النهار

هل سيتجنّب ترامب مناظرة أخرى مع هاريس؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
هو يقول إنه لا يحتاج إليها... ما صحة تقييمه؟
هل سيتجنّب ترامب مناظرة أخرى مع هاريس؟
مصافحة بين نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب قبل المناظرة (أ ب)
A+   A-

لم يعبّر لوم مؤيدي ترامب لشبكة "إيه بي سي" على طريقة إدارة مناظرة الثلاثاء عن عدم نضج سياسي وحسب. هو مثّل أيضاً إدراك أصحاب الملامة أن مرشحهم خسر المناظرة. كان بإمكان بعض المعلّقين المحافظين دراسة أخطاء الرئيس السابق بما يساعد فريقه على استنتاج مكامن الخلل وتصحيحها استعداداً للمناظرة المقبلة، إن حصلت.

 

مع ذلك، فضّل كثير من المحلّلين المحافظين، بمن فيهم مخضرمون مثل الباحث في "معهد هوفر" فيكتور هانسون، التشبث بالنقاط الرائجة لدى أقصى اليمين، وأهمها أن الإعلام مهتم بإكساب نائبة الرئيس كامالا هاريس المناظرة.

 

كرّر هؤلاء انتقادهم لتحقّق مديرَي المناظرة، ديفيد موير ونانسي ديفيس، من ادّعاءات ترامب إنما بدون التحقق من مزاعم هاريس. ليست جميع انتقاداتهم في غير محلها. لم يشدد الإعلاميان مثلاً على سؤال هاريس بشأن التقلبات في عدد من مواقفها، مثل التكسير الهيدروليكي وبناء جدار حدودي، أو في ربطها ترامب بـ "مشروع 2025" وغيرها.

 

لكن ما يفوت محمّلي الإعلام مسؤولية سوء أداء ترامب أنه يُفترض، بحسب منظورهم الخاص لـ "تحيز" الإعلام الطويل المدى ضد الرئيس السابق، أن يكون ترامب مستعداً سلفاً للتحيز المفترض. لكن ترامب لم يكن مستعداً لذلك ولا حتى للتشديد على نقاطه الرابحة في المناظرة، باستثناء حالات قليلة، من بينها تصريحه الختامي. ففي كلماته النهائية، سأل ترامب منافسته عن سبب عدم تطبيقها خلال الأعوام الثلاثة الماضية كل الوعود التي تتحدث عنها اليوم أمام الأميركيين.

 

عالم ترامب

حافظ بعض معلقي اليمين، أو الذين كتبوا تحليلاتهم في منصات تميل إلى اليمين، على التوازن في قراءة مجريات المناظرة. يشير مثلاً الأستاذ الفخري للعلوم السياسية في جامعة شيكاغو تشارلز ليبسون إلى أنه من ليس من واجب مديرَي المناظرة التدخل لتصحيح مزاعم المرشّحين (في هذه الحالة مزاعم مرشح واحد) بل يعود هذا الأمر إلى الصحافيين أو الحملات الرئاسية. وكتب في مجلة "سبكتيتور" أن "مديري المناظرة لم يكونا أكبر مشكلة لترامب... أكبر مشكلة لترامب كانت هو نفسه". لقد كانت إجاباته "غير منضبطة" ومخصصة لـ "تجمع من أنصاره المخلصين".

 

وهذا ما لاحظه المراقب إريك ليفيتز من موقع "ڨوكس" الليبرالي. كتب ليفيتز أن ترامب خسر المناظرة لأنه قضى وقته طويلاً على شبكة الإنترنت بدليل زعمه المُفنّد بأن المهاجرين "يأكلون الحيوانات الأليفة" في إحدى مدن أوهايو. يقرّ الكاتب بأن الناخبين المترددين يشاطرونه تشكيكه بالمخاوف من المهاجرين، لكنه يضيف أنه أمكن ترامب التعامل مع مخاوفهم بطرق عدة مختلفة عن أمثلة أصحاب نظريات المؤامرة. وحديثه عن هجوم الكابيتول في السادس من كانون الثاني باستخدام أول حرف من ذلك الشهر (J6) يشير أيضاً إلى عبارة يتداولها أشخاص ليس لديهم مساحة كتابة طويلة، أي الناشطون على "أكس". باختصار، بدا ترامب مركزاً على مناصريه المتحمسين بدلاً من الناخبين المترددين الذين لا يقضون جزءاً كبيراً من وقتهم على الإنترنت.

 

بالفعل، وجد موقع "بيو للأبحاث" أن معظم الأميركيين لا يملكون حسابات على "أكس" (تويتر سابقاً) حيث ينشط أقصى اليمين. في الواقع، يحتلّ "أكس" المرتبة التاسعة من حيث حجم الانتشار في الولايات المتحدة، مع استخدامه من قبل 22 في المئة من الأميركيين فقط متساوياً بذلك مع تطبيق "ريديت". ويحل "يوتيوب" في المركز الأول (83) و"فيسبوك" ثانياً (68).

 

ماذا تعني المطالبة بمناظرة أخرى؟

خسارة ترامب للمناظرة لا تعني بشكل حتمي خسارته للانتخابات، لكنها تعني الكثير بالنسبة إلى تفكير الرئيس السابق بخوض مناظرة ثانية مع هاريس. يعتقد بعض المحافظين، مثل كايلي وايت في "واشنطن إكزامينر"، أن مسارعة فريق هاريس للمطالبة بمناظرة ثانية تعني أن مرشحتهم خسرت الأولى أو أنها لم تحقق نقاطاً إضافية ليلة الثلاثاء. وكتب ترامب ما يشبه ذلك على منصة "تروث سوشل".

 

ليس بالضرورة أن يكون هذا التحليل صحيحاً. ربما وجد فريق نائبة الرئيس أنه يسهل إلحاق الهزيمة بترامب، ولهذا السبب يمكن أن تمثّل مناظرة أخرى "ضربة قاضية" للمرشح الجمهوري.

 

في هذا السياق، يستبعد المستشار السياسي دوغلاس شون أن يقبل ترامب خوض منافسة أخرى كهذه. شون، وهو خبير استطلاعات لأربعين عاماً، كتب في شبكة "فوكس نيوز" أن الرئيس السابق لن يرضى بمناظرة تديرها وسيلة إعلامية تقليدية حتى أن احتمال قبوله بأخرى تديرها "فوكس نيوز" نفسها ضئيل.

 

وأشار شون إلى أن ترامب كان قادراً في مسيرته السياسية على تحقيق اختراقات مع الناخبين في تجمعاته الانتخابية، وبشكل منفصل عن أي مواجهة مباشرة يمكن أن تحمل مخاطر متأصلة مع خصومه. "يتمتع ترامب بجاذبية فريدة ومقنعة أثناء حملته الانتخابية. وقد رأينا الدليل على ذلك مراراً وتكراراً".

 

هل نسي مطلبه؟

تبدو حسابات شون منطقية. وهي أيضاً قريبة مما قاله ترامب في مداخلة مع "فوكس نيوز". حين سألته الشبكة عما إذا كان مستعداً لخوض مناظرة يجريها إعلامياها بريت باير ومارثا ماكالوم، اقترح ترامب أسماء أخرى من الشبكة عينها مثل جيسيه ووترز، لأنه بحسب ما تبين، قال الأخير إن ترامب فاز في المناظرة. لكن الرئيس السابق أضاف في النهاية: "لا أعلم ما إذا كنتُ أريد خوض مناظرة أخرى... نحن أقل ميلاً لذلك".

 

لكن ماذا لو نُظر إلى تفادي ترامب مناظرة ثانية مع هاريس على أنها هروب من المواجهة؟ سيعزز ذلك تصور أن ترامب خسر في المناظرة الأولى بالرغم من أنه يقول العكس، وليس أدل على إعجابه الضمني بأداء هاريس من اشتباهه في حصولها على الأسئلة بشكل مسبق.

 

اللافت أخيراً أن ترامب نفسه دعا سريعاً إلى مناظرة أخرى مع بايدن، بعد تلك التي أجرتها "سي إن إن" في 27 حزيران (يونيو)، وفي "أي زمان وأي مكان" يريده الرئيس.

 

دعوة أكثر من معبّرة.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium