ارتفعت الى ستة حصيلة التوتر في أرخبيل كاليدونيا الجديدة في المحيط الهادئ، حيث يحاول مئات من عناصر الأمن الفرنسيين السبت إعادة الهدوء بعد ليلة خامسة من أعمال الشغب والنهب والاضطرابات الاضطرابات التي اندلعت على خلفية إصلاح انتخابي مثير للجدل.
وأعلن قائد قوات الدرك في كاليدونيا الجديدة الجنرال نيكولا ماتيوس لوكالة "فرانس برس" السبت، عن "سقوط قتيل وإصابة شخصين في منطقة كالا-غومين" بشمال الإقليم الفرنسي.
ولفت مصدر مطلع على الملف إلى أن الحادث وقع عند الساعة 14,30 بالتوقيت المحلي (03,30 ت غ فجر السبت)، وأن القتيل وأحد الجرحى كانا أبًا وابنه يحاولان عبور حاجز أقامه منفذو أعمال الشغب.
وبذلك، ترتفع الى ستة حصيلة القتلى جراء أعمال الشغب، بينهم اثنان من عناصر الدرك، قتل أحدهما بإطلاق نار عرضي من زميل له أثناء مهمة أمنية.
وتسعى القوات الفرنسية الى إعادة الهدوء للأرخبيل الواقع في جنوب المحيط الهادئ. وقامت فرق من مشاة البحرية والشرطة المدججة بالسلاح بدوريات في العاصمة نوميا حيث تغطي الشوارع آثار أعمال العنف الليلية.
وشاهد مراسلو وكالة "فرانس برس" في حيّ ماجينتا مركبات ومباني تحترق، بينما انتشرت وحدة من شرطة مكافحة الشغب في محاولة لفرض السيطرة على المنطقة.
وأبلغ سكّان ليلًا عن سماع دوي إطلاق نار وتحليق مروحيات و"انفجارات كبيرة" لما يبدو أنها عبوات من الغاز انفجرت داخل مبنى أُضرمت فيه النار.
ولجأ بعض السكان الى إقامة إجراءات حماية خاصة في انتظار عودة الهدوء. وتقف إيلين (42 عامًا) منذ أيام عند حواجز موقتة مع جيرانها وتقوم بمناوبات مدتها ساعتان لثلاث ساعات.
وقالت "في الليل نسمع إطلاق نار وأصوات انفجارات (...) وهبوط مروحيات وطائرات للجيش".
وفرضت حالة الطوارئ بعدما تصاعدت المعارضة ضدّ إصلاح دستوري يهدف إلى توسيع عدد من يُسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات المحلية ليشمل كلّ المولودين في كاليدونيا والمقيمين فيها منذ ما لا يقل عن عشر سنوات. ويرى المنادون بالاستقلال أنّ ذلك "سيجعل شعب كاناك الأصلي أقلية بشكل أكبر".
ووصل ألف عنصر إضافي من قوات الشرطة والدرك الفرنسية الى الأرخبيل ليل الخميس الجمعة، للانضمام الى 1700 من زملائهم المنتشرين أساساً.
ومن المقرر أن يساهم هؤلاء العناصر الجدد في إعادة الاستقرار الى مناطق التوتر الثلاث في نوميا الكبرى التي يقطنها سكان أصليون بشكل رئيسي.
ووُضع عشرة من "قادة" خلية تنسيق العمل الميداني، وهي المجموعة الأكثر تطرّفاً في "جبهة تحرير شعب الكاناك الاشتراكية"، قيد الإقامة الجبرية بشبهة رعايتهم أعمال العنف، حسبما أكد وزير الداخلية جيرالد دارمانان.
وحذّر الوزير المحلي فايموا موليافا السبت من أن الإقليم أصبح "على مسار تدميري"، قائلاً لمنفذي أعمال الشغب "أنتم تعاقبون أنفسكم فقط".
ودعت "خلية تنسيق العمل الميداني" الجمعة الى "الهدوء لكسر حلقة العنف".
رغم هذه الدعوة، قالت آني (81 عامًا) المقيمة في نوميا إنها سمعت أصوات انفجارات كبيرة ليلًا، مشيرة إلى أن أعمال العنف التي شهدها الأرخبيل هذا الأسبوع أسوأ من تلك التي شهدها في الثمانينيات حين كثرت عمليات القتل السياسي واحتجاز الرهائن.
"أكثر هدوءًا"
وكاليدونيا الجديدة هي مستعمرة فرنسية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
ويدور الجدل السياسي في الأرخبيل حول ما إذا كان ينبغي أن يكون جزءا من فرنسا أو يتمتع بحكم ذاتي أو استقلال، مع انقسام الآراء على أساس عرقية.
واندلعت موجة العنف الأخيرة بسبب خطط باريس لفرض قواعد تصويت جديدة يمكن أن تمنح عشرات الآلاف من السكان غير الأصليين حقوق التصويت.
وترى مجموعات مؤيدة للاستقلال أن من شأن ذلك أن يضعف أصوات السكان الأصليين "الكاناك" الذين يشكّلون نحو 40% من السكان.
ودعت السلطات الفرنسية إلى الحوار، مشيرة إلى أن الوضع أصبح "أكثر هدوءًا" وقد تمت السيطرة عليه.
وكان المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في كاليدونيا الجديدة لوي لو فران قال إن التعزيزات الجديدة ستعمل للسيطرة "على المناطق التي أفلتت من أيدينا في الأيام الأخيرة والتي لم تعد السيطرة عليها مضمونة"، وخصّ بالذكر ثلاث مناطق في العاصمة يسكنها سكان أصليون بشكل رئيسي.
وواجه "استئناف الحوار السياسي" الذي يدعو إليه الرئيس إيمانويل ماكرون عقبة مع إلغاء حوار عبر الفيديو كان مقررًا أن يعقده الخميس مع مسؤولين منتخبين محلياً. وأكد الإليزيه أن الإلغاء مرده لأن "الأطراف المختلفة لا ترغب في الحوار مع بعضها حاليا".
أضرار اقتصادية
تزامناً في نوميا، اصطف مئات الأشخاص أمام المتاجر، على أمل التزوّد بمواد غذائية وإمدادات.
وقال أحد موظفي سوبرماركت في ماجينتا السبت "تبضّعوا خلال عشرة دقائق للسماح للجميع بالحصول على إمدادات".
وأشارت إيلين الى أن الوضع الاقتصادي أصبح أكثر هشاشة في السنوات الأخيرة وإن الاضطرابات التي حصلت هذا الأسبوع ستفاقم الوضع.
وقدّرت مجموعة أعمال محلية الأضرار المتركّزة بشكل خاص في نوميا، بنحو 217 مليون دولار. الا أن الضرر الذي يلحق بسمعة الأرخبيل قد يكون أكبر.
وتُعدّ السياحة مصدر دخل أساسي لكاليدونيا الجديدة، لكن نحو 3200 سائح ومسافر تقطّعت بهم السبل في الأرخبيل وخارجيه بسبب إغلاق مطار نوميا الدولي جراء أعمال العنف.
الجمعة، قالت الهيئة الفرنسية لمكافحة التدخل الرقمي الأجنبي "فيجينوم" إنها رصدت حملة عبر الإنترنت "ضخمة ومنسّقة" تدفع بمزاعم بأن الشرطة الفرنسية أطلقت النار على متظاهرين مؤيدين للاستقلال.
ومن دون ذكر صلة مباشرة بأعمال العنف، اتهم وزير الداخلية الفرنسي الخميس أذربيجان بالتدخّل في الأرخبيل، وهو ما نفته باكو بشدة.