قد يكون استطلاع "سي إن إن" الفوري بعد مناظرة ترامب وهاريس غير دقيق. قال 63 في المئة من المستطلعين إنهم يعتقدون أن نائبة الرئيس فازت بالمناظرة. واعتبرت القلة الباقية أن النصر كان حليف الرئيس السابق. لكن ثمة ما قد يدعم هذه الأرقام.
دخل ترامب مركز الدستور الوطني متغلباً على نائبة الرئيس كامالا هاريس في خبرة التعامل مع المناظرات، وبالتحديد مع الكاميرا. لم يأتِ الرجل من احتكاك واسع مع الخصوم السياسيين (ومن بينهم جمهوريون) وحسب، بل أيضاً من عالم تلفزيون الواقع حيث يدرك أهمية الصورة.
(هاريس تبادر إلى مصافحة ترامب - أب)
كان ترامب في معظم فترات المناظرة عابساً ومتوتراً. هاريس، على العكس من ذلك، بدت مبتسمة وهادئة. حتى خلال المناظرات التي كان يُفترض أن تكون الأصعب على ترامب، أي مناظراته الأولى مع المرشحة الديموقراطية السابقة هيلاري كلينتون، ظهر رجل الأعمال بارتياح أكبر سنة 2016 إذ كانت تعابير وجهه أقل عبوساً.
ربما أراد ترامب إقران رسالته بشأن الوضع الأميركي الحالي "القاتم" بملامح ملائمة. لكن ثمة تشكيك في جدوى التركيز على سلبيات السياسة الداخلية الأميركية بينما يريد جزء متزايد من الناخبين مستقبلاً أكثر تفاؤلاً. وهذا ما ركّزت عليه هاريس.
هكذا انتصر ريغان
يحب بعض الجمهوريين مقارنة ترامب بالرئيس الأسبق رونالد ريغان. لكن ريغان كان يفوز في المناظرات، أو على الأقل، كان يترك بصمته فيها، من خلال الهدوء وحتى النكات. حين سئل سنة 1984 عما إذا كان عمره (73 عاماً) سيمنعه من أداء مهامه كما ينبغي، أدلى بالإجابة الشهيرة: "لن أستغل لأغراض سياسية شبابَ منافسي وانعدامَ خبرته". ضحكَ كل من كان في القاعة بمن فيهم المنافس الديموقراطي والتر مونديل.
وهناك أيضاً رده الشهير على منافسه الرئيس جيمي كارتر الذي ادعى بأن ريغان يخوض ترشيحه وهو يناهض تأمين الرعاية الصحية للأميركيين. بدلاً من إطلاق رد غاضب ضده، قال ريغان مع ابتسامة صغيرة تردد صداها أيضاً في القاعة: "ها أنت تعود مجدداً". ثم أوضح سريعاً أنه كان ضد خطة معيّنة للرعاية الصحية، لا ضد الرعاية نفسها.
الصورة هي "الملك"
إذا كان أستاذ التاريخ والشؤون العامة في جامعة برينستون جوليان زيليزر محقاً في أن الكاميرا "هي فعلاً الملك" في المناظرات الرئاسية فثمة أسباب عدة تقترح أن "الملك" لم يبتسم لترامب، ربما لأن الأخير لم يبتسم كثيراً له.
استعرض زيليزر في مجلة "فورين بوليسي" ما حدث في مناظرة أيلول (سبتمبر) 1976 بين الرئيس الأسبق جيرالد فورد وحاكم ولاية جورجيا الذي سيصبح رئيساً في تلك السنة جيمي كارتر. حين اضطر الإعلاميون لوقف النقاش بسبب عطل تقني دام نحو 21 دقيقة، استمرت وسائل الإعلام بنقل الصورة، بينما عمل التقنيون على إصلاح انقطاع الصوت. أدرك المرشحان أن عليهما الحفاظ على الهدوء وعدم إظهار أي علامات تعب أو امتعاض.
وقال فورد لاحقاً، بحسب الأستاذ الجامعي نفسه: "أشتبه في أن كلينا أحب أن يجلس ويسترخي بينما كان التقنيون يصلحون النظام، لكنني أعتقد أن كلينا كان متردداً في إظهار أي إشارة قد تُظهر أننا غير قادرين جسدياً أو ذهنياً على التعامل مع مشكلة كهذه".
ابتسامات
بناء على هذا القياس، لو تعطل الصوت فجأة في المناظرة الأخيرة، أو لو كتمَ الجزء الأكبر من المشاهدين صوت المناظرة لفترة طويلة، لأمكنه على الأرجح ملاحظة أن ترامب كان متعباً أو أقل ارتياحاً مما كانت عليه هاريس.
بطبيعة الحال، ليس من الضروري أن تكون كل ابتسامة أو ضحكة لهاريس مفيدة انتخابياً لها. بحسب تعليق على منصة "أكس" لمستطلع الآراء الجمهوري الشهير فرانك لونتز، إن ضحكة هاريس في وقت يتحدث ترامب عن التعرض لـ "اضطهاد" هي "صورة سيئة". فهي "تغذي سردية أن الأمر عبارة عن مطاردة ساحرات حزبية".
لكنه أضاف أن هاريس نجحت بـ "إيقاع ترامب في فخ التذمر بشأن مشاكله الخاصة بدلاً من مناقشة كيفية حل مشاكل أميركا"، مشيراً إلى أن الرئيس السابق افتقر إلى أي انضباط على الإطلاق.
"لقد فازت"
من جهته، قال المحلل المساهم في "سي بي إس" إد غوردون إن إيماءات هاريس وتعابير وجهها خلال إطفاء الميكروفون الخاص بها تظهر أن نائبة الرئيس "كانت تعلم بالضبط ما تفعله". وأوضح: لقد فهمَت (أهمية الاستفادة من) الشاشة المنقسمة".
ويعتقد البعض أن ذهاب ترامب مباشرة إلى الغرفة المخصصة للمراسلين كانت محاولة ضمنية للتعويض عن "الليلة السيئة" التي واجهها. وقال: "نعتقد أنها كانت أفضل مناظرة لنا على الإطلاق – لقد كانت أفضل مناظرة لي على الإطلاق، أعتقد، وكانت مثيرة جداً للاهتمام (...)".
ونقلت "أكسيوس" عن مشرعين جمهوريين لم تسمهم قولهم إن أداء ترامب كان قاصراً عن تحقيق الأهداف.
Trump has traditionally appealed to Middle America, but he's given zero answers tonight.
— Frank Luntz (@FrankLuntz) September 11, 2024
This is not the same candidate as we saw in 2016. #Debate2024
حتى صحيفة "وول ستريت جورنال" المحافظة لم تكن مسرورة بأداء ترامب. "لقد فازت (هاريس) في المناظرة لأنها جاءت باستراتيجية لإثارة استفزاز السيد ترامب ودفعه إلى الغوص في حُفر المظالم الشخصية (...). إنه دائماً ما يبتلع الطعم، وقد نصبت السيدة هاريس الفخ، لذلك أمضى جزءاً كبيراً من المناظرة يتحدث عن الماضي، أو عن جو بايدن، أو عن المهاجرين الذين يأكلون الحيوانات الأليفة، لكن ليس كيف سيحسن حياة الأميركيين في السنوات الأربع المقبلة".
فخ تلو الآخر
واضحٌ أن هاريس كانت تلقي الفِخاخ يميناً ويساراً. وربما قصدت على الأرجح الاستهزاء من حجم الحشود التي تأتي إلى حملاته الانتخابية مدركة أن ذلك سيشتت تركيزه عن القضايا الأساسية أو حتى عن خوض معارك آيديولوجية ضدها. نجحت في ذلك إلى حد بعيد، ولو لم يكن طوال فترة المناظرة.
لا يعني هذا الأمر بالضرورة أنها ستنجح في السباق الرئاسي. في نهاية المطاف، فازت كلينتون في مناظرات 2016 لكنها خسرت الرئاسة. ما يمكن قوله حتى اللحظة، بشيء من اليقين، أن مشهد ليلة الثلاثاء لم يُظهر أن ترامب هو الذي خاض سبع مناظرات رئاسية مقابل مناظرة واحدة لمنافِسته.