لا تزال الجهود الأميركية الرامية إلى التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة يصيبها الجمود بعد نحو عام من القتال، ويواصل الحوثيون مهاجمة ممرّات الشحن في البحر الأحمر، والآن وعلى الرغم من الدبلوماسية المكثّفة التي تقودها الولايات المتحدة، يتصاعد خطر تحوّل صراع إسرائيل و"حزب الله" في لبنان إلى حرب إقليمية شاملة.
مع اقتراب موعد انتهاء ولاية إدارته، يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن سلسلة من الأزمات في الشرق الأوسط من المرجّح أن تستعصي على الحل قبل مغادرته منصبه في كانون الثاني (يناير)، ومن المؤكّد تقريباً أنّها ستلطّخ إرثه في السياسة الخارجية، بحسب محلّلين ودبلوماسيين أجانب.
وعانى بايدن على مدار العام الماضي من أجل تحقيق التوازن بين دعم إسرائيل ضد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة وجماعة "حزب الله" في لبنان وبين محاولته احتواء الخسائر بين المدنيين ومنع اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط.
وواجه مراراً أوجه القصور في هذه الاستراتيجية، كان آخرها رفض إسرائيل أمس الخميس لاقتراح تدعمه الولايات المتحدة بإعلان هدنة مدّتها 21 يوماً عبر الحدود اللبنانية بينما تواصل إسرائيل شن ضربات قتلت مئات اللبنانيين.
وقال نائب ضابط المخابرات الوطنية السابق لشؤون المنطقة في الحكومة الأميركية جوناثان بانيكوف "ما نراه هو حدود قوة الولايات المتحدة ونفوذها في الشرق الأوسط".
ولعل المثال الأكثر وضوحاً على هذا الاتجاه هو إحجام بايدن عن ممارسة قدر كبير من نفوذ واشنطن، باعتبارها أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل والدرع الدبلوماسي لها في الأمم المتحدة، لإخضاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإرادتها.
على مدى ما يقرب من عام، سعت الولايات المتحدة دون جدوى إلى التوسط في اتفاق بين إسرائيل و"حماس" لوقف القتال وتحرير الأسرى الذين احتجزهم المسلّحون في هجومهم عبر الحدود على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) والذي أشعل فتيل أحدث حرب في غزة.
وتفيد مصادر مطلعة على الأمر بأنّه لا يوجد أي تقدّم وشيك.
ويسارع المسؤولون الأميركيون إلى إلقاء اللوم في فشل المفاوضات على "حماس"، لكن بعضهم أشاروا أيضاً إلى تغيير نتنياهو للمطالب.
خلال الزيارات التسع التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة منذ السابع من تشرين الأول، وجد الدبلوماسي الأميركي نفسه على خلاف مرّات عدّة مع كبار القادة الإسرائيليين.
في إحدى المناسبات في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حث بلينكن في مؤتمر صحافي إسرائيل على وقف هجومها العسكري في غزة للسماح بدخول المساعدات إلى الجيب الفلسطيني. وبعد لحظات، رفض نتنياهو الفكرة في بيان أذاعه التلفزيون وقال فيه إنه أوضح لبلينكن أن إسرائيل ستواصل عملياتها "بكل قوة".
ولم يستجب البيت الأبيض حتى الآن لطلب التعليق على هذا التقرير.
مصداقية أميركا على المحك
نسب زعماء غربيون إلى بايدن الفضل في تنشيط التحالفات الرئيسية للولايات المتحدة، بما في ذلك مع حلف شمال الأطلسي وكبار الشركاء الآسيويين، بعد أن شكّك سلفه دونالد ترامب في قيمة مثل هذه العلاقات.
وتجلّى ذلك في نيسان (أبريل) عندما حشدت إدارة بايدن الدعم من الشركاء الإقليميين والأوروبيين للمساعدة في الدفاع عن إسرائيل في مواجهة هجوم إيراني بطائرات مسيرة وصواريخ.
لكن بعض الدبلوماسيين الأجانب يعتبرون أن تعامل بايدن مع الأوضاع في الشرق الأوسط المضطرب، وخاصة في طريقة الاستجابة لحرب غزة، أضعف مصداقية الولايات المتحدة على الساحة الدولية.
وقال أحد المسؤولين الغربيين "كان الخطأ الأصلي الذي ارتكبه الرئيس بايدن هو القول إن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب إسرائيل مهما كلف الأمر. ولم نتعافَ من ذلك".
وذكر دبلوماسي في الشرق الأوسط أن الدبلوماسية الأميركية "فشلت في ترهيب الخصوم"، مشيراً إلى أن بايدن أرسل أصولاً عسكرية إلى المنطقة بعد السابع من تشرين الأول كتحذير لإيران والجماعات المتحالفة معها لكن يبدو أن ذلك لم يردعها على الإطلاق.
ويواصل الحوثيون في اليمن الهجمات الصاروخية على الشحن التجاري في البحر الأحمر على الرغم من إرسال بايدن وغيره من القادة الغربيين السفن الحربية لتعزيز الحماية.
وقال نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط في عهد إدارة ترامب مايكل مولروي "كان بإمكانه أن يكون أسرع في الرد وأكثر صرامة في مواجهة هذه الهجمات التي يشنّها وكلاء".
ورفض المسؤولون الأميركيون مراراً مثل هذه الانتقادات قائلين إن دبلوماسيتهم أحدثت فرقاً نحو الأفضل وإن الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة ساعد حتى الآن في تجنّب اتّساع نطاق الصراع في غزة إلى حرب إقليمية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، رأت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في مجلس الأمن أن "الدبلوماسية تتطلّب عملاً شاقّاً وجهداً، وللأسف تستغرق وقتاً. وهي لم تفشل".
ومع ذلك، تحطّمت آمال بايدن منذ السابع من تشرين الأول حيال ما كان يروّج له ذات يوم على أنّه إنجاز محتمل في السياسة الخارجية وهو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية إلى جانب ضمانات أمنية أميركية للرياض.
وفي الأمم المتحدة حيث أيّد مجلس الأمن في حزيران (يونيو) اقترلح بايدن للتوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة مقابل إطلاق سراح الأسرى، هناك دلائل على أن الصبر على الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط ينفد.
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أمس الخميس إن الجهود المبذولة لوقف العنف في الشرق الأوسط تمثّل "عاماً من الفشل" وإنّه إذا لم تتم محاسبة الحكومة الإسرائيلية فإنها لن تستمع إلى القانون الدولي "وإنّها لا تستمع إلى أصدقائها بما في ذلك الولايات المتحدة".
ووصف بانيكوف، مسؤول المخابرات السابق الذي يعمل الآن في مؤسسة مجلس أتلانتيك البحثية في واشنطن، جوهر معضلة إدارة بايدن في غزة على النحو التالي "الخطة (أ) لم تنجح منذ شهور. فما هي الخطة (ب)؟".
ومع تهديد إسرائيل بشن هجوم بري في لبنان ومواصلة الضغط على "حزب الله" المتحالف مع إيران من أجل إعادة آلاف النازحين الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال، فإن الأزمة هناك قد تتفاقم أيضاً.
وقد يكون لمسار الصراع في لبنان تداعيات أخرى ليس فقط على إرث بايدن ولكن أيضاً على الحملة الرئاسية لنائبته كامالا هاريس. وبعض الناخبين الديموقراطيين التقدّميين غاضبون بالفعل من الدعم الأميركي الراسخ لإسرائيل.
والأنظار الآن متوجّهة إلى نتنياهو لمعرفة ما إذا كان سيستجيب لدعوات بايدن لتجنب المزيد من التصعيد في لبنان.
ومع بقاء أربعة أشهر فقط لبايدن في منصبه، يتوقّع المحللون أن يرث خليفته الأزمات الحالية.