في أيلول (سبتمبر) الماضي، بالتزامن مع انعقاد قمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي أن بلاده لن تخجل من الحديث عن "مسؤولياتنا كقوة في المحيط الهادئ، هناك خمسة من تحالفاتنا العسكرية السبعة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وبالتالي ستؤكد نائبة الرئيس أن الولايات المتحدة تأخذ هذه المسؤوليات على محمل الجد".
في تلك القمة ترأست نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس وفد بلادها، بدلاً من الرئيس جو بايدن، وفي كلمتها أكدت أن "للشعب الأميركي مصلحة عميقة في مستقبل منطقة المحيطين الهندي والهادئ"، لكن غياب بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ أثار تساؤلات حول جدوى مشاركة واشنطن في المنطقة، في حين تعمل الصين على زيادة نفوذها كمستثمر رئيسي في مشاريع البنية التحتية.
وهذا الأسبوع، يقود وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الوفد الأميركي إلى اجتماع "آسيان" الذي تستضيفه لاوس، وعلى جدول الأعمال مسألتان أساسيتان، الدفع قدماً بالمساعي لحلّ أزمة ميانمار، والبحث في التوترات في بحر الصين الجنوبي.
إن كانت قضية ميانمار وتحولها إلى حرب أهلية تقضّ مضاجع دول شرق آسيا، مع نزوح ما يقارب من ثلاثة ملايين شخص، فإن التوترات في بحر الصين الجنوبي هي مشروع صراع عالمي يهدد التجارة العالمية، وعلى ضفافه تتلاطم أمواج النزاع الأميركي الصيني.
وبحسب بيان وزارة الخارجية الأميركية، هذه هي الرحلة الـ 18 لبلينكن إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ منذ توليه منصبه. وخلال مشاركته شدّد رئيس الدبلوماسية الأميركية على أهمية العمل الذي تقوم به واشنطن مع حلفائها وشركائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ "لتعزيز الأمن والرخاء وتسهيل رؤية مشتركة لمنطقة حرة ومفتوحة"، وعلى التزام الولايات المتحدة الدائم "تعميق العلاقات وتوسيعها إلى مستويات غير مسبوقة وإنشاء علاقات يعزز بعضها بعضاً لمعالجة أكبر التحديات التي نواجهها اليوم".
بعيدأ عن اللغة الدبلوماسية، فإن التحديات تعني مواجهة النفوذ الصيني، وسعيها إلى تحويل العلاقة مع "آسيان" إلى شراكة استراتيجية. أمّا تعزيز الأمن وتسهيل رؤية مشتركة لمنطقة حرة، فيعنيان مواجهة مزاعم بكين بأحقيتها شبه الكاملة على بحر الصين الجنوبي، متجاهلة مطالب دول "آسيان" وبينها الفيليبين التي حصلت على تحكيم دولي يؤكد عدم وجود أسس قانونية لمطالب الصين الواسعة، وتصر الصين على أن السفن الفيليبينية تتعدى على أراضيها السيادية وتتهم مانيلا باستفزازات متعمدة. مع الإشارة إلى أن حركة التجارة السنوية التي تعبر هذا الممر المائي تقدر بنحو 5 تريليون دولار.
جولة أبعد من آسيان
زيارة بلينكن لشرق آسيا، لا تقتصر على حضور إجتماع لاوس، إنما ستشمل فيتنام واليابان والفيليبين وسنغافورة ومنغوليا، على أن يرافقه زميله وزير الدفاع لويد أوستن في اليابان لمناقشة التعاون الثنائي لزيادة تعزيز الردع الأميركي الموسع الذي تدعمه القدرات الدفاعية اليابانية. وسينضم الوزير بلينكن أيضاً إلى نظرائه الأوسترالي والهندي والياباني في اجتماع وزراء خارجية الرباعية في طوكيو، لتأكيد الإلتزام بالازدهار والاستقرار الإقليميين.
وفي الفيليبين، سيجتمع الوزيران بلينكن وأوستن مع وزيري الخارجية الفيليبيني إنريكي مانالو والدفاع جيلبرتو تيودورو لإجراء حوار وزاري 2 + 2، وهو أول حوار 2 + 2 بين الولايات المتحدة والفيليبين يعقد في مانيلا. أما البحث فسيركز على الرؤية المشتركة بشأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ ودعم القانون الدولي، لاسيما في بحر الصين الجنوبي.
أما في باقي الدول التي تشملها جولة بلينكن، فإن البحث سيتركز على التعاون التكنولوجي مع سننغافورة وعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية مع منغوليا، وسبل تعزيز المؤسسات الديموقراطية، على التزام الولايات المتحدة تجاه منغوليا باعتبارها "جارتها الثالثة" بحسب بيان الخارجية الأميركية.
زيارة بلينكن لآسيا تستغرق عشرة أيام وتشمل ست دول، وعلى رغم أن البعض وضعها في إطار "الزيارة الوداعية" لرأس الدبلوماسية الأميركية قبل الانتخابات الرئاسية، غير أن هذه الزيارة مع ما تحمله من ملفات تؤكد أن المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس تعطي كل اهتمامها لشرق آسيا ومواجهة الصين.
وتنقل مجلة "غلوبال تايمز" عن لو شيانغ، الزميل الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن "من المرجح أن يتركز اهتمام بلينكن على محاولة إقامة علاقات أقوى مع اليابان والفيليبين، وهما أهم حلفاء الولايات المتحدة بموجب المعاهدة، بهدف جعل هذه التحالفات أكثر صلابة وتحويلها إلى قواعد أكثر فائدة لمواجهة الصين".
وعلى خط الحزب الجمهوري، لا داعي للتفصيل في مواقف الرئيس السابق دونالد ترامب تجاه الصين، وفي هذا السياق نقلت وكالة "فرانس برس" عن دبلوماسي مشارك في اجتماع "آسيان" قوله إن سياسة بكين في الممر المائي "تدفع بعض دول جنوب شرقي آسيا الى التقرب من الولايات المتحدة". وبحسب الدبلوماسي عينه الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه فإن "الدبلوماسيين في المنطقة يتحضرون لاحتمال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل... ودول المجموعة تعرف إلى حد ما كيف تتعامل معه، ما يروق له وما لا يروق".
إذا كانت قمة العام الماضي شهدت غياب الرئيس الأميركي ما فسّر بأنه عدم اهتمام أميركي بـ"آسيان"، فإن النظر إلى مواقع الدول التي ستشملها زيارة بلينكن الآسيوية والملفات التي يحملها، تدلّ بشكل قاطع الى ان شبكة التحالفات التي تقوم بها واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة التنين الصيني ستكون في صلب سياسة البيت الأبيض بصرف النظر عن ساكنه ولونه الحزبي.