قبل انسحابه من السباق إلى ولاية ثانية في 21 تموز (يوليو) الماضي، كان الرئيس الأميركي جو بايدن متخلفاً عن منافسه دونالد ترامب بـ 3.2 نقطة مئوية، وفق معدل استطلاعات "فايف ثيرتي أيت". بعد دخول نائبة الرئيس كامالا هاريس السباق، أصبحت هي متفوقة على ترامب بـ 3.2 نقطة، بحسب الموقع نفسه (حتى 1 أيلول/سبتمبر).
واضحٌ أن هاريس تتمتع بالزخم في السباق الرئاسي. بحسب معدل استطلاعات موقع "ريل كلير بوليتيكس" أيضاً، كان بايدن يتخلف عن ترامب بـ 3.1 نقطة، والآن أصبح ترامب متخلفاً عن هاريس بـ 1.8 نقطة. يوم الأحد، وربما للمرة الأولى، وضع الموقع هاريس في وضعية الفائز بالانتخابات الرئاسية لجهة عدد أصوات الناخبين الكبار: 270 مقابل 268، هذا بعد حسم افتراضي لمصير الأصوات المتأرجحة لـ 111 ناخباً كبيراً في المجمع الانتخابي. فهل باتت هاريس على مشارف دخول البيت الأبيض كأول امرأة سوداء في التاريخ الأميركي؟
ليس بهذه السرعة
أولاً، وفي جميع الولايات المتأرجحة، لا يزال تقدم هاريس (وحتى ترامب حيث يكون متقدماً) ضمن هامش الخطأ. في ويسكونسن حيث سجلت أفضل تقدم لها على مستوى معدل استطلاعات "ريل كلير بوليتيكس"، هي تسبق ترامب بـ 1.4 نقطة. في كارولاينا الشمالية حيث يسجل ترامب أفضل تقدم له بحسب الموقع نفسه، هو يسبقها بـ 0.6 نقاط. إذاً، السباق بعيد من أن يكون محسوماً في أي من الولايات المتأرجحة.
ثانياً، بالرغم من كل الزخم الذي تتمتع به هاريس حالياً، لا تزال أرقامها بعيدة من تلك التي حققها بايدن سنة 2020 في مثل هذا التوقيت، وحتى أرقام المرشحة الديموقراطية السابقة هيلاري كلينتون سنة 2016. وهذه بعض الأمثلة عن أرقام المرشحين في ولايات متأرجحة حتى 1 أيلول من السنوات الانتخابية، بحسب "ريل كلير بوليتيكس".
ويسكونسن
في ويسكونسن، تتقدم هاريس حالياً بـ 1.4 نقاط على ترامب، بينما تقدم بايدن على ترامب بـ 4 نقاط وكلينتون بـ 5.3. سنة 2016، فاز ترامب بالولاية بهامش 0.77 نقطة بينما كسبها بايدن سنة 2020 بـ 0.63 نقطة.
بنسلفانيا
في بنسلفانيا التي يمكن تصنيفها بأم المعارك في الولايات المتأرجحة، تتقدم هاريس بنصف نقطة، بينما تقدم بايدن حينها بـ 4.7 وكلينتون بـ 7.3 نقاط مئوية. هذا الهامش الهائل الذي تمتعت به كلينتون آنذاك لم يحمها من الخسارة، إذ كسب ترامب الولاية بـ 0.72 نقطة، قبل أن يستعيدها بايدن سنة 2020 بـ 1.17 نقطة، وهو فارق أقل بشكل ملحوظ مما رصده معدل استطلاعات الرأي للموقع نفسه.
أوهايو
يتقدم ترامب على منافسته بـ 8.5 نقاط. ربما يصعب على هاريس تحقيق المفاجأة هنا، لأن بايدن كان متقدماً سنة 2020 بـ 2.3 في المئة وكلينتون بـ 3.8 نقاط مئوية. حصد ترامب الولاية سنتي 2016 و2020 بفارق 8 نقاط تقريباً.
ميشيغان
في هذه الولاية التي تحتضن صوتاً عربياً وازناً، تتقدم هاريس على ترامب بـ 1.1 نقطة، بينما تقدم بايدن في مثل هذه الفترة من 2020 بـ 2.6 وكلينتون بـ 8.2 في المئة. مجدداً، حقق ترامب المفاجأة الكبرى سنة 2016 فكسب الولاية بـ 0.23 نقطة، قبل أن ينتزعها بايدن منه سنة 2020 بـ 2.78 نقطة.
جورجيا
تعدّ أيضاً من الولايات المتأرجحة الأهم. يتقدم فيها ترامب حالياً بـ 0.2 في المئة، وتقدم ترامب أيضاً سنة 2020 بـ 1.3 في المئة، وكلينتون سنة 2016 بـ 0.5 في المئة. فاز ترامب بالولاية بـ 5.13 نقطة، قبل أن ينتزعها بايدن بعد أربعة أعوام بهامش ضئيل بلغ 0.23 نقطة.
ملاحظات
ثمة نمط استنتجه معظم مراقبي الانتخابات الأميركية ومفاده أن الاستطلاعات تبدأ برسم التوجه شبه النهائي للناخب الأميركي بحلول يوم عيد العمال في الولايات المتحدة والذي يصادف أول يوم اثنين من شهر أيلول (سبتمبر). مع ذلك، ثمة حالياً ما يدعو للحذر من هذا الاستنتاج.
فالاستطلاعات نفسها أخطأت بشكل كبير في انتخابات 2016 و2020 إذ قللت كثيراً من قوة المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرغم من خسارته. أشار مركز "بيو للأبحاث" إلى أن نحو 61 في المئة من شركات الاستطلاع أدخلت نهجاً جديداً بيّن دقة أكبر في الانتخابات النصفية سنة 2022 وهي لا تزال تعتمده حالياً.
(ترامب - أب)
مع ذلك، يختلف قياس الانتخابات النصفية عن تلك الرئاسية لأن كلا الاستحقاقين يجذب نوعاً مغايراً من الناخبين، كما قال الباحث البارز في المركز نفسه سكوت كيتر لمجلة "نيوزويك". ويشير التقرير نفسه إلى أن ارتفاع شعبية هاريس قد يكون موقتاً وناجماً عن تغطية إعلامية إيجابية ويمكن ملاحظته عادة بعد المناظرات والمؤتمرات الحزبية.
في الواقع، وبحسب خبير الاستطلاعات إيلاي ماكون-داوسون، عادة ما ترافقت المؤتمرات الحزبية بدفعة انتخابية للمرشح الرئاسي بلغت في المعدل العام، منذ سنة 2000، نحو 1.8 في المئة. حتى 26 آب (أغسطس)، أي بعد ثلاثة أيام على انتهاء مؤتمر شيكاغو، سجل ماكون-داوسون ارتفاعاً في شعبية هاريس بنقطتين مئويتين على المستوى الوطني، مقابل نقطة واحدة لترامب. لكن تحليلاً لـ "يوغوف" صدر في 28 آب لم يلحظ زيادة في شعبية هاريس عما كانت عليه قبل المؤتمر.
ما تؤكده المقارنة
تظهر المقارنة بين منحنيي حملتي ترامب وهاريس تحسناً شعبياً شبه مطّرد لدى نائبة الرئيس منذ ترشحها إلى الرئاسة وحتى اليوم. السؤال هو ما إذا كان بإمكانها مواصلة الخط التصاعدي نفسه حتى 5 تشرين الثاني (نوفمبر).
قد لا يطول انتظار الجواب على هذا السؤال، إذ ستواجه هاريس تحديها الأول في المناظرة الرئاسية مع ترامب الأسبوع المقبل. فإما تؤكد للمراقبين أن القفزة في شعبيتها مستحقة وثابتة، أو ربما، تعيد الديموقراطيين إلى ما يشبه أجواء الذعر التي عاشوها بعد مناظرة بايدن في حزيران الماضي.