وصل الأمين العام لمجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى طهران الاثنين الماضي، من دون إعلان مسبق، في زيارة هدفت بحسب وكالة "تسنيم" الإيرانية إلى "تعزيز التواصل وبحث القضايا الإقليمية والدولية والعلاقات الأمنية والسياسية الثنائية"، لكن بطبيعة الواقع الراهن في الشرق الأوسط فإنه لا يمكن وضع هذه الزيارة في إطار خارج المخاوف المتعاظمة من توسع الحرب في المنطقة.
وبالنظر إلى جدول لقاءات شويغو، الذي كان يشغل قبل أشهر منصب وزير الدفاع، تبرز أهمية الزيارة في ظل تهديد طهران بردّ "قاسٍ" على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية على أراضيها. وهذا ما أكدته وسائل إعلام روسية بقولها إن شويغو ناقش في طهران "مقتل رئيس المكتب السياسي لحماس، والوضع في سوريا وعلى الحدود بين إسرائيل ولبنان".
وخلال استقبال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لشويغو قال إن "طهران عازمة على تعزيز العلاقات مع شريكتها الاستراتيجية روسيا". وتجدر الإشارة هنا إلى أن موسكو تعمل على تعزيز علاقاتها مع طهران منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وتقول إنها تستعد لتوقيع "اتفاقية تعاون واسع النطاق" مع إيران.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر إيرانية أن طهران تضغط على موسكو من أجل تزويدها بطائرات مقاتلة من طراز سوخوي سو-35، وأن شويغو نقل رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلب فيها من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي رداً محدوداً وحضه على تجنب استهداف مدنيين إسرائيليين. وبحسب المصدر عينه، أن زيارة شويغو كانت إحدى السبل العديدة التي لجأت إليها موسكو لإبلاغ إيران بضرورة ضبط النفس في مسعى لمنع نشوب حرب في الشرق الأوسط.
مقابل المشهد الإيراني الروسي، رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أن بلاده "لا تتوقع أن تلعب روسيا دوراً بناء في تهدئة التوتر في المنطقة". أما روسيا فقد نددت باغتيال هنية وطالبت جميع الأطراف بالتوقف عن زعزعة استقرار الشرق الأوسط والدفع نحو حرب إقليمية شاملة، كما وجهت انتقادات للغرب لتجاهله الحاجة إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة داخل حدود عام 1967.
الردع الاستراتيجي
العلاقة الاستراتيجية بين موسكو وإيران، ليست مستجدة على المسرح الجيوسياسي العالمي، لكنها اتخذت مسارات أعمق بعد الحرب في أوكرانيا، وفي الوقت عينه كانت العلاقة تتطور نحو شراكة استراتيجية مع الصين، سواء مع روسيا أو إيران، على اعتبار أن "العداء" للولايات المتحدة هو ما يجمع هذا المثلث الدولي الإقليمي. وفي هذا السياق يقول الباحث في العلاقات الإقليمية والدولية الدكتور حكم أمهز، إن قرار العلاقة الاستراتيجية بين هذه الدول الثلاث أتُخذ من قبل "المؤسسات العميقة"، وأن هناك قراراً بعدم السماح بإضعاف أي ركن من أركانه، ويتابع في حديثه لـ"النهار العربي" أن زيارة شويغو إلى إيران تأتي في سياق المخاطر التي تمرّ بها المنطقة "وهي عالية جداً، لأن آثارها ستكون عالمية". ويضيف أنه في حال دخلت إيران في الحرب، بالتالي "لن تقف روسيا والصين مكتوفتي الأيدي، إنما ستقدمان الدعم اللوجستي بكافة المعايير، وذلك حفاظاً على مصالحهما القومية مع إيران التي تتقدم على غيرها في المنطقة".
ومع تسارع التطورات في المنطقة، حذّرت واشنطن من مخاطر اندلاع حرب إقليمية شاملة، مشيرة إلى أن حجم ردّ إيران و"حزب الله" سيكون عاملاً رئيسياً في تحديد مدى الصراع المحتمل. وهنا لا يستبعد أمهز أنه في حال تطورت الحرب لتصبح إقليمية شاملة فإنها "ستشكل خطراً على الممرات المائية سواء مضيقي هرمز وباب المندب أو بحر العرب، أي شمال المحيط الهندي". ونظراً إلى خطورة الوضع، يشير الباحث عينه أنه يتوقع "أن تمارس الولايات المتحدة قمعاً حقيقياً هذه المرّة لإسرائيل لابتلاع الردّ" لأن الردّ على الردّ "سيدفع إيران نحو ردّ أقوى وأقسى وعندها قد تتدحرج الأمور نحو الحرب الإقليمية الكبرى".
وهنا يذكّر أمهز بقول المرشد الأعلى خامنئي عقب الهجوم الإيراني على إسرائيل منتصف نيسان (أبريل) الماضي، بأن إيران انتقلت من مرحلة "الصبر الاستراتيجي" إلى مرحلة "الردع الاستراتيجي". ويشرح أن هذا يعني أن الجمهورية الإسلامية بات لديها الإمكانيات الكافية للرد على أي اعتداء يطالها.
ويرفض أمهز اعتبار أن اغتيال هنية مسّ بالهيبة الإيرانية. ويقول لـ"النهار العربي" إنه "خرق أمني، والقيادات الفلسطينية تزور طهران منذ 45 عاماً ولم يمسها أحد، وإيران ستردّ لأن هذا الخرق طال شرفها من خلال استهداف ضيفها". ولتأكيد موقفه يشير إلى أن "25 في المئة من الرؤساء الأميركيين جرى اغتيالهم أو تعرضوا لمحاولة إغتيال، فهل هذا مسّ بالهيبة الأميركية؟".
التهيّب من الحرب الإقليمية والدفع نحو الابتعاد عن مخاطرها التي ستمتد لتطال مصالح كافة الدول الكبرى في هذا العالم، قد يكون العامل الرئيسي والوحيد لمنع تدحرج الأوضاع نحو الأسوأ، إنما في حرب تختلط فيها كل القوى، وتتشابك خيوط المصالح فإن خطأ في الحسابات أو التقدير قد يكون الشرارة وراء اشتعالها. بناء عليه، هذه هي المرّة الأولى منذ بدء الحرب على غزة قبل عشرة أشهر تكون محركات الدبلوماسية بهذه الوتيرة من السرعة والجديّة، عسى أن لا تكون قد وصلت متأخرة.