النهار

بين "الاسلاموفوبيا" ومعاداة السامية والتضامن مع فلسطين... لماذا تخشى إسرائيل التحركات الطالبية حول العالم؟
فلسطين- مرال قطينة
المصدر: النهار العربي
مع اتساع الاحتجاجات والاعتصامات داخل جامعة كولومبيا، يشعر الإسرائيليون بالرعب والخوف كلما اتسعت المواجهات
بين "الاسلاموفوبيا" ومعاداة السامية والتضامن مع فلسطين... لماذا تخشى إسرائيل التحركات الطالبية حول العالم؟
اعتصام الطلاب في جامعة كولومبيا. أ ف ب
A+   A-
مع اتساع الاحتجاجات والاعتصامات داخل جامعة كولومبيا، والتي امتدت لتشمل جامعات أخرى عريقة في مختلف الولايات المتحدة، ووصولها إلى أستراليا ومدن اوروبية كلندن وباريس، يشعر الإسرائيليون بالرعب والخوف، وتخرج عن سيطرة روايتهم مجموعات أكبر من الطلبة والأكاديميين.
 
في إسرائيل، اتهم الصحافي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية في القناة 13 الإسرائيلية تسفيكا يحزقيلي "حماس والإخوان المسلمين وقطر"، بالوقوف وراء الاحتجاجات غير المسبوقة التي تعصف بالجامعات الأميركية.
 
وجهة نظر الصحافي المستوطن، الذي يسكن في تجمّع غوش عتصيون الاستيطاني شمال مدينة الخليل، أعلنها في شريط فيديو نشره على صفحته على موقع "فايسبوك"، وقال إنّ "هناك من الإسرائيليين من يعتقد أنّ ما يحدث في جامعة كولومبيا سببه حركة طلاب أغبياء، تمّ تضليلهم ولا يفهمون الرأي العام أو الإعلام الأميركي او الصراع".
 
وأضاف يحزقيلي في اتهاماته: "أنا اعتقد أيضاً أنّهم أغبياء ويتمّ استخدامهم، لكن هناك سببين لتحويل هؤلاء الطلاب الحرم الجامعي إلى معقل حمساوي"، ذلك لأنّ "كتائب عزالدين القسام شجعتهم على حمل صور ليحيى السنوار وزكريا الزبيدي داخل حرم الجامعة، ومنعهم دخول المحاضرين والطلاب اليهود إليه" وفق تعبيره.
 
وأشار يحزقيلي إلى أنّ معاداة السامية، وتسلّل الإخوان المسلمين الى الجامعات والرأي العام في الغرب، كلها بسبب الأموال التي تمنحها قطر لاستثمارها في البرامج الأكاديمية، وإغراق الجامعات بالأموال بخاصة في الدول الغربية، فما تقوم به قطر ليس لدعم التعليم أو للاهتمام بالعلم، بل لنشر أفكار ومعتقدات الإخوان المسلمين".
 
تحريض يحزقيلي
لا يمكن التغاضي عمّا صرّح به يحزقيلي مع بدايه الحرب الشرسة على قطاع غزة، وخصوصاً قوله "إنّ على اسرائيل أن تقتل 100 ألف فلسطيني في قطاع غزة".
 
ومن لا يعرف يحزقيلي اليهودي الشرقي المولود لأبوين من أصول عراقية وكردية، ويتحدث العربية بطلاقة، لن يفهم لماذا ينتهج الرجل هذه الطريقة لنشر أفكاره المعادية للإسلام داخل المجتمع الإسرائيلي، فبعد إنهاء خدمته العسكرية، انضمّ يحزقيلي إلى جهاز الأمن العام "الشاباك" الإسرائيلي، وعمل في طاقم الحراسات الأمنية للسفارات الإسرائيلية في الخارج.
 
سبق ليحزقيلي أن صوّر وأنتج برنامجاً عن المسلمين في أوروبا وأميركا، وحصل على تدريبات من جهازي الموساد والشاباك لينتحل شخصية شيخ مسلم ويقوم بالتحريض على الإسلام والمسلمين، مستخدماً الإسلاموفوبيا لتحقيق غاياته. وليس صعباً لمن يتابعه أن يكتشف حجم الأزمة العميقة التي يعاني منها في تعريف هويته كونه إسرائيلياً من أصول شرقية "سفارديم" داخل مجتمع يسيطر عليه "الاشكينازيم"، وتصالحه مع ذاته وتحوله من علماني ليبرالي إلى متشدّد حريدي. وما بين الصراع الشرقي والغربي داخله وشعوره بالنقص داخل مجتمعه وبالتفوق على الفلسطيني كونه إسرائيلياً، تبلورت شخصيته، فهو غالباً ما يدّعي بأنّه يعرف كل شيء، لكن ينتهي به المطاف دائماً بأنّه لا يفقه شيئاً ويصوّب نيرانه للتحريض على الإسلام وازدراء الأديان والكره المفرط للفلسطينيين.
 
 
تصريحات متطرفة
في السياق ذاته، خرج وزير الأمن القومي المتطرّف إيتمار بن غفير، الذي يوصف في إسرائيل بالإرهابي المدان بـ 52 تهمة، بتصريحات أكثر تطرفاً نشرها في تغريدة له على منصة "اكس"، قال فيها إنّه طلب من مفوض الشرطة الإسرائيلية "صياغة خطة لإنشاء قوات دفاع محلية، من شأنها حماية الجاليات والمؤسسات اليهودية في الخارج. وعرض بن غفير في هذا الخصوص تجربته في قمع الفلسطينيين، واستنساخها لقمع الطلاب الأميركيين في الاحتجاجات التي تجري في الولايات المتحدة، وينص اقتراحه أيضاً على إنشاء ميليشيات إسرائيلية تعمل إلى جانب أجهزة الامن في دول العالم.
 
واعتبر بن غفير مطالب الطلاب الأميركيين بوقف الحرب واستنكارهم الإبادة الجماعية والتنديد بأفعال اسرائيل في غزة، شكلاً من أشكال معاداة السامية.
 
بالتزامن مع تصريح بن غفير، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما يحدث في الجامعات الأميركية بـ"المروع"، ووصف المحتجين بالغوغائيين المعادين للسامية، يريدون السيطرة على الجامعات البارزة". وقال في الفيديو الذي نشره على حسابه في منصة "اكس"، إنّ ما يحصل غير معقول ويتعيّن وقفه وإدانته على نحو لا لبس فيه".
 
معاداة السامية والصهيونية
على الرغم من الاختلاف العميق داخل المجتمع اليهودي حول الصهيونية، تروّج الحكومة الإسرائيلية وحلفاؤها منذ فترة طويلة، بأنّ معاداة الصهيونية ومعاداة السامية وجهان لعملة واحدة. ووصل الخلط بين هذه المصطلحات خلال الشهر الأخير من الحرب في قطاع غزة إلى درجة كبيرة، وساهم في اشتعال معاداة السامية في كل أنحاء العالم.
 
يُعرّف البروفسور أفي شلايم، المعروف بأنّه أحد "المؤرخين الجدد"، الاختلافات بين معاداة السامية التي تعني كراهية الشعب اليهودي لأنّهم يهود، ومعاداة الصهيونية، فهي معارضة للإيديولوجيا الصهيونية، أو بشكل أوضح انتقاد سياسات محدّدة تتبعها الحكومة الإسرائيلية.
وبينما تبقى معاداة السامية شكلاً قبيحاً من الكراهية لا ينبغي تبريره على الإطلاق، يميل الخطاب المناهض للصهيونية إلى الاستناد على الأدلة.
 
يضيف شلايم: "بينما تدّعي الحكومة الإسرائيلية ومؤيدوها أنّ معاداة الصهيونية تحرم اليهود من دولة خاصة بهم بسبب دينهم، ما يجعل معاداة الصهيونية معاداة للسامية كونها تستهدف مجموعة معينة، لا تحمل هذه الحجة منطقاً، لأنّ مناهضي الصهيونية لا يقولون إنّ اليهود لا يستطيعون تقرير مصيرهم، لكنهم ينتقدون كيفية سعي الصهيونية إلى ممارسة حق تقرير المصير في مكان معين على حساب شعب آخر في تقرير مصيره".
 
ويخلص شلايم إلى أنّ القضية العميقة التي تكمن في الخلط بين المعتقدين، هي لإسكات أي انتقادات للحكومة الاسرائيلية، أو سياسات الاحتلال التي تنتهجها تجاه الفلسطينيين. انّها استراتيجية الخلط لتحويل الانتباه عن الانتقادات المشروعة للسياسة الإسرائيلية، حيث سبق أن مكّنت تكتيكات العلاقات العامة الإسرائيلية العدوانية، اليمين المتطرف من دفع الأفكار المعادية للسامية من دون الوقوع في مشاكل.
 
من جهته، رأى الباحث في "مركز تقدّم للدراسات" أمير مخول، أنّ الحكومة الإسرائيلية ومعها المعارضة تكثران من اعتماد خطاب "اللاسامية" في التعاطي مع حركات الاحتجاج العالمية ضدّ الحرب على غزة، وتعتبران كل من لا يقبل برواية إسرائيل بصدد السابع من تشرين الأول (اكتوبر)، بأنّه معادٍ للسامية أو مساند للإرهاب.
 
منذ التسعينات من القرن الماضي واظب نتنياهو على توسيع تعريف اللاسامية، مدعوماً بموقف شمعون بيريز، باعتبار أنّ اللاسامية لا تنحصر في الموقف من اليهود كيهود، وإنما في الموقف من الصهيوينة باعتبارها الحركة القومية ليهود العالم ومن دولة إسرائيل، بوصفها البيت القومي لليهود من مواطنين وممن هم مواطنو دول أخرى في أنحاء العالم. واعتبر أنّ من يطلق الحملات ضدّ إسرائيل أو ضدّ الصهيونية إنما يمسّ باليهود ويعتبر ذلك "لاسامية"، وكذا الأمر بالنسبة للموقف من المستوطنين، حيث يتمّ اعتباره "لاسامية" وليس موقفاً من الاحتلال الاستيطاني الاستعماري.
 
ويخلص مخول مطالعته قائلاً: "تبعاً لذلك، تمّ اعتبار حركات التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وتحديداً حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي اس)، والحركات اليهودية المناهضة للسامية والناشطة في الدول الغربية، أنّها معادية للسامية، وشمل ذلك حركات مثل الصوت اليهودي من أجل السلام، والمجلس اليهودي العالمي المناهض للصهيوينة وحركة "ناطوري كارتا" الدينية الحريدية.
 
وقد نجحت الحملة الإسرائيلية والصهيونية المذكورة في تحقيق إنجازات لصالحها والتأثير على تعريف معاداة السامية وتوسيعه ومدّه ببعد قانوني يحظر مخالفته، لتُصدم حالياً بحراك شعبي عالمي هائل لصالح الحق الفلسطيني.
 
وعلى الرغم مما تتعرّض له التحركات العالمية المتضامنة مع الفلسطينيين من قمع وعنف، للتخويف ولإنهاء الاحتجاجات بسرعة، يرفع المتظاهرون في الجامعات من دون أي خوف أو تردّد، شعارات مؤيّدة لفلسطين والفلسطينيين، ويطالبون بإنهاء قتل المدنيين على أيدي الجيش وآلة الحرب الإسرائيلية، ووقف كل أشكال الدعم العسكري والمالي والسياسي الأميركي لإسرائيل.
 
لماذا يخيف إسرائيل؟
يُنظر إلى الحركة الطالبية على أنّها من أبرز القطاعات فعالية وحضوراً في الحياة السياسية المعاصرة، فقد ساهمت في صياغة الواقع الداخلي للعديد من الدول، بخاصة تلك التي كانت تحت وطأة الاحتلال والاستعمار. والأمر نفسه بالنسبة للشعوب التي رفضت أن تخضع لأنظمة القمع والاضطهاد. فالحركات الطالبية ساندت الشعوب المضطهدة عبر العالم، وكانت رائدة وسبّاقة في الاحتجاج ضدّ احتلال الدول الاستعمارية الكبرى لأراضي الغير بالقوة، والاستيلاء على خيراتها، كما حدث في التظاهرات الطلابية ضدّ الغزو الأميركي لفيتنام، أو تظاهرات الطلبة الفرنسيين ضدّ استعمار فرنسا للجزائر.
 
وقد أثرت الحركة الطالبية في الحياة السياسية العامة لكثير من الدول، كونها ثورية مستقلة وتحررية، كما أنّها جزء لا يتجزأ من الحركة الاجتماعية العامة، وربما يكون هذا أكثر ما يخيف إسرائيل والإدارة الأميركية، كون الاحتجاجات على مدى التاريخ داخل الجامعات لها تأثيرات عميقة على المجتمع والمشهد السياسي الأميركي عامة.
 
وبعد أن تحركت الأصوات الداعمة لإسرائيل للردّ على حركة الاحتجاج، ازداد إصرار المتظاهرين أكثر على حقهم في حرّية التعبير بشكل سلمي، حيث أنّ هذه الاحتجاجات تأخذ شكل الاعتصامات داخل خيم مع تنظيم حلقات رسم وغناء ورقص، بينما يبدو الطلاب مسالمين وقد حدّدوا أهدافهم.
 
تتصرّف الشرطة بعنف وسطوة كبيرين، وتقوم بمعاملة الكوادر الأكاديمية بطريقة مهينة، علماً أنّ الطلاب لم يتعرّضوا بالاعتداء على أي من الأساتذة اليهود أو الطلاب، كما أنّ جزءاً من المحتجين هم من اليهود، وهناك تمثيل لكل الفئات والخلفيات العرقية الاجتماعية والثقافية.
 
الهجوم على حركة الاحتجاجات ضدّ إسرائيل لن يؤدي إلّا إلى تقويتها، فقد اعتبرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أنّ العاصفة التي تجتاح الجامعات في الولايات المتحدة بسبب الحرب في قطاع غزة، هي المعضلة الأساسية التي لا تستطيع جامعات النخبة حلها، وهي كيفية السماح بحرّية التعبير للمتظاهرين من ناحية، والحفاظ على الشعور بالأمن لمجتمع الحرم الجامعي بأكمله.
 
ويبدو أنّ رئيسة الجامعة المصرية- الأميركية مينوش شفيق، استخلصت استنتاجات من الثمن الذي دفعه قبلها رئيسا جامعتي هارفرد وبنسلفانيا، اللذان اضطرا إلى الاستقالة بعد اتهامات بفشلهما في التعامل مع مظاهر معاداة السامية داخل الحرم الجامعي. لكن اختيار شفيق قمع الاحتجاج باستدعاء الشرطة والاعتقال الجماعي للمتظاهرين وإيقافهم عن الدراسة، لم يحلّ المشكلة، بل زاد الأمر سوءاً. وتسبّب الاعتقال العلني والموثق للطلاب في إنشاء مخيم جديد واستمرار التظاهرات وموجة الانتقادات الحادة من أعضاء الهيئة التدريسية الذين يتهمون شفيق بقمع حرّية تعبير الطلاب والاستسلام لضغوط السياسيين الجمهوريين.
 
ولفتت "هآرتس" إلى أنّ الجولة الحالية تُظهر حجم الضغط المستحيل الذي تعمل من خلاله إدارات المؤسسات الأكاديمية البارزة. فمن ناحية، يتعاملون مع جيل من الطلاب التقدميين الذين يطالبون بإسماع أصواتهم بشأن القضية الفلسطينية، ويعبّرون في بعض الأحيان عن آراء كانت تُعتبر حتى بدء الحرب الحالية غريبة تماماً عن التيار الرئيسي الأميركي. ومن ناحية أخرى، فإنّهم يواجهون المانحين اليهود الأكبر سناً، المعروفين بآرائهم الليبرالية في الشؤون الأميركية الداخلية، لكنهم يشعرون بالولاء لإسرائيل التي عرفوها في شبابهم، ويجدون صعوبة في انتقادها... إنّهم مرعوبون من بعض الشعارات في التظاهرات، ولا يترددون في استخدام محافظهم للضغط على المؤسسات لوقف الاحتجاجات المناهضة للحرب.
 
وأضافت الصحيفة، أنّ ما يزيد الوضع تعقيداً هو أنّ التظاهرات في حدّ ذاتها عبارة عن أحداث معقّدة. ويردّد المتظاهرون شعارات تراوحت بين المطالبة بإنهاء الاحتلال في أراضي العام 1967، وبين المطالبة بدعم أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر). وفي المنتصف، تُسمع شعارات مثل "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرّر"، والتي يمكن تفسيرها بشتى الطرق. وفي بعض التظاهرات يتمّ التركيز على دور الولايات المتحدة في الحرب، وعلى علاقات المؤسسات مع مصنّعي الأسلحة أو مع الكيانات التي لها نشاطات في المناطق.
 
يشارك في التظاهرات أولئك الذين يسعون إلى القضاء على دولة إسرائيل، وكذلك أولئك الذين تتطابق آراؤهم مع آراء اليساريين الإسرائيليين، كما ينشط الطلاب اليهود، ما يقوّض الادعاء أنّ وجودهم في حدّ ذاته هو تعبير عن معاداة السامية في كولومبيا. حتى أنّ الطلاب اليهود من حركة "كول يهودي لا شالوم" - وهي حركة مناهضة للصهيونية - أقاموا ليلة عيد الفصح عشية العيد.
 
يبدو كما لو أنّ جزءاً من المشكلة هو الطريقة التي يُنظر بها إلى الحرم الجامعي اليوم، ليس كساحة للفكر الحر المتنوّع والصعب، ولكن كمكان يجب أن يشعر فيه الجميع بالراحة طوال الوقت.

اقرأ في النهار Premium