منذ عام 2020 هزّت سلسلة من الانقلابات العسكرية القارة الأفريقية: إثنان في مالي، وآخران في بوركينا فاسو، وواحد في كل من غينيا والنيجر على التوالي.
أواخر الأسبوع الماضي، برز خبر انقلاب في الكونغو الديموقراطية، ما أثار القلق من اضطرابات وأعمال عنف في هذه الدولة الغنيّة بالموارد الطبيعية، والتي يُقدر عدد سكانها بأكثر من 100 مليون نسمة، وخصوصاً أن البلاد تواجه صراعاً عنيفاً قديماً في الشرق، وأزمات اقتصادية واجتماعية، وأزمة ثقة بين الحكومة والمعارضة.
وبعد الإعلان عن فشل الانقلاب، بدأ التداول بمعلومات عن أميركيين بين المعتقلين المتورطين فيه، ما أثار موجة من التساؤلات وجعل من هذا التحرك الانقلابي محط اهتمام يوازي ما أثارته الانقلابات التي نجحت بالفعل.
قائد الانقلاب هو كريستيان مالانغا موسوماري، يبلغ من العمر 41 عاماً. وفي مقطع فيديو صوره قبل مقتله مباشرة، قال إنه يتزعم محاولة الانقلاب في جمهورية الكونغو الديموقراطية. وفي بثّ مباشر على "فايسبوك" خلال هجوم يوم الأحد، هدّد مالانغا الرئيس وهتف "زائير الجديدة!"، في إشارة إلى الإسم السابق لجمهورية الكونغو الديموقراطية. وتابع: "نحن، المسلحون، متعبون. لا يمكننا الاستمرار مع تشيسيكيدي وكاميرهي، لقد فعلا الكثير من الأشياء الغبية في هذا البلد"، في إشارة إلى الرئيس فيليكس تشيسيكيدي ونائب رئيس الوزراء السابق للاقتصاد فيتال كاميرهي.
وبعد ساعات قليلة تمكن ضباط الأمن من قتله.
ومالانغا، جندي سابق وواعظ إنجيلي أسس حركة "زائير الجديدة"، عاش في مملكة سوازيلاند كلاجئ سياسي في عام 1993، وكان عمره 15 عاماً، ثم انتقل بعد ذلك لاجئاً أيضاً إلى سولت ليك سيتي بولاية يوتا في عام 1998.
وترشح مالانغا للبرلمان في عام 2011، لكن تمّ اعتقاله قبل يومين من الانتخابات، وقد نفى نفسه إلى الولايات المتحدة في عام 2012 للحصول على الجنسية الأميركية.
وفي عام 2017، أنشأ حكومة في المنفى في بروكسل، أطلق عليها اسم "زائير الجديدة"، والتي يريد عبرها استعادة السيادة للشعب الكونغولي. وأعلن نفسه رئيساً للحزب الكونغولي المتحد، وهو حزب سياسي وطني أسسه بعد تجربته خلال الانتخابات النيابية عام 2011، بعدها تم اعتقاله واحتجازه لعدة أسابيع تحت قيادة الرئيس السابق جوزيف كابيلا. بعد إطلاق سراحه، ذهب مالانغا إلى الولايات المتحدة حيث أسس الحزب الكونغولي المتحد المعارض.
والمفارقة أن مالانغا كان رجل أعمال ثرياً، ويقيم في الولايات المتحدة حيث حصلت عائلته على اللجوء السياسي عندما كان طفلاً. وقام على مرّ السنين بحملة من أجل الحرية الدينية في أفريقيا وقاد مبادرات تدريبية لمكافحة الفساد للشباب الأفارقة في أوروبا.
واشتهر كريستيان مالانغا بمقاطع الفيديو المعادية لنظام الرئيس فيليكس تشيسكيدي، التي كان يصورها من الولايات المتحدة، حيث كان يقيم.
وخلال الانقلاب الفاشل، كان الى جانب مالانغا ابنه مارسيل البالغ من العمر 21 عاماً، وقضى كل حياته في ولاية يوتا، حيث كان نشطاً على وسائل التواصل الاجتماعي حيث كان ينشر صوراً لأسلوب حياته.
ونهاية الأسبوع الماضي، ظهر مارسيل في مقطع فيديو على منصة "اكس" إلى جانب رجل أبيض ملطخ بالدماء، ولم تكن هويته واضحة، وكلاهما محاط بالجنود الكونغوليين، ونشر صورة جواز سفر أميركي قيل أنه لأميركيين شاركوا مارسيل ووالده في محاولة الانقلاب الأخيرة.
ولا تزال السلطات تحاول كشف النقاب عن كيفية تحول مارسيل مالانغا من لعب كرة القدم في المدرسة الثانوية في ولاية يوتا إلى محاولة الإطاحة بزعيم إحدى أكبر الدول الإفريقية.
وإلى مارسيل مالانغا، فإن الأميركيين المتورطين في هذا التحرك العسكري، هم تايلور طومسون ومهرب الماريجوانا المدان بنيامين روبين زالمان بولون.
ليس واضحاً كيف جند مالانغا الأميركيين الآخرين لهجومه المشؤوم على الدولة الكونغولية. ويبدو أن علاقته بزالمان-بولون، الذي اعترف في عام 2015 بأنه مذنب في تهريب الماريجوانا، كانت من خلال شركة لتعدين الذهب تأسست في موزمبيق في عام 2022، وفقاً لمجلة رسمية نشرتها حكومة موزمبيق، وتقرير صادر عن نشرة Africa Intelligence الإخبارية.
سفيرة الولايات المتحدة لدى جمهورية الكونغو الديموقراطية لوسي تاملين، قالت في منشور لها على منصة "اكس" إنها صُدمت من التقارير التي تفيد بتورط مواطنين أميركيين في محاولة انقلاب. وأضافت "كونوا مطمئنين إلى أننا سنتعاون مع سلطات جمهورية الكونغو الديموقراطية إلى أقصى حدّ ممكن أثناء التحقيق في هذه الأعمال الإجرامية ومحاسبة أي مواطن أميركي متورط".