أن يفوز رئيس بولاية ثالثة، في أي دولة من دول العالم الثالث ليس خبراً يستأهل كثيراً من التحليل، وفنزويلا ليست استثناء عن هذه القاعدة. إنما في هذا العالم المضطرب لا يمكننا إغفال العامل الجيوسياسي في صراع الدول والذي باتت أميركا اللاتينية إحدى ساحاته الخلفية، بعد أن كانت قد دخلت في سبات ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
ما أن أظهر فرز الأصوات فوز الرئيس نيكولاس مادورو، حتى أعلنت زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو أن "المعارضة لديها الوسائل لإثبات فوز مرشحها إدموندو غونزاليس أوروتيا في الانتخابات الرئاسية".
وأوروتيا هو دبلوماسي سابق يبلغ 74 عاما، كتب على منصة "اكس" قائلاً إن "معركتنا متواصلة ولن نهدأ إلى أن تنعكس رغبة الشعب الفنزويلي على أرض الواقع... لا يمكن تكذيب النتائج، اختارت البلاد التغيير السلمي".
مادورو بدوره خرج إلى مناصريه بلباس يمثّل ألوان ونجوم العلم الفنزويلي، مندداً بما وصفه محاولة تنفيذ "انقلاب فاشي معاد للثورة في فنزويلا"، وهو كان سبق له أن حذّر قبيل الانتخابات من "حمام دم" حال خسارته.
أزمة دبلوماسية مع دول الجوار
في خضم هذه الأزمة السياسية، تشهد شوارع المدن تحركات احتجاجية على إعلان فوز مادورو، مدفوعة بأزمة اقتصادية ومالية بدأت عام 2016 وجعلت فنزويلا في طليعة الدول التي تعاني حالة من التضخم المفرط، ويعد الوضع الاقتصادي من أبرز أسباب الهجرة التي تضغط على حدود الولايات المتحدة الجنوبية، إذ يعيش معظم الفنزويليين ببضعة دولارات شهريا فقط. وبحسب أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR فقد غادر نحو 8 ملايين شخص فنزويلا منذ عام 2014. وبحسب الباحث في دراسات أميركا اللاتينية في مجلس العلاقات الخارجية ويل فريمان، فإن مثل هذا الوضع "قد يكون بمثابة مفاجأة سيئة للغاية في تشرين الأول (أكتوبر) بالنسبة للديمقراطيين" في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.
ويعاني السكان نقصاً حادّا في الكهرباء والوقود، على الرغم من أن فنزويلا تضم أكبر احتياطات نفطية في العالم مع قدرة إنتاجية ضئيلة جداً، فوق ذلك يبدو أن البلاد ذاهبة نحو أزمة سياسية دبلوماسية مع دول الجوار مع بعض الاستثناءات القليلة. فقد رفضت دول لاتينية عدة الاعتراف بالنتيجة التي وصفها رئيس كوستاريكا رودريغو تشافيز بأنها قائمة على "الاحتيال" بينما رأى رئيس تشيلي غابريال بوريك أنه "يصعب تصديقها" ودعت تسع دول أميركية لاتينية إلى "مراجعة كاملة" لنتائج انتخابات فنزويلا، فيما حضّت البرازيل وكولومبيا على إجراء مراجعة للنتائج. وفي بيان مشترك نشرته وزارة الخارجية الأرجنتينية طلبت الأرجنتين وكوستاريكا والإكوادور وغواتيمالا وبنما وباراغواي والبيرو وجمهورية الدومينيكان وأورغواي "مراجعة كاملة للنتائج بحضور مراقبين مستقلين".
واعتبرت كراكاس أن موقف حكومات الأرجنتين وتشيلي وكوستاريكا وبنما والبيرو وجمهورية الدومينيكان والأوروغواي "يقوض السيادة الوطنية"، داعية دبلوماسييها إلى مغادرة هذه البلدان. وأعلنت البيرو استدعاء سفيرها للتشاور، فيما أعلنت بنما تعليق العلاقات مع كراكاس.
هذا في أميركا اللاتينية، وإذا توجهنا شمالاً نحو الولايات المتحدة، نجد بيانات تنمّ عن قلق عبرّ عنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن بإشارته إلى وجود "مخاوف جدية من أن النتيجة لا تعكس رغبة الشعب الفنزويلي"، في حين دعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى "الشفافية".
"المعسكر الشرقي" يقدم التهاني
في ظلّ "الحرب الباردة" الدائرة، على الرغم من رفض دول القرار الإعتراف بذلك علانية، سارعت عض الدول إلى تقديم التهاني لمادورو، ومعظم هذه الدول تدور في فلك ما كان يُعرف بـ"المعسكر الشرقي" أي الحليف للاتحاد السوفياتي.
فكانت رسائل الدعم من الصين وكوبا ونيكاراغاوا وهندوراس وبوليفيا، وقد أعلنت المكسيك أنها ستعترف بالنتائج. أما روسيا فكان موقفها متقدم على سائر "الحلفاء"، إذ اعتبر الكرملين أنه على المعارضة قبول هزيمتها في الانتخابات الرئاسية، محذراً دولاً لم يسمها، من التدخل في السياسة الداخلية لفنزويلا.
مادورو وقبله الرئيس الراحل هوغو تشافيز، يعدان من الحلفاء المقربين من الكرملين، وفي الفترة الانتقالية بين حكم تشافيز ومادورو كادت البلاد أن تدخل حرب أهلية بين المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة، والمؤيدين لشافيز ومن ثم مادورو المدعوم من روسيا. وسبق للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن فرضا عقوبات قاسية على نظام مادورو لسنوات.
وفي العام الماضي، تعهد مادورو بإجراء انتخابات حرة ونزيهة مقابل تخفيف العقوبات، في محادثات بوساطة الولايات المتحدة. ولكن بعد انتخابات يوم الأحد، ألقت اتهامات الاحتيال بظلال من الشك على ما إذا كانت فنزويلا ستتمكن من العودة إلى الساحة الدولية.