العين على كورسك. الهجوم الأوكراني محط أنظار العالم. القوات الأوكرانية أصبحت أولَ قوة عسكرية أجنبية تحتل بلدات روسية منذ الحرب العالمية الثانية... لكن "القيصر" في أذربيجان هذه الأيام. تطورات الحرب لم تُلغِ أو تؤجّل لقاء فلاديمير بوتين صديقه إلهام علييف. القصة - بحكم الظروف - أكبر من مجرد زيارة.
القضايا الدولية والإقليمية الراهنة في صلب المشهد. بحر قزوين شاهد على بحث الرجلين قضايا تتعلق بتنمية علاقات الشراكة الإستراتيجية والتحالف بين روسيا وأذربيجان. أرمينيا المجاورة تُراقب. الغرب يترصد تحركات "سيد الكرملين". زيارته هي الأولى لباكو منذ أيلول (سبتمبر) عام 2018.
رغم البعد الشخصي!
لا يمكن أولاً عدم التطرق إلى البعد الشخصي للزيارة، كما يقول الباحث في العلاقات الروسية الأطلسية والقوقاز د. باسل الحاج جاسم لـ"النهار العربي". هناك علاقات ودية عائلية تربط رئيس أذربيجان إلهام علييف بنظيره الروسي فلاديمير بوتين. رغم ذلك، "حاولت أذربيجان الحفاظ على علاقات طيبة مع أوكرانيا أيضاً، بإمساك العصا من المنتصف بينها وبين موسكو". وفقاً للحكومة الأذربيجانية، قدّمت باكو ما لا يقل عن 16 مليون دولار مساعدات إنسانية لكييف. توازياً، وقعت باكو اتفاقية صداقة سياسية وعسكرية مع روسيا قبل يومين من بدء الحرب.
مُورّد مهم
الطاقة عنصر مهم. أذربيجان منتج كبير للغاز الطبيعي. في البال لجوء الاتحاد الأوروبي إلى باكو لتعويض الخفض الحاد للإمدادات الروسية منذ بداية النزاع بأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022. في المناسبة، تستضيف أذربيجان مؤتمر المناخ "كوب 29" في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. من هنا، تأتي زيارة بوتين، كما يقول الحاج جاسم، في وقت تلعب فيه باكو دوراً حاسماً في أسواق الطاقة الأوروبية. ومع سعي العديد من الدول الأوروبية إلى إيجاد بدائل للغاز الروسي بسبب الصراع الدائر في أوكرانيا، يبرز اسم أذربيجان كمُورّد مهم.
الطاقة ليست مجالاً حصرياً للتعاون؛ فالعلاقات الشاملة بين أذربيجان وروسيا تتطور بسرعة، كما تكتب صحيفة "أذربيجان" في عددها الأحد 18 آب (أغسطس). التعاون يتوسع في مجالات التجارة، الطاقة، الصناعة، الزراعة، الخدمات اللوجستية، النقل والسياحة وغيرها. "ومن خلال الدعم الحكومي الفعال من كلا الجانبين، يتم تعزيز العلاقات الاستثمارية أيضاً، فليس صدفة أن روسيا اليوم هي واحدة من أهم المستثمرين، وواحدة من أكبر الشركاء التجاريين لأذربيجان، بل إنها أكبر شريك في صادرات النفط"، على ما توثّق الصحيفة الأذرية.
منطقة حيوية
بعد آخرُ مهم، "لا يمكن تجاهله" على صلة بيريفان برأي الحاج جاسم؛ فبعد غضب أرمينيا من موقف روسيا خلال استعادة أذربيجان السيطرة على إقليم ناغورنو كاراباخ، بدأت يريفان، حليفة روسيا التاريخية، الاقتراب من الغرب وواشنطن على حساب نفوذ موسكو، من هنا، "تكمن أهمية خاصة لزيارة بوتين من أجل ضمان استمرار نفوذ موسكو في القوقاز، منطقةً حيوية للمصالح الروسية"، كما يقول الباحث لـ"النهار العربي".
أذربيجان وضعت إقليم ناغورنو كاراباخ تحت سيطرتها في هجوم عسكري في أيلول (سبتمبر) 2023. أغلبية سكان الإقليم أرمنية، وينتمي الإقليم إلى أذربيجان بموجب القانون الدولي. أرمينيا تأخذ على موسكو عدم دعمها بما يكفي في وجه أذربيجان وقد استعادت بالقوة السيطرة الكاملة على هذه المنطقة الجبلية التي حكمها انفصاليون أرمن على مدى 3 عقود.
تاريخ
تعود قصة التقارب والتحالف الروسي - الأذري إلى أيام الإمبراطورية الروسية. علاقات تاريخية واستراتيجية ربطت روسيا وأذربيجان أيام الاتحاد السوفياتي السابق، وقد لعبت روسيا دوراً محورياً في استقلال أذربيجان عن الدولة الفارسية، واعترفت بها دولة مستقلة في أعقاب الثورة الروسية سنة 1917. ففي الرابع من نيسان (أبريل) عام 1992 أقيمت علاقات جديدة بين موسكو وباكو، يواصل البلدان تعزيزها وتطوريها في إطار تحالف وشراكة استراتيجيين. هذا التعاون بين البلدين يقوم على أساس 170 معاهدة واتفاقية تشمل مختلف المستويات، بما فيها حوالي 50 اتفاقية في المجال الاقتصادي.
زيارة بوتين أذربيجان، يضعها المراقبون في إطار توثيق كل هذا التعاون الاستراتيجي، وفي ظل اتجاه الحرب في أوكرانيا سياقاً مختلفاً عن السابق.