في الثامن من أيلول (سبتمبر)، نشرت كامالا هاريس صورة على منصة "إكس" من ألبوم صورها طفلة في السبعينات تزور الهند، محاطة بأمها وجدها وجدتها، معلقة بأن الأخيرة كانت ناشطة في مجال توعية النساء الهنديات على وسائل تحديد النسل.
في اليوم نفسه، أعادت لورا لومر تغريد منشور هاريس، وكتبت: "إذا فازت هاريس بالرئاسة، سيفوح البيت الأبيض برائحة الكاري، وستلقي خطاباتها عبر مركز اتصالات، والشعب الأميركي لن يستطيع التعليق على الخطاب إلا عبر استطلاع في نهاية الاتصال، لن يَفهم منه شيئاً".
بجملة لا تتعدى كلماتها الأربعين، تطاير الريش من العصافير العديدة التي أصابتها بحجر واحد الناشطة السياسية "اليهودية اليمينية" كما تصف نفسها. ابنة فلوريدا حشرت بمهارة مجموعة من الإهانات العنصرية والصور النمطية المسيئة طالت الهنود كجماعة وعرق ومهاجرين وصولاً إلى اللكنة حين يتحدثون الإنكليزية.
ما بررته بأنه "حس فكاهة" لم يكن أحد ليقف عنده، على الرغم من أن لديها أكثر من مليون متابع على "إكس". ففي سيرتها العامة الكثير مما يقول عنها وعن اعتمادها على التصريحات والتصرفات الفاقعة لكي توصل رسالتها، كائناً ما كانت هذه الرسالة، بأكبر ضجة ممكنة. كأن تعلن عن غبطتها العارمة لغرق ألفي مهاجر في المتوسط، أو تصف الإسلام بالسرطان، وتعلن أنها فخورة بعدائها للمسلمين، أو أن تضع نجمة ديفيد صفراء (للتذكير بما عاناه اليهود في ألمانيا النازية) وتقيد نفسها بسلاسل في بوابات مقر شركة "تويتر" قبل بضعة أعوام حين حظرت الأخيرة حسابها على منصتها، قبل أن يستحوذ عليها إيلون ماسك ويغير اسمها ويعيد لومر ودونالد ترامب معاً إلى المنصة.
ومن ترامب بالتحديد تستمد لومر صعودها مؤخراً إلى الضوء، مستدرجة استهجاناً ديموقراطياً واسعاً انضم إليه البيت الأبيض نفسه حين قالت المتحدثة باسمه كارين جان-بيار بأن "لا قائد ينبغي أن يرتبط مع شخص يروج لمثل هذه البشاعة والعنصرية المسمّة". وفي واحدة من المرات النادرة بشدة، اتفق جمهوريون وترامبيون مع الديموقراطيين في انتقاد لومر، وفي مقدمهم مارجوري تايلور غرين، النائبة الماغاوية الأعلى صوتاً وشعبوية في الكونغرس، والتي وصفت لومر بأنها عنصرية متطرفة لا تمثل الماغا الحقيقية.
لم تحرم تغريدة لومر صاحبتها من الاستمرار في الظهور إلى جانب ترامب متلاصقين أحياناً. بعد يوم على المناظرة الأخيرة بينه وبين هاريس، رافقت لومر ترامب على متن طائرته الخاصة إلى "غراوند زيرو" في مانهاتن لإحياء ذكرى أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، والتي كانت قد اعتبرتها سابقاً، بصفتها "صحافية استقصائية"، عملاً داخلياً، في نظرية مؤامرة اتهمت فيها الحكومة الفيدرالية بتدبير وتنفيذ الخطة الجهنمية التي غيرت وجه أميركا والعالم إلى الأبد.
الجمهوريون الغاضبون من وجود لومر بقرب ترامب لم يوجهوا الانتقاد مباشرة إليه، بل صبوا غضبهم عليها. وهي في المقابل لديها طاقة فائقة على الرد على منتقديها إن عبر "إكس" أو من خلال قناتها على رامبلر (شبيه "يوتيوب")، يمكنها أن تحكي خلاله في بث مباشر لأربع ساعات متواصلة.
وترامب، حين سئل عنها الجمعة الفائت، قال إنه لم يعرف بنظريتها بشأن "11 سبتمبر"، وإنه لا يتحكم بلورا ويمكنها أن تقول ما تريد فهي "روح حرة".
هذه الروح الحرة قرر ترامب في العام 2023 ضمها إلى حملته الانتخابية لكنه استمع إلى مساعديه حينها وعدل عن قراره بسبب قلقهم من غضب الحزب الجمهوري إذا باتت رسمياً تحت جناحه. لكن صعودها على سلم ترامب يعود إلى العام 2017 حين قاطعت عملاً مسرحياً كتبه ويليام شكسبير في العام 1600 تقريباً، يعرض في السنترال بارك في نيويورك بعنوان "يوليوس قيصر"، حيث اجتاحت الخشبة بعد مشهد طعن القيصر بالخناجر وصرخت: "هذا عنف ضد دونالد ترامب. أوقفوا جعل العنف السياسي ضد اليمين أمراً عادياً".
في العام 2020 نالت تهنئة ترامب بعد فوزها في الانتخابات الجمهورية التمهيدية عن إحدى مقاطعات فلوريدا لكنها خسرت أمام خصمها الديموقراطي، وبعد سنتين خسرت في التمهيدية أمام خصم جمهوري. لكن سوء حظها في الانتخابات قابله حسن طالع في علاقتها مع ترامب، إذ زارت "مارألاغو" تسع مرات خلال السنوات الثلاث الفائتة، وهو يمدحها في خطاباته، واستمر على علاقته الجيدة بها على الرغم من عدوله عن ضمها إلى فريقه.
لومر اليهودية التي تؤمن بنظرية مؤامراتية أخرى عن "استبدال العرق الأبيض" في أميركا، أطلقت اتهاماً (تبناه جمهوريون آخرون) لجو بايدن بأنه بشكل أو بآخر كان وراء محاولة اغتيال دونالد ترامب في تموز (يوليو) الفائت حين قال قبل أيام من المحاولة ما معناه أنه "آن الأوان لجعل ترامب نقطة الهدف المركزية". ليعود ترامب إلى التلميح بمسؤولية الديموقراطيين عن الرصاصة التي كادت تصيب رأسه. كلام آخر تبناه ترامب غطى على كل ما سواه في المناظرة مع هاريس كان اتهامه للمهاجرين بالتهام القطط والكلاب. هذه المعلومة القيمة كان مصدرها بحسب جمهوريين لومر نفسها التي رافقت ترامب على متن الطائرة في طريقه إلى المناظرة في فيلادلفيا.
غرين وصفت علاقة لومر بالحملة بـ"المسّمة"، لترد عليها الأخيرة في مناوشات بينهما بأن غرين تغار منها لقربها من ترامب على العكس منها. لومر أيضاً، ورداً على انتقاد السناتور ليندسي غراهام لها، طلبت منه أن "يخرج من الخزانة، لأننا جميعاً نعرف أنك مثلي، وهذا أمر عادي" (غراهام ينفي أنه مثلي).
الضوضاء التي يبدو أن لومر تثيرها داخل أروقة الحملة وخارجها، دفعت ترامب السبت إلى تصريح أكثر وضوحاً مما سبقه، حين كتب على منصته بأن لومر لا تعمل ضمن حملته بل هي مواطنة عادية ومناصرة منذ زمن بعيد. وأضاف أنه لا يوافق على تصريحاتها، لكنها ومثل الملايين من مناصريه، "ضاقت ذرعاً من مشاهدة الماركسيين اليساريين المتطرفين والفاشستيين وهم يهاجمونني بعنف (…)"، ليكمل منشوره بمهاجمة كامالا هاريس.
موقف لا يشفي غليل مناوئي لورا لومر ولا يشي بأنه يضع حداً لوجودها اللصيق به، وهذا ما يفعله ترامب دائماً: لا يخذل علناً من يعتبرهم أوفياء في حبه ودعمه حتى لو كانوا متطرفين.
موقف آخر لم يصدر بعد عن امرأة معنية مباشرة بالانتخابات الحالية، هي أوشا فانس، المحامية الهندية الأميركية زوجة جي دي فانس المرشح الجمهوري نائباً لترامب. زوجها بدوره لم يبدر عنه حتى اللحظة أي تعليق بشأن تغريدة لومر، حتى في معرض دفاعه بناء على تجربته الخاصة مع رائحة الكاري الشهية وثراء المطبخ الهندي وتنوعه وجذوره الممتدة في التاريخ، على العكس من المطبخ الأميركي، الحديث نسبياً، والذي لا يزال في معظمه يدور حول ما يمكن إضافته على شريحة اللحم في شطيرة الهمبرغر.