العادات صعبة الكسر. في بعض الأحيان، لا فرق بين عادات فردية وأخرى سياسية. هذا ما يمكن استنتاجه من مسيرة حاكم ولاية مينيسوتا الأسبق هارولد إدوارد ستاسن. عاش ستاسن 93 عاماً قضى سوادها الأعظم وهو يترشح إلى انتخابات عامة.
"أضحوكة"
ولد ستاسن سنة 1907، وتخرج في كلية القانون في جامعة مينيسوتا سنة 1929. بعد تسعة أعوام، أصبح أصغر حاكم لولاية مينيسوتا في التاريخ، بعدما انتزع المنصب من "الحرس القديم" للجمهوريين. أعيد انتخابه حاكماً للولاية سنة 1942 لكنه ذهب ليخدم خلال الحرب العالمية الثانية رئيساً لمكتب موظفي الأميرال وليام هالسي في جنوب المحيط الهادئ. هناك، أصيبت سفينته مرتين ومُنح وسام الاستحقاق كما رُقّي إلى رتبة نقيب. وساهم أيضاً في صياغة ميثاق الأمم المتحدة بتكليف من الرئيس فرانكلين روزفلت.
ترشح ستاسن إلى الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى سنة 1948. بعد محاولته الفاشلة، تولى رئاسة جامعة بنسلفانيا لكنه تعرض للانتقادات بسبب غيابه المستمر عن واجباته الإدارية لانشغاله بالانتخابات الرئاسية لسنة 1952. بعد ترشحه، انسحب لمصلحة دوايت أيزنهاور. لاحقاً، خدم في دائرة المساعدات الخارجية خلال ولاية الرئيس منهياً بذلك عقده مع الجامعة. سنة 1958، وبعد مغادرته الإدارة، ترشح إلى منصب حاكمية بنسلفانيا فهُزم بفارق كبير.
هارولد ستاسن (يسار الصورة) وتوماس ديوي (يمين)، في أول مناظرة رئاسية جمهورية يتم بثها على المستوى الوطني – 1948. فاز ديوي بترشيح الجمهوريين آنذاك. (أ ب)
بحسب سيرته على موقع جامعة بنسلفانيا، لم تكن هزيمته بداية نهاية أهميته كشخصية سياسية وحسب. لقد أصبح لاحقاً "أضحوكة" الأميركيين بسبب ترشحه المتكرر إلى الانتخابات من دون فرص جدية.
كسر حاجز الخوف
سنة 2015، كتب أستاذ التاريخ والسياسات الأميركية في جامعتي كامبريدج وبرينستون جوش زيتز كيف أصبح ستاسن "المرشح الدائم الذي لم يعرف الاستسلام". فقد ترشح إلى الانتخابات الرئاسية 10 مرات في الفترة بين 1948 و1992 (بعض المراجع يضع الرقم عند تسع مرات).
وحين أعلن المرشح الرئاسي الأسبق ميت رومني عزوفه عن الترشح إلى انتخابات 2016، تساءل زيتز عن سبب "الحكمة التقليدية" التي تحرّم على المرء الترشح مرات عدة. فهنري كلاي (رئيس مجلس نواب ووزير خارجية) ترشح إلى الانتخابات أربع مرات في القرن التاسع عشر ولم يعتبره أحد "أضحوكة". رونالد ريغان خسر الترشيح سنتي 1968 و1976 قبل فوزه سنتي 1980 و1984. "بالتأكيد ليس أضحوكة". وريتشارد نيكسون خسر سنة 1960 وفاز سنة 1968. "أضحوكة، لكن لأسباب أخرى" (قصد ووترغيت).
حين كتب زيتز مقاله في "بوليتيكو" قبل تسعة أعوام، لم يكن بإمكانه استشراف كيف كانت أميركا مقبلة على عصر جديد. ما اعتُبر "أضحوكة"، أو بالحد الأدنى انتقاصاً من جدية الشخصية السياسية، أصبح علامة على العزم والإصرار. بعد أشهر قليلة، سيدخل المسرحَ السياسي رجل أعمال يكسر القاعدة السابقة من خلال الترشح ثلاث مرات إلى الرئاسة.
(ستاسن - أب)
ثم ستأتي شخصية مخضرمة عن الحزب الديموقراطي تعتبر نفسها الوحيدة القادرة على وقف "ديكتاتورية" رجل الأعمال لتترشح مرتين إلى الرئاسة. لكن الديموقراطيين خطفوا منها الفرصة الثانية. في الحقيقة، لم يترشح جو بايدن مرتين إلى الرئاسة وحسب. لقد فعل ذلك أربع مرات وفاز في واحدة منها فقط. ولو أسعفته الظروف لكان ترشح أيضاً سنة 2015.
من المرجح أن يكون ترامب وبايدن قد كسرا مرة أخرى حاجز الخوف أو الإحراج أمام مرشحين مستقبليين إلى الرئاسة الأميركية. وليس سجل الرجلين حافلاً جداً بالنجاح في هذا المجال. لولا تدخل كبار قادة الحزب الديموقراطي سنة 2020، لأمكن أن يصبح الاشتراكي بيرني ساندرز المرشح الرئاسي عن الحزب الديموقراطي لا بايدن. هذا ما تقوله سردية محللين جمهوريين. وترامب ليس أفضل حالاً. فاز سنة 2016 بفضل المجمع الانتخابي لا التصويت الشعبي، ثم خسر سنة 2020. وإذا كان لمسار استطلاعات الرأي أن يطلق إشارات أولية، فهي أنه على طريق الخسارة في 2024 أيضاً.
فضّل أسئلة أخرى
في جعبة ستاسن الكثير من المساعي الانتخابية، لكن أيضاً من الإنجازات الشخصية. سنة 1998، كان ستاسن يقدم مسودة تعديلات على ميثاق الأمم المتحدة. كان وقتذاك في التسعين من عمره. وحتى في رئاسته القصيرة لجامعة بنسلفانيا، استطاع زيادة موازنتها وتوسيع نشاطاتها الرياضية والتعليمية. وفي سجله عدد من الكتب أيضاً. يضاف إلى ذلك أن ستاسن كان محامياً دولياً ناجحاً وحتى لامعاً بحسب "نيويورك تايمز". كما خفّض الإنفاق العام في مينيسوتا وأدخل أول ضابط أسود إلى الحرس الوطني قبل الحرب العالمية الثانية في خطوة جريئة بمعايير ذلك الزمن.
بالرغم من أن ستاسن لم ينزعج من النكات عن ترشحه الدائم، ظاهرياً على الأقل، كان يقول إنه يود لو يُسأل عن عدد المرات التي كان مصيباً فيها حيال القضايا الأساسية بدلاً من عدد مرات ترشحه.
هل من حدود؟
بحسب مجلة "إيكونوميست"، لم تكن محاولات ستاسن الرئاسية خيالية أو دعائية، إذ لم يكن من أنصار الخضر أو الليبراليين أو هاوي تسلية. لقد كان سياسياً جمهورياً يعتقد أن قدَره حكم أميركا.
مع ذلك، ربما ثمة حدود لعدد المساعي الرئاسية أو الانتخابية التي على المرشح أن يرسمها بنفسه، خصوصاً عندما يبدأ مساره التنازلي. المحاولتان الرئاسيتان الأفضل حظاً لستاسن كانتا سنتي 1948 و1952. بعدها، كان واضحاً أن فرصه راحت تتضاءل. ليس هذا وحسب. ترشح ستاسن إلى عدد من المناصب الأخرى وعانده "الحظ" في غالبيتها. سعى إلى الفوز بحاكمية مينيسوتا أربع مرات (فاز في المحاولتين الأوليين منها) وإلى حاكمية بنسلفانيا مرتين، وإلى مجلس الشيوخ مرتين وإلى عمدة فيلادلفيا مرة. لم يقتنع ستاسن بالتوقف عن مغامراته الرئاسية إلا عند سن الخامسة والثمانين. سنة 1992 كانت آخر مرة يترشح فيها إلى الرئاسة. لكن مجدداً، لم تكن انتخاباته الأخيرة. بعد عامين، ترشح إلى عضوية مجلس الشيوخ عن مينيسوتا.
في النهاية، كانت حياة ستاسن مثمرة جداً، بحسب كثر. على عكس مساعيه الانتخابية.