافساً جدياً له.
هذا كله في كواليس الصراع الديموقراطي الداخلي. في الظاهر، تبدو الأمور إيجابية إلى حد كبير، بخاصة عندما ينظر المرء إلى سرعة إغلاق هاريس الفجوة الانتخابية مع منافسها دونالد ترامب، وفي بعض الولايات المتأرجحة، سرعة تقدمها عليه. هذا ما حصل مثلاً في بنسلفانيا.
بين التفاؤل وموعد الحساب
نفى البيت الأبيض مطلع هذا الشهر الأحاديث عن خلاف بين بايدن وبيلوسي. مع ذلك، هي قالت في 8 آب (أغسطس) إنها لا تعرف ما إذا كان الرئيس غاضباً منها.
على أي حال، من المرجح أن يحافظ الديموقراطيون على الجو الإيجابي خلال المؤتمر الذي يبدأ الاثنين ويستمر لأربعة أيام. لا شك في أنهم يأملون خيراً من مكان الانعقاد في مدينة شيكاغو. فهي استضافت أيضاً مؤتمر الديموقراطيين سنة 1996، حين فاز بيل كلينتون بولاية رئاسية ثانية.
ومن المقرر أن يلقي الرئيس الأميركي وعقيلته جيل كلمة يوم الاثنين، مما يعطي انطباعاً بأن بايدن قرر طي صفحة الماضي، في العلن على الأقل. وسيتحدث أوباما يوم الثلاثاء الذي سيشهد نشاطات عنوانها "رؤية جريئة للمستقبل".
(بيلوسي وأوباما، 2010، أب)
ما إذا كان بايدن سيتخطى "طعنات" الحلفاء هو أحد الأسئلة المطروحة بقوة. فقد سبق أن طلب أوباما من بايدن ألا يترشح إلى الانتخابات الرئاسية سنة 2016 ليفسح المجال أمام مرشحة أخرى خسرت السباق في نهاية المطاف. بهذا المعنى، لا يتمتع أوباما بسجل ممتاز من النصائح المجدية في ما يتعلق بالقرارات المفصلية داخل الحزب. وربما تفتتح بيلوسي سجلاً مماثلاً.
خضع بايدن لإرادة بيلوسي وانسحب من السباق. إذا فازت هاريس بالانتخابات، وبشكل مثالي إذا كسب الديموقراطيون أيضاً مجلسي الكونغرس، فقد يسامح بايدن بيلوسي وسائر الذين ضغطوا عليه للتنحي، وكذلك الذين لم يعترضوا على ذلك الضغط بالحد الأدنى. لكن إذا حقق ترامب صدمة ثانية في 2024، فسيكون عدد كبير من قادة الديموقراطيين أمام حساب عسير.
وليس واضحاً منذ اليوم ما إذا كان سينجو منه كثر. الواضح فقط أن بايدن سيكون مستفيداً في كلتا الحالتين: إما عبر تطبيقه شعار "مصلحة الحزب وأميركا أهم مني" أو عبر التذكير المرير "لقد قلتُ لكم".