النهار

العالم عند منعطف ديموغرافي... مكانة القوى العظمى بخطر
المصدر: النهار العربي
أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا قبل عام أن انهيار معدّل المواليد في البلاد جعلها "تقف على حافة ما إذا كان بإمكاننا الاستمرار في العمل كمجتمع".
العالم عند منعطف ديموغرافي... مكانة القوى العظمى بخطر
طفلان حديثا الولادة.
A+   A-
بلغ العالم منعطفاً ديموغرافياً مذهلاً، فقريباً سينخفض معدّل الخصوبة العالمي إلى ما دون النقطة المطلوبة للحفاظ على معدل السكّان ثابتاً، وربما حدث ذلك بالفعل.
 
تتراجع الخصوبة في كل مكان تقريباً بالنسبة للنساء من جميع مستويات الدخل والتعليم والمشاركة في القوى العاملة. ويترتّب على انخفاض معدّلات المواليد آثار كبيرة على طريقة حياة الناس وكيفية نمو الاقتصادات وترتيب القوى العظمى في العالم.
 
انخفضت الخصوبة في الدول ذات الدخل المرتفع إلى أقل من المستوى الإحلالي في السبعينات (هو مستوى الخصوبة الذي عنده يكون لديه جيل من النساء عدد من البنات في المتوسط يكفي ليحل محلّهن وفق الإسكوا)، وتراجعت أكثر خلال جائحة كورونا، وهي تنخفض أيضاً في البلدان النامية. فقد تفوّقت الهند على الصين كأكبر دولة من حيث عدد السكّان العام الماضي، ومع ذلك فإن خصوبتها الآن أقل من المستوى المطلوب.
 
 
 
 
ويرى العديد من القادة الحكوميين أن هذه مسألة ملحّة على المستوى الوطني، فهم قلقون بشأن تناقص القوى العاملة وتباطؤ النمو الاقتصادي ونقص تمويل المعاشات التقاعدية وحيوية المجتمع الذي يتناقص عدد أطفاله باستمرار. ويترافق تناقص عدد السكّان مع تضاؤل النفوذ العالمي، ما يثير تساؤلات في الولايات المتحدة والصين وروسيا بشأن مكانتها كقوى عظمى على المدى الطويل.
 
ووصف المرشّح الجمهوري دونالد ترامب انهيار الخصوبة بأنّه تهديد أكبر للحضارة الغربية من روسيا. وقد أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا قبل عام أن انهيار معدّل المواليد في البلاد جعلها "تقف على حافة ما إذا كان بإمكاننا الاستمرار في العمل كمجتمع". وأعطت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني الأولوية لرفع "الناتج المحلي الإجمالي الديموغرافي" للبلاد.
 
وقال خبير اقتصادي متّخصّص في التركيبة السكانية في جامعة بنسلفانيا يُدعى خيسوس فرنانديز فيلافيردي: "الشتاء الديموغرافي مقبل". 

في حين أن الأمم المتحدة لم تنشر بعد معدّلات الخصوبة المقدّرة لعامي 2022 و2023، فقد وضع فرنانديز فيلافيردي تقديراته الخاصّة من خلال استكمال توقّعات الأمم المتحدة ببيانات فعلية لتلك السنوات التي تغطي نصف سكّان العالم تقريباً. وقد وجد أن سجّلات المواليد الوطنية عادةً ما تبلّغ عن ولادات أقل بنسبة 10٪ إلى 20٪ أقل مما توقّعته الأمم المتحدة.
 
في عام 2017، توقّعت الأمم المتحدة أن يستمر عدد سكّان العالم الذي كان يبلغ 7.6 مليارات نسمة آنذاك، في الارتفاع إلى 11.2 مليار نسمة في عام 2100. وبحلول عام 2022، خفّضت الأمم المتحدة توقّعاتها إلى 10.4 مليارات نسمة في عام 2080.
 
 
 
 
 
قام كيرني من جامعة ميريلاند واثنان من المؤلّفين المشاركين في دراسة نُشرت في عام 2021 للبحث عن تفسيرات محتملة للانخفاض المستمر، ووجدوا أن الاختلافات على مستوى الولاية في قوانين الإخطار بالإجهاض على مستوى الولاية والبطالة وتوافر برنامج Medicaid وتكاليف السكن واستخدام وسائل منع الحمل والتديّن وتكاليف رعاية الأطفال وديون الطلاب لا يمكن أن تفسّر أياً من هذا الانخفاض".

وتابعوا: "نشك في أن هذا التحوّل يعكس تغيّرات مجتمعية واسعة النطاق يصعب قياسها أو تحديدها كمياً".
 
قالت إيريكا بيتمان، وهي مصرفية أعمال تبلغ من العمر 45 عاماً في ولاية نورث كارولينا الشمالية، إنّها وزوجها اختارا إنجاب طفل واحد فقط بسبب المتطلبات التي تشغل وقتهما، مضيفة: "أشعر أنّني أم أفضل وأنّه يمكنني الذهاب إلى العمل، كما يمكنني تخصيص وقت لمرافقته في أنشطته المدرسية، لأن لديّ ولدٌ واحدٌ فقط لأنسّق جدولي الزمني معه".

وتشكّك بيتمان في قرارهما فقط عندما يقول ابنها إنّه يتمنّى لو كان لديه شقيق يلعب معه. لذلك تختار هي وزوجها وجهات العطلات التي تضم أندية للأطفال، حتى يتمكّن من اللعب مع آخرين في مثل عمره.
 
بدورها، قالت ماي ماريام توماس (38 عاماً) من مومباي والتي تدير شركة إنتاج صوتي، إنّها اختارت عدم الإنجاب لأنّها لم تشعر قط برغبة الأمومة. فهي ترى أقرانها يكافحون من أجل مقابلة الشخص المناسب، ويتزوّجون في وقت لاحق، وأحياناً يتطلّقون قبل أن ينجبوا أطفالاً. وأشارت إلى أن ثلاثة من صديقاتها على الأقل جمّدن بويضاتهن.
 
نشأت دانيال فيرمير (35 سنة) الطفلة الثالثة في عائلة مكوّنة من أربعة أطفال في الجانب الشمالي من شيكاغو، في حيّ كان يعج بالكاثوليك، وكان نصف أصدقائها المقرّبين لديهم عدد من الأشقاء مثلها أو أكثر. 
وقالت دانيال إنّها قبل أن تبدأ في إنجاب الأطفال، استشارت عشرات الأزواج الآخرين وكنيستها الكاثوليكية وقرأت ما لا يقل عن 8 كتب بشان هذا الموضوع، بما في ذلك كتاباً للبابا بولس السادس، واستقرّت هي وزوجها على ولدين كعدد مناسب.
 
ولعل ما من بلد حاول ذلك لفترة أطول من اليابان. فبعد أن انخفض معدّل الخصوبة إلى 1.5 في أوائل التسعينيات، طرحت الحكومة سلسلة من الخطط المتتالية التي تضمّنت إجازات للوالدين ورعاية الأطفال المدعومة، ومع ذلك استمرّت الخصوبة في الانخفاض.
 
ارتفع معدّل الخصوبة في اليابان من 1.26 في عام 2005 إلى 1.45 في عام 2015. ولكن بعد ذلك بدأ في الانخفاض مرّة أخرى، وفي عام 2022 عاد إلى 1.26.
 
وأطلق رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا هذا العام برنامجاً آخر لزيادة المواليد يمدّد المخصّصات الشهرية لجميع الأطفال دون سن 18 عاماً بغض النظر عن الدخل، وجامعة مجانية للأسر التي لديها ثلاثة أطفال، وإجازة والدية مدفوعة الأجر بالكامل.
 
قام رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان في العام الماضي بتوسيع نطاق المزايا الضريبية للأمّهات بحيث تُعفى النساء دون سن الثلاثين اللواتي لديهن طفل من دفع ضريبة الدخل الشخصي مدى الحياة. هذا بالإضافة إلى إعانات الإسكان ورعاية الأطفال وكذلك إجازات الأمومة الطويلة.
 
ارتفع معدّل الخصوبة في هنغاريا، ومع ذلك لا يزال أقل بكثير من المستوى الإحلالي منذ عام 2010. وعزا معهد فيينا للديموغرافيا ذلك في المقام الأول إلى تأخّر النساء في الإنجاب بسبب أزمة الديون التي ضربت البلاد في عام 2010، وخلُصت الدراسة إلى أن معدّل الخصوبة قد ارتفع بشكل بسيط فقط عند تعديل ذلك.
 
من جهّته، أشار الخبير الديموغرافي في شركة Hedgeye Risk Management نيل هاو إلى تقرير حديث للبنك الدولي يشير إلى أن تدهور التركيبة السكّانية قد يجعل هذا العقد الثاني على التوالي "عقداً ضائعاً" للنمو الاقتصادي العالمي.

وقال الخبير الاقتصادي في جامعة سيول الوطنية سوك تشول هونغ إن هناك ضغطاً شعبياً ضئيلاً للتحرّك، مضيفاً: "إن كبار السن غير مهتّمين جداً بإصلاح نظام التقاعد، والشباب غير مبالين بالسياسة. إنّه وضع مثير للسخرية حقاً".

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium