قبل أن يطلق النار على هدفه المفترض، رمى راين ويزلي روث رشاشه الحربي في النقطة التي استطاع الوصول إليها، والاختباء بين شجيراتها على بعد نحو 400 متر من الرئيس السابق دونالد ترامب الذي كان يمارس هوايته المفضلة في ملعب الغولف الذي يحمل اسمه في مقاطعة بالم بيتش بفلوريدا عصر الأحد.
أحد عناصر الخدمة السرية المولجة بحماية ترامب رصد المشتبه به وأطلق رصاصاته باتجاهه، فانتهت محاولة الاغتيال المحتملة بفرار مشتبه به تاركاً خلفه رشاشه وحقيبة ظهر وكاميرا صغيرة (GoPro) على سياج الملعب. أحد الشهود رصد رجلاً يفر إلى سيارة سوداء ماركة نيسان، استحوذت الجهات الأمنية على رقم لوحتها. بعد وقت قصير، وعلى بعد نحو ثمانين كيلومتراً شمال ملعب الغولف، ألقي القبض على رجل أبيض في العقد السادس من عمره عند إشارة سير وكان متعاوناً وهادئاً في التعامل مع الجهة الأمنية التي أوقفته.
راين روث إذاً، أحدث اسم ينضم إلى القائمة الطويلة من منفذي محاولات الاغتيال بحق الرؤساء الأميركيين، وقد منح ترامب رقماً قياسياً جديداً لرئيس سابق يتعرض لمحاولتي اغتيال متتاليتين بفارق زمني لا يتعدى الشهرين.
لم تتردد الأجهزة الأمنية، المحلية أو الفيدرالية في وصف الحادث بأنه محاولة اغتيال. ومع أن لا معلومات رسمية أعلنت عن روث أو عن دوافعه للتخطيط والتنفيذ، سرعان ما امتلأت المواقع الإخبارية ومنصات السوشيل ميديا بصوره ومواقفه السياسية.
في الثامنة والخمسين من عمره، آخر عنوان إقامة لروث يعود إلى هاواي. لكنه أمضى معظم عمره في ولاية نورث كارولينا، من دون مهنة واضحة المعالم، إذ يبدو أنه يؤسس مشاريع لا يكتب لها الاستمرار، وسجله القانوني غني باتهامات مثل شيكات من دون رصيد، وحيازة "سلاح دمار شامل" ومشاكل أخرى.
صوّت روث كديموقراطي في الاقتراع التمهيدي في نورث كارولينا الأخير هذا العام. قبل إيقاف حسابه الأحد على "إكس"، أُنقذت بعض تغريداته، وأهمها توجهه إلى ترامب في العام 2020 يخبره فيها أنه انتخبه في العام 2016 وكان يتمنى، هو والعالم، في حينها أن "يكون ترامب الرئيس شخصاً مختلفاً عن ترامب المرشح، لكننا جميعاً أصبنا بخيبة أمل عظيمة بتراجعك وتفاقم سوء حالتك".
شغف روث الأصلي ليس دونالد ترامب، بل أوكرانيا التي ذهب إلى كييف سابقاً للدفاع عنها، وأسس موقعاً إلكترونياً بدائياً بعنوان "حاربوا من أجل أوكرانيا" لتجنيد المتطوعين للقتال فيها والمدنيين من أنحاء العالم كافة للقدوم إلى ساحة الاستقلال في كييف للدفاع عنها، كما يدعو كل الدول إلى منح أوكرانيا ما تملك من صواريخ وأسلحة نووية. ويطرح خطة عالمية قوامها "أن تقوم بريطانيا وإسرائيل وفرنسا والهند والولايات المتحدة بتسليم (أوكرانيا) كل صواريخها البعيدة المدى، بينما تتفاوض مع إيران وكوريا الشمالية لتشتري منهما كل ما يمكنها منحه أو بيعه من صواريخ مقابل تخفيف العقوبات عليهما".
في الشرح الطويل لخطته العسكرية، يطلب روث من كل مركب صيد وسفينة شحن ويخت التوجه أيضاً إلى شواطئ أوكرانيا كما تحريك البارجات من أنحاء العالم كافة، وصولاً إلى ملء البحر الأسود بها وبتر أي احتمال للبحرية الروسية بالتحرك.
كلما تعمق روث في الشرح ازدادت الغرائبيات في منشوره وصولاً إلى المطالبة بإعادة 1400 رأس نووي إلى أوكرانيا سحبت منها قبل 30 سنة، لمحو موسكو من الوجود. "لماذا يخاف العالم من ضربة نووية، ما الفرق بين دمار يحدثه مئة صاروخ وقنبلة نووية غير التلوث الذري؟" يسأل.
روث المستعد لفداء أوكرانيا بدمه، لم يوفّق بالانضمام إلى القوات المسلحة فيها بسبب تقدمه في العمر حين وصل إليها قبل سنتين، ولأنه لا يملك أي خبرة عسكرية. خطته البديلة حينها كانت تطويع آلاف المسلحين الأفغان والسوريين للقتال ودعوة المدنيين للزحف إلى العاصمة عبر التسلل من بولندا ثم ركوب الباص. المراسلون في وسائل الإعلام الأميركية الذين استعادوا تجربتهم في محاورة روث بعد الإعلان عن اسمه الأحد، قالوا إنهم خرجوا بانطباع بأن الرجل ساذج وبسيط، في ألطف طريقة ممكنة للإيحاء بأنه معتوه.
هذه الحماسة المطلقة للدفاع عن أوكرانيا بخطط تصلح لأفلام خيال علمي، وقد تؤدي في حال اتفق الكوكب على تنفيذها إلى فنائه بطبيعة الحال، تبدو إلى الآن الدافع الرئيسي لتوجه روث إلى ملعب الغولف الأحد ليقطع على دونالد ترامب مطاردته كراته البيضاء من حفرة إلى أخرى. أين يقف ترامب على خريطة الرجل للحرب الكونية الجاهزة للتنفيذ في ذهن روث؟ هذا ما قد يكشفه بنفسه إذا اختار التعاون مع المحققين، ولم يلجأ إلى حقه بالامتناع عن الكلام بناء على التعديل الخامس للدستور الأميركي.