ربما من سوء حظ المرشحة الديموقراطية إلى الانتخابات الرئاسية كامالا هاريس أن مناظرتها الأولى مع منافسها الجمهوري دونالد ترامب ستحل وسط أجواء الذكرى الثالثة للانسحاب الأميركي من أفغانستان. هي ذكرى لا تدعو للفخر لدى الأميركيين، بخاصة لذوي ثلاثة عشر جندياً قضوا بتفجير إرهابي استهدف إحدى بوابات مطار كابول في 26 آب (أغسطس) 2021.
قررت إدارة الرئيس جو بايدن إلزام نفسها بانسحاب مبكر من أفغانستان في 31 آب 2021 من دون أن يكون للتوقيت مبرراته، باستثناء أغراض دعائية، كإنجاز سحب الجنود الأميركيين على أبواب الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) وادعاء نصر ما. لكن من أجل الرمزية، خسرت الإدارة الكثير من المزايا الجوهرية وهي لا تزال تدفع ثمن ذلك حتى اليوم.
ليس بريئاً
كان شهر آب محرجاً للإدارة بالتحديد لأنه حمل غالبية المشاهد المؤلمة للأميركيين. يمكن تعداد، على سبيل المثال، سيطرة "طالبان" السريعة على البلاد بعدما قال بايدن إنها سيطرة "غير حتمية"، وإعادة تكرار مشاهد الانسحاب الفوضوي من فيتنام التي وعد بايدن بعدم حدوثها، إلى جانب الهجوم الإرهابي والرد عليه عبر استهداف عائلة مدنية عن طريق الخطأ. وهناك أيضاً ترك معدات عسكرية بقيمة 7 مليارات دولار لـ "طالبان"، واللائحة تطول.
(أ ب)
والأشهر السابقة لآب 2021 كانت مأسوية أيضاً. أشارت تقارير إلى أن الإدارة لم تأخذ بنصائح الجيش الأميركي، وأخرى إلى أن بايدن لم ينتظر حتى مراجعة فريقه للسياسة في أفغانستان ليبني على الشيء مقتضاه. ولا يمكن نسيان تقرير شهير لـ "نيويورك تايمز" في نيسان (أبريل) 2021 ذكر تحدث مسؤولين أميركيين مع نظرائهم الأفغان كما يتحدث أساتذة المدارس مع طلابهم، بحسب توصيف الصحيفة.
بدأ الجمهوريون وترامب تذكير الأميركيين بعدم كفاءة الإدارة في تنفيذ الانسحاب. ليس ترامب بريئاً من القرار، لأنه تفاوض أولاً على اتفاق الانسحاب وحدد الموعد النهائي في أيار (مايو) 2021 قبل أن يمدده بايدن حتى آب. وقال مستشاره الأسبق لشؤون الأمن القومي الجنرال أتش آر ماكماستر إن ترامب يتحمل بعض المسؤولية عن الانسحاب وخصوصاً حين ضغط على حكومة كابول لإطلاق آلاف مقاتلي "طالبان" من السجون.
هاريس توقع نفسها؟
ما قد يشفع لترامب أنه لم يكن في مركز القرار خلال التنفيذ لاختبار مدى كفاءة إدارته. حاول بايدن تحميل سلفه المسؤولية، لكن هذا اللوم تجاهل سياسات أخرى لترامب تراجع عنها الرئيس فور استلامه منصبه. الآن، على هاريس التي كانت موجودة في غرفة عمليات البيت الأبيض، كما تحب أن تقول، تحمّل مسؤولية هذا القرار، بحسب ما كتبته "وول ستريت جورنال" منذ أيام.
ففي نيسان 2021، قالت هاريس في مقابلة مع "سي أن أن" إنها كانت آخر شخص موجود في القاعة مع الرئيس حين اتُخذ القرار ولفتت إلى أنها كانت "مرتاحة " مع الخيار. ونقلت صحيفة "ذا هيل"، عن أقارب للجنود الضحايا قولهم إنهم يفضلون ترامب على بايدن أو هاريس.
بعد أيام على انسحاب بايدن من السباق، وجد استطلاع لشركة "بلوپرينت" الديموقراطية أنه كان بإمكان هاريس أن تصوغ سياسة خاصة بها بعيدة من سياسات بايدن، أكانت سلبية أو إيجابية. فقد قال نحو 7 من أصل 10 ناخبين إنهم لا يحمّلونها مسؤولية الفشل في أفغانستان. لكن إعادة تركيز الضوء على المقابلة الشهيرة لها سنة 2021 قد يضر بصورتها.
"بإمكانها الذهاب إلى الجحيم"
قال ترامب في تجمع انتخابي الأسبوع الماضي إن "الكلمة الأخيرة" كانت لهاريس في قرار الانسحاب. وتعهد الاثنين أمام "جمعية حرس الحدود" أن يطرد جميع القادة العسكريين الذين أشرفوا على الانسحاب "بحلول ظهر يوم التنصيب". وزار ترامب أيضاً مقبرة أرلينغتون الوطنية لتوجيه تحية إلى أرواح القتلى الأميركيين، بينما كان بايدن في إجازة على البحر وهاريس في واشنطن. (قالت البيت الأبيض إن الإدارة تقوم بواجباتها خلفس الكواليس).
وحصلت مشاجرة بين موظفين من حملة ترامب وموظف من المقبرة بسبب محاولة منعهم من التصوير في القسم 60 منها. أصدرت إدارة المقبرة بياناً شددت فيه على أنه يمنع استغلال المكان لحملات سياسية وانتخابية. بسبب إضاءة هاريس على المشاجرة، قال نائب ترامب على التذكرة الرئاسية جيه دي فانس إن لب الموضوع يجب أن يكون مسؤولية الفشل في تنفيذ الانسحاب، مضيفاً أن "بإمكانها (هاريس) الذهب إلى الجحيم". وقالت حملة ترامب إنها حصلت على إذن رسمي بإحضار مصور.
(ترامب وإلى جانبه جد ضحية أميركية يكرمان ضحايا التفجير في أفغانستان، أرلينغتون - أ ب)
أشارت الكاتبة في "نيويورك بوست" ميراندا ديفين إلى أن المهم في القضية هو العائلات التي دعت ترامب إلى المشاركة والتي شكرته على حضوره. وفي 29 آب (أغسطس)، ذكّرت نيكول راسل من صحيفة "يو أس أي توداي" قراءها بمشكلة قمع "طالبان" للنساء الأفغانيات محملة الرئيس ونائبته المسؤولية عن الانسحاب وعن "الوحشية المدمرة التي أطلقتها خيارات الإدارة".
"فسِّر تَخسرْ"
إلى الآن، تبدو الصورة العامة المرافقة لذكرى الانسحاب من أفغانستان تصب في مصلحة ترامب. هو في يهاجم، بينما الديموقراطيون في موقف دفاعي. في حديث إلى "ذا هيل"، يقول كريس توتل من "مجلس العلاقات الخارجية" إن محاولة إدارة بايدن تفسير ما حدث والإشارة إلى أنها كانت ملزمة بجدول زمني معين هي استراتيجية خاسرة في الانتخابات لأن الناس لا يهتمون بالتفاصيل.
وعادة ما تحتل الشؤون الخارجية مرتبة متأخرة على لائحة اهتمامات الأميركيين بالمقارنة مع القضايا الداخلية. لكن الحربين في أوكرانيا وغزة تجعلان قضية أفغانستان حية في ذهن الناخبين، بالرغم من مرور ثلاثة أعوام عليها. يصعب معرفة ما إذا كان ذلك سيؤثر على حظوظ هاريس الانتخابية، لكن إذا طُرح الموضوع في المناظرة المقبلة وأحسن ترامب استغلاله فقد يعيد نشر بعض مشاعر التشكيك بين الناخبين. يصح ذلك بالأخص إذا بدأت ذروة الحماسة لهاريس بالتراجع بعد فترة من نهاية مؤتمر شيكاغو.