النهار

صفقة تبادل السجناء بين روسيا والغرب... فاتحة لاختراق سياسي على الجبهة الأوكرانية؟
سميح صعب
المصدر: النهار العربي
بعثت أكبر صفقة لتبادل السجناء بين روسيا والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة، بعض الآمال في امكان أن تنجح الجهود الدبلوماسية، في التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع الروسي- الأوكراني.
صفقة تبادل السجناء بين روسيا والغرب... فاتحة لاختراق سياسي على الجبهة الأوكرانية؟
بايدن مع أسر الأميركيين المفرج عنهم. (أ ف ب)
A+   A-
 
بعثت أكبر صفقة لتبادل السجناء بين روسيا والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة، بعض الآمال في امكان أن تنجح الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع الروسي - الأوكراني.    
 
 لا يقلل من هذا الاحتمال، استبعاد الكرملين أن تكون صفقة التبادل مقدمة لبدء مفاوضات مع كييف حول سبل إنهاء الحرب التي مضى عليها أكثر من عامين ونصف، وتحولت في واقع الأمر إلى حرب استنزاف، مع عجز أي من الطرفين على كسر الجمود المسيطر على جبهة تمتد على أكثر من ألف كيلومتر.   
 
ثماني دول انخرطت في عملية تبادل السجناء أو كان لها دور في التوسط أو في تسهيل الإفراج عن 16 سجيناً غربياً بينهم ثلاثة أميركيين منهم إيفان جيرشكوفيتش مراسل صحيفة "وول ستريت جورنال"، في مقابل 8 مواطنين روس، أبرزهم عميل الاستخبارات الخارجية "إف. إس. بي" فاديم كراسيكوف، الذي كان مسجوناً في ألمانيا بتهمة قتل قائد شيشاني متمرد في 2019.    
 
 الدول المشاركة في العملية شملت روسيا والولايات المتحدة وألمانيا وبولندا وسلوفينيا والنروج وبيلاروسيا وتركيا. والصفقة التاريخية بين الشرق والغرب التي تعتبر نجاحاً دبلوماسياً مهماً للرئيس الأميركي جو بايدن، لم يتأخر الديموقراطيون في توظيفها لمصلحة الحملة الانتخابية لنائبة الرئيس كامالا هاريس المرشحة الديموقراطية للرئاسة، بعد اعلان بايدن عزوفه عن الترشح لولاية ثانية، تحت ضغوط من كبار القادة في الحزب على خلفية ما يرونه من تراجع في قدراته الجسدية والذهنية.   
 
بايدن حرص على اصطحاب هاريس معه إلى قاعدة أندروز الجوية لاستقبال جيرشكوفيتش والجندي السابق في المارينز بول ويلان والصحافية في راديو " أوروبا الحرة - راديو الحرية" ألسو كورماشيفا التي تحمل الجنسيتين الأميركية والروسية. 
 
ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان الذي اضطلع بدور رئيسي في انجاز الصفقة، تحدث عن دور لهاريس في اقناع ألمانيا باطلاق كراسيكوف في مقابل اطلاق بيلاروسيا المواطن الألماني ريكو كريغر المحكوم بالإعدام بتهم التجسس. 
 
وكانت لافتة إشارة بايدن إلى أنه لم يكن في حاجة للاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإتمام صفقة التبادل، ما يشير إلى أن الرئيس الأميركي الذي لا تزال لديه خمسة أشهر في البيت الأبيض، لا يعتزم كسر الجليد مع سيد الكرملين الذي سبق وأن وصفه بأنه "مجرم حرب".   
 
أين هي صلة الوصل بين صفقة التبادل والنزاع الأوكراني؟ إن اصرار واشنطن على أن تشمل صفقة التبادل المعارضين الروسيين إيليا ياشين وكارا مورزا، تؤشر إلى اهتمام أميركي باطلاق شخصين سجنا لانتقاداتهما الشديدة للحرب الروسية في أوكرانيا. وهما من مؤيدي أليكسي نافالني الذي توفي في السجن في شباط (فبراير) الماضي في ظروف غامضة، وكان من المفترض أن تشمله صفقة التبادل. وفي خطوة ذات دلالة، سارعت هاريس إلى الاتصال ببيولينا نافالينا أرملة نافالني لتؤكد لها أنه في حال انتخابها فإنها "ستواصل الدفاع عن الذين يكافحون من أجل الحرية في روسيا وبقية العالم".     
صفقة التبادل أتاحت لتركيا أيضاً تأكيد دورها كوسيط بين الغرب وروسيا، وتحديداً في ما يتعلق بالبحث عن تسوية سياسية للنزاع الأوكراني. ولا يزال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدث مع بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وهو الوحيد الذي استقبل معاً في آذار (مارس) 2022 وزيري خارجية البلدين في اسطنبول، سيرغي لافروف ودميترو كوليبا. وفي صيف 2022، أصبح الراعي والضامن لمدة عام، مع الأمم المتحدة، لاتفاقية صادرات الحبوب الأوكرانية عبر ممر آمن في البحر الأسود.     
 
وتعيد الصفقة تزخيم الدور التركي في البحث عن دور في الأزمة الأوكرانية، خصوصاً بعد موافقة زيلينسكي على مشاركة وفد روسي في "قمة السلام" التي ستنعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بعدما كان يصر على رفض إشراك موسكو في أي من الاجتماعات الدولية للبحث في السلام.
 
وعلى الأرجح، سيشكل جمود الجبهات والاستنزاف المتواصل بشرياً ومادياً من الجانبين الروسي والأوكراني، حافزاً لتليين مواقف موسكو وكييف، بما يسهل مهمة الوسطاء. ويتوقف الكثير في هذا الأمر على نتائج الانتخابات الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل.   
 
المرشح الجمهوري دونالد ترامب يتعهد في حال فوزه إنهاء الحرب في مكالمة هاتفية وحتى قبل أن يتولى مهماته رسمياً. وحتى ولو فازت هاريس، فإن واشنطن لن يكون في امكانها المضي في تقديم الدعم لأوكرانيا من دون استراتيجية واضحة لوضع حد للحرب. ويدعم ذلك، أن الرأي العام الأميركي وحتى الأوروبي، صار أقل حماسة في تأييد كييف، عما كان عليه في المرحلة التي تلت نشوب الحرب.       
هل فتحت صفقة التبادل الباب أمام تحقيق اختراق سياسي على جبهة الحرب الروسية-الأوكرانية؟ لا بد من أن يتكشف ذلك في الأشهر المقبلة.

 

اقرأ في النهار Premium