النهار

ما الدوافع وراء الاستراتيجية النووية الجديدة لبايدن؟
جورج عيسى
المصدر: النهار العربي
الإشارات الصادرة عن واشنطن ملتبسة... لكن الظروف ليست كذلك
ما الدوافع وراء الاستراتيجية النووية الجديدة لبايدن؟
الرئيس الأميركي جو بايدن، 2023 - "أ ب"
A+   A-

أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" في 20 آب (أغسطس) إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن وافق على خطة سرية في آذار (مارس) لتعزيز إجراءات الردع النووي ضد الصين. وتعتقد وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن مخزون الرؤوس النووية الصينية سيعادل ما تملكه واشنطن كما روسيا بحلول 2035.

 

وقال العالم النووي في "معهد ماساشوستس للتكنولوجيا" فيبين نارانغ إن بايدن "أصدر مؤخراً توجيهاً محدثاً لاستخدام الأسلحة النووية للأخذ بالحسبان تعددية الأعداء المسلحين نووياً". خدم نارانغ في البنتاغون قبل أن يعود هذا الشهر إلى المجال الأكاديمي.

 

يتم تحديث استراتيجية "توجيه الاستخدام النووي" كل بضع سنوات وفق المتطلبات الجيوسياسية، ولا يحصل سوى عدد صغير جداً من كبار المسؤولين على نسخ مطبوعة من التحديث. بسبب سريتها الفائقة، لا تُنشر الوثيقة إلكترونياً.

 

أثار التقرير غضب الصين، وقالت الناطقة باسم وزارة خارجيتها ماو نينغ إن "الولايات المتحدة وصفت الصين بأنها تهديد نووي، واستخدمت ذلك كذريعة ملائمة للتهرب من التزامها بنزع السلاح النووي، ولتوسيع ترسانتها النووية وللسعي إلى الهيمنة الاستراتيجية المطلقة".

 

وأكدت ماو أن الصين ملتزمة بسياسة "عدم الاستخدام أولاً" وأن ترسانتها لا توازي ما تملكه واشنطن، مشيرة إلى أن بلادها تبقي إمكاناتها "عند الحد الأدنى من المستوى المطلوب للأمن القومي".

 

لكن تقرير "نيويورك تايمز" يشير إلى أن الصين تسرّع زيادة ترسانتها النووية بشكل أكبر مما توقعه الأميركيون قبل عامين وهي خطوة تؤكد بحسب الصحيفة أن بكين تخلت عن "الحد الأدنى من الردع". ووجهت الوثيقة الجديدة القوات المسلحة للاستعداد لـ "مواجهات نووية محتملة ومنسقة مع روسيا، والصين، وكوريا الشمالية".

 

توضيح... إلى حد ما

قال البيت الأبيض إن الخطة الاستراتيجية النووية السرية التي وافق عليها بايدن هذه السنة ليست رداً على دولة محددة أو تهديد بعينه. وأضاف أن في الخطة الكثير من الاستمرارية والقليل من التغيير. مع ذلك، "سمحت" الإدارة لمسؤولَين فيها بـ "التلميح" للتغيير بشكل مقتضب وعلى دفعات، بحسب الصحيفة، ما يعني افتراضاً أن واشنطن تريد توجيه رسائل معينة.

 

يمكن أن تكون تلميحات المسؤولين المقتضبة إلى تعزيز أميركي للاستراتيجية النووية رسالة تطمين وداعية للحلفاء الأميركيين. فقد ذكر تقرير لـ فايننشال تايمز" سنة 2021 أن حلفاء واشنطن الأوروبيين والآسيويين مارسوا ضغوطاً خلف الكواليس لعدم تغيير بايدن الاستراتيجية النووية الأميركية باتجاه مسار تمتنع واشنطن من خلاله عن الدفاع عنهم عبر القوة النووية.

 

في الوقت نفسه، لا يُستبعد أيضاً أن تكون واشنطن في وارد توجيه رسالة ضمنية إلى الصين مفادها أنها تراقب صعودها وتستعد له. لكن ذلك قد يفرض بعض الأثمان.

 

ما هي؟

يمكن أن يترك تغير الاستراتيجية النووية الأميركية أثراً سلبياً على جوانب من العلاقات الأميركية الصينية خصوصاً في ما يتعلق بالتعاون الثنائي لمصلحة منع روسيا من استخدام السلاح النووي في أوكرانيا. حدث ذلك بعد تشرين الأول (أكتوبر) حين حصلت واشنطن على اتصالات بين مسؤولين روس بشأن استخدام السلاح النووي. تذكّر "نيويورك تايمز" بنجاح الغرب حينها في ضم الصين والهند إلى مجموعة الدول التي شددت على حظر استخدام السلاح النووي. وربما تستخدم الصين حالياً جزءاً من قواعد اللعبة الروسية عبر خفض التنسيق النووي مع أميركا طالما أن الأخيرة تدعم تايوان بالسلاح.

 

بشكل عام، يحذّر بعض الخبراء من محاولات التعامل مع الصين وشركائها على أنهم كتلة واحدة، لأن ذلك سيأتي بنتائج عكسية. في شباط (فبراير) الماضي، لفتت الزميلة في معهد فريمان سبوغلي بجامعة ستانفورد أوريانا سكايلر مايسترو إلى أن علاقات الأطراف الثلاثة كانت غير مستقرة، وأحياناً سيئة، منذ الحرب الباردة وحتى اليوم. وتشير إلى أنه في الستينات، تراجع الاتحاد السوفياتي عن تعهداته بتقديم الخبرة النووية للصين. وتعتقد مايسترو أنه بعدم تدخل واشنطن، بإمكان الأطراف الثلاثة تخريب علاقاتهم بشكل تلقائي.

 

اليوم، تقوم الاستراتيجية النووية الجديدة على افتراض وجود تنسيق أو حتى "تواطؤ" بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية في استخدام محتمل للسلاح النووي. يبقى حدث كهذا ممكناً. لكن على الضفة الأخرى من المعادلة، قد تؤدي الخطة الجديدة المفترضة إلى تقارب بين الدول الثلاث وتخفيف الشكوك المتبادلة بينها. بالفعل، إذا كانت الصين تمتنع عن دعم روسيا عسكرياً في حرب أوكرانيا فقد يكون أحد أسباب ذلك تردد الاتحاد السوفياتي في دعم الصين خلال الحرب الكورية (1950-1953). كذلك، سجنت روسيا عدداً من علمائها المتهمين بتسريب معلومات تكنولوجية حساسة إلى بكين. في الوقت نفسه، تواجه روسيا صعوبة في تعزيز علاقاتها التجارية مع الصين. وتتخوف كوريا الشمالية من تقارب بين الصين من جهة واليابان وكوريا الجنوبية من جهة أخرى.

 

الاستعداد الحقيقي

مع أو بدون تنسيق بين موسكو وبكين وبيونغ يانغ، ومع أو بدون تطمينات محتملة للحلفاء الغربيين، تستعد أميركا للحقبة المقبلة. دأب خبراء منذ فترة على التحذير من تغير النظام الدولي النووي، من قطبية ثنائية إلى أخرى ثلاثية، فالنظام النووي الثلاثي الأقطاب أشبه بنظام فلكي ثلاثي الأجرام بحسب تشبيه الباحث في "معهد هدسون" أندرو كريبينيفيتش في نيسان (أبريل) 2022. يمكن قياس علاقة جرمين سماويين عبر قانون الجاذبية، لكن العلاقة بين ثلاثة أجرام وما فوق تصبح فوضوية. على سبيل المثال، هل تكتفي الصين بزيادة رؤوسها النووية لردع أميركا وحسب، أم لردع أميركا وروسيا معاً؟ إذا كان الجواب هو الثاني فسيكون عليها تصنيع رؤوس نووية تساوي مجموع ما تملكه الدولتان معاً. وهذا يدفع الدولتين الأخريين إلى زيادات متعاقبة وسريعة لرؤوسها النووية. وهكذا دواليك.

 

هذا الصعود الخاطف ليس جديداً في التاريخ. في سبعة أعوام فقط، وتحديداً بين سنتي 1962 و1969، عززت موسكو ترسانة صواريخها الباليستية من نحو 50 صاروخاً إلى أكثر من ألف. للتأكيد، قوة الصين الاقتصادية والعلمية اليوم أكبر من قوة الاتحاد السوفياتي سابقاً. وعلى الأرجح، بأشواط.

اقرأ في النهار Premium