النهار

السياسة الأميركية في الشرق الأوسط... من مواجهة الشيوعية إلى العجز عن وقف الحرب
باسل العريضي
المصدر: النهار العربي
​تتغير مصالح الدول بحسب التغييرات التي تطرأ على الخريطة الجيوسياسية، وعندما نتحدث عن مصالح القوى العظمى في هذا العالم، فإنها ترتبط بشكل رئيسي بقوة نفوذها وتعزيزه.
السياسة الأميركية في الشرق الأوسط... من مواجهة الشيوعية إلى العجز عن وقف الحرب
مقاتلة من طراز F-15E في إحدى القواعد الأميركية في الشرق الأوسط (القيادة الوسطى)
A+   A-

 تتغير مصالح الدول بحسب التغييرات التي تطرأ على الخريطة الجيوسياسية، وعندما نتحدث عن مصالح القوى العظمى في هذا العالم، فإنها ترتبط بشكل رئيسي بقوة نفوذها وتعزيزه.

النصف الأول من القرن العشرين شهد حربين عالميتين، الأولى أدت إلى سقوط إمبراطوريات وصعود أخرى أبرزها الاتحاد السوفياتي. وفي الثانية سقطت دول وأنظمة وتشكل نظام عالمي جديد عماده الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، ومعهما بدأت ما عرفت بالحرب الباردة، بعد أن تقاسما العالم كمنتصرين في الحرب على حساب القوى العالمية التاريخية في أوروبا التي خرجت منهكة ومدمرة بفعل تينك الحربين.

بدأ الاهتمام الأميركي الفعلي بالشرق الأوسط، منتصف خمسينات القرن الماضي، مع إقرار الكونغرس عام 1956 مبدأ أيزنهاور، وهو المبدأ الذي أطلقه الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور، لإحتواء المدّ الشيوعي.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وتربع الولايات المتحدة على عرش قيادة العالم، تغيّرت مصالحها في الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار يقول عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية السابق البروفسور كميل حبيب، إن "مصالح الدول ترتبط بمدى نفوذها، والنفوذ لا ينفصل عن قوة هذه الدول والقوة هذه مرتبطة بالتقدم الاقتصادي والتطور التكنولوجي والاستقرار السياسي والترسانة العسكرية"، ومن هذا المنطلق يشير حبيب الى أن المصلحة الأميركية تقتضي راهناً "منع إقامة نظام توازن قوى في العالم لتبقى مهيمنة سياسياً واقتصادياً وتكنولوجيّاً وعسكرياً". ويقول حبيب لـ"النهار" إنه في ما يتعلق بالشرق الأوسط فالولايات المتحدة "تريد أن تبقى لها كلمة الفصل، سواء بعملية السلام أم بالسيطرة على النفط والغاز في البحر المتوسط".

وعلى أثر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية في طهران والمسؤول العسكري لـ"حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، بلغ التصعيد الميداني ذروته، ما دفع القوى الدولية إلى إعادة تذخير محركاتها الدبلوماسية تفادياً لتوسع الاشتباك باتجاه حرب إقليمية.

نائب رئيس "معهد الشرق الأوسط" في واشنطن الدكتور بول سالم، يقول إن مثل هذه الحرب ليست مصلحة أميركية "لا أمنياً ولا رئاسياً... خصوصاً أن الإدارة الأميركية لا ترى أن هناك نتيجة واضحة أو إيجابية من حرب كهذه سوى أنها تزيد من التصعيد الخطر". ويتابع في حديث الى "النهار" أنه لهذه الأسباب "نجد أن المساعي الدبلوماسية قوية مع الدول العربية وإسرائيل وهناك رسائل الى إيران، هل تعطي نتيجة؟ ذلك رهن بالأيام المقبلة".

 

عجز سياسي أميركي

تتصاعد وتيرة الحرب منذ 7 تشرين الاول (اكتوبر) ولم تفلح الإدارة الأميركية بوقفها أو في إنجاح المفاوضات، وفي هذا السياق يوضح سالم أن "الإدارة الحالية غير قادرة على فرض حلول، ونفوذها جزء منه دبلوماسي وجزء آخر عسكري وتقوم بنشر وحدات عسكرية لردع إيران و"حزب الله" واجبارهما على التفكير ملياً قبل القيام بأي ردّ".

ومقابل هذا العجز السياسي، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو "يدرك جيداً السياسة الأميركية، ويعلم أن هناك التزاماً أميركياً عميقا بأمن إسرائيل، وقد بدا ذلك من خلال خطابه أمام الكونغرس، ومن الصعب على أي رئيس أن يفرض أي شروط أو يوقف الامدادات العسكرية" بحسب سالم، لكنه يشير في الوقت عينه إلى أن نتنياهو يعلم من جهة ثانية أن أياً يكن الفائز في الانتخابات الأميركية المقبلة فإنه لن يلقى الدعم الذي يريده. ويؤكد  أن نتنياهو لا يملك علاقة جيدة مع كامالا هاريس، بينما علاقة جو بايدن مع إسرائيل قديمة ويرى نفسه صهيونياً. ويضيف: "هاريس داعمة لإسرائيل، إنما عطفها تجاه القضية الفلسطينية وفهمها لهذا الصراع يختلف جداً عن فهم بايدن، ولعل موقفها يشبه موقف الرئيس الأسبق جيمي كارتر في آخر أيام ولايته. لذلك نرى أن جزءاً من القرارات التي يتخذها نتنياهو تأتي بناء على خوفه من فوز هاريس، كما أن نائبها ليس لديه الدعم الكامل لإسرائيل".

أما في ما يتعلق بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي يعدّ من الداعمين لليمين الإسرائيلي، فبرأي سالم أن شخصيته ستلعب دوراً رئيسياً في حال عودته إلى البيت الأبيض، فهو لا يرغب بوجود من يتحداه، "الإيغو" عنده تجعله يحب أن يرى نفسه الأقوى، فيما نتنياهو يرغب بالتحدي وقام بذلك بالفعل مع بايدن وقبله مع باراك أوباما، ولم يتمكنا من إيقافه. ويشير إلى أن ترامب تواجه مع نتنياهو أكثر من مرة، و"آخرها في لقائهما الأخير، إذ أن ترامب كان واضحاً في انه ضد الحروب ولا يريد أن يرى أميركا متورطة في نزاعات مسلحة... وبالتالي نتنياهو يستعجل الحروب".

 

جيل ديموقراطي جديد

وعن المصلحة الأميركية في المنطقة، تتقاطع الأراء بين سالم وحبيب، إذ يريا أنها بجزء منها يرتبط بأمن الطاقة وأسعارها واستقرار أسعار النفط والطاقة البديلة، كذلك بالنسبة الى الملاحة في الخليج والبحر الأحمر التي يجب أن تبقى مفتوحة. كما من مصلحتها "أن تبقى أميركا الأقوى في الشرق الأوسط وأن لا تتقاسم المنطقة مع الصين وروسيا".

التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل هو "التزام سياسي، أكثر من كونه يخدم مصلحة أمنية أو اقتصادية، والتعاطي معها كأنها ولاية من الولايات الأميركية"، يقول الدكتور سالم، لكنه يلفت إلى أن الجيل الجديد في الحزب الديموقراطي "ليس لديه الموقف التقليدي تجاه إسرائيل" وأنه قد يغيّر، لكنه "يحتاج إلى 15 أو 20 سنة حتى يصير في الحكم ويؤثر"، وفي عضون ذلك أميركا ليست لديها قدرة سياسية إلّا الوقوف إلى جانب إسرائيل التي تورطها في حروب ونزاعات.

 

 

 

اقرأ في النهار Premium