النهار

تغيير الخرائط غرباً والتنافس شرقاً يعيد روسيا إلى أفغانستان
باسل العريضي
المصدر: "النهار العربي"
في تشرين الأول (اكتوبر) من عام 2021 وعقب الانسحاب الأميركي من افغانستان، استضافت موسكو منتدى "فالداي" الدولي للحوار، وشارك في المحادثات وزراء خارجية 10 دول، ووزراء في حكومة طالبان لتصريف الأعمال في أفغانستان. وعلى هامش المؤتمر أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تدعم رفع حركة "طالبان" من قائمة المنظمات الإرهابية.
تغيير الخرائط غرباً والتنافس شرقاً يعيد روسيا إلى أفغانستان
عناصر طالبان يقومون بدورية في العاصمة كابول (أ ف ب - أرشيفية)
A+   A-

في تشرين الأول (اكتوبر) من عام 2021 وعقب الانسحاب الأميركي من افغانستان، استضافت موسكو منتدى "فالداي" الدولي للحوار، وشارك في المحادثات وزراء خارجية 10 دول، ووزراء في حكومة طالبان لتصريف الأعمال في أفغانستان. وعلى هامش المؤتمر أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تدعم رفع حركة "طالبان" من قائمة المنظمات الإرهابية.

وفي أوائل تموز (يوليو) الجاري، اعتبر بوتين أن حركة طالبان حليفة موسكو في "مكافحة الإرهاب"، معرباً عن ثقته في أن الحركة "معنية أيضاً بأن يكون كل شيء مستقراً وهادئاً وخاضعاً لقواعد معينة في أفغانستان".

بين التاريخين أعلاه، فتحت القوات الروسية حربها باتجاه أوكرانيا، ومعها انطلقت سلسلة من الاضطرابات السياسية والأمنية في أوروبا والعالم. وفي خضم هذه الحرب تعرضت موسكو لهجوم إرهابي في آذار (مارس) الماضي استهدف قاعة "كروكوس سيتي" الموسيقية، ما أسفر عن مقتل قرابة 140 شخصاً وإصابة أكثر من 145 آخرين، مما يجعله الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في روسيا منذ ثلاثة عقود.

 

وفي اليوم التالي للهجوم أعلنت أجهزة الأمن الروسية أن المشتبه بهم في الهجوم كانت لديهم "جهات اتصال" في أوكرانيا إلى حيث كانوا يعتزمون الفرار. الأمر عينه أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متوعداً بعاقبة كل المسؤولين عن الهجوم الإرهابي. وبينما كانت كييف تنفي كل هذه التهم أعلن تنظيم الدولة "داعش" والذي يعرف أيضاً في وسط آسيا بـ"ولاية خراسان" تبنيه للعملية. على الأثر بدأت التحليلات باتجاه التذّكير بحرب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وخروج "الجيش الأحمر" للمرة الأولى من "الستار الحديدي" ضد "المجاهدين"، خوفاً من انتقال العدوى الإيديولوجية الإسلامية الى داخل الجمهوريات الإسلامية السابقة.

 

تنظيم الدولة - ولاية خراسان

ظهر تنظيم "داعش-خراسان" في شرق أفغانستان أواخر 2014 وسرعان ما ذاع صيته بسبب وحشيته الشديدة، واستمد اسم خراسان من كلمة قديمة أطلقت على منطقة شملت أجزاء من إيران وتركمانستان وأفغانستان. وكان يُعدّ من أكثر التنظيمات الإقليمية التابعة لـ"داعش" نشاطاً، قبل أن تلحق به حركة طالبان والقوات الأميركية خسائر فادحة.

وفي سجله تاريخ طويل من الاستهدافات بينها مساجد داخل أفغانستان وخارجها، وتنفيذ تفجيرين في إيران أسفرا عن مقتل قرابة 100 شخص، خلال إحياء الذكرى الرابعة لاغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني. وفي أيلول (سبتمبر) 2022، أعلن مسلحو التنظيم مسؤوليتهم عن تفجير انتحاري تسبب بسقوط قتلى بالسفارة الروسية في كابول. وكان التنظيم مسؤولاً عن هجوم على مطار كابول الدولي في 2021 أدى إلى مقتل 13 جندياً أميركياً وعشرات المدنيين خلال عملية الإجلاء الأميركية الفوضوية من أفغانستان.

بالعودة إلى روسيا، فإن تنظيم "ولاية خرسان" يرى أن موسكو شريكة في أنشطة "تضطهد المسلمين" خصوصاً مع دخولها العسكري المباشر في سوريا وشن هجمات على مواقع تابعة لتنظيم "داعش" وغيرها من التنظيمات "الجهادية". وهنا، مرّة جديدة تخشى موسكو أن يصل تأثير هذه التنظيمات المتطرفة إلى داخل الجمهوريات السابقة التي كانت تحت راية الاتحاد السوفياتي.

 

ربطات العنق بدل الجيش الأحمر

 تقاطعت المصالح الروسية مع طالبان، وتنظيم "ولاية خراسان" قد يكون الواجهة لمثل هذه "المصالحة" ورفع طالبان عن لائحة "الارهاب الروسية". من جهة طالبان تسعى لفك العزلة الدولية عنها بعد إحكام سيطرتها على أفغانستان عقب الانسحاب الأميركي. وتريد أن تجعل من حكمها للدولة الواقعة وسط آسيا بمثابة جسر بين الدول الإقليمية بما يضمن توطيد أركان حكمها على الرغم من تشديد قبضتها على الحياة الاجتماعية والدينية، ورفضها انخراط "المعارضة" في نظام الحكم والمشاركة بالحكومة، وبالحسابات السياسية هؤلاء هم كانوا بالأمس القريب حلفاء القوى الغربية وتلك الإقليمية القريبة.

وهذه القوى الإقليمية، تجد أن إقامة علاقات دبلوماسية مع "طالبان" من شأنه أن يعزز الأمن الإقليمي، في ظل وجود تيارات "جهادية" تعمل على تقويض أمن هذه الدول. لكن من جهة ثانية فإن التنافس على النفوذ في آسيا الوسطى بين القوى الإقليمية الكبرى مثل الصين وروسيا، على الرغم من التقارب الآني بينهما، يفرض على موسكو الغارقة في حرب دموية والرازحة تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الغربية، أن تخرج إلى محيطها القريب لمواجهة تغيير الخرائط القادم من الغرب مع توسع نفوذ حلف شمال الأطلسي.

أبعد من ذلك، تبحث دول آسيا الوسطى عن أسواق جديدة، وفي الوقت نفسه تحتاج دول جنوب آسيا إلى إمدادات جديدة من النفط والغاز والكهرباء، لاسيما مع التوترات التي يشهدها الشرق الأوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي من جهة اليمن. وفي هذا السياق، تقول صحيفة "أتلايار" (atalayar) الإسبانية  في تقرير الكاتبة مارغاريتا أريدونداس نُشر عام 2021، إن أفغانستان فيها موارد طبيعية ذات قيمة عالية جداً، مثل الحديد والنحاس والكروم والزنك والرصاص والرخام، إلى جانب وجود احتياطات كبيرة من النفط والغاز. وفي عام 2017، قال تقرير صادر عن الحكومة الأفغانية إن الاكتشافات المعدنية الجديدة في العاصمة كابول بما في ذلك الوقود الأحفوري تصل قيمتها إلى نحو ثلاثة تريليونات دولار.

وأمام هذه الأرقام، باتت الصين تقود الاستثمارات في أفغانستان، وتعمل على بناء نظام تعدين فعّال تلبية لاحتياجاتها الكبيرة من المعادن، بعد أن كانت في طليعة الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع طالبان. والأمر لايقتصر على الصين وحدها إذ أن باكستان التي تجمعها علاقات تاريخية مع كابول، تسعى أيضاً للحصول على حصة من هذه الثروات.

في ظلّ هذا التنافس والمكاسب الاقتصادية التي يمكن تحقيقها، كان لابدّ لموسكو أن تتوجه عائدة نحو أفغانستان، إنما هذه المرة بربطات العنق بدل "الجيش الأحمر".

اقرأ في النهار Premium