النهار

الصراع الجيوسياسي الصيني الأميركي وصل "أرض الآلهة"
باسل العريضي
المصدر: "النهار العربي"
على مساحة أكثر من مليون كيلومتر مربع، أي ما يقارب 13 في المئة من مساحة الصين، تمتد "أرض الآلهة" في جنوب غرب الصين، أو بعبارة أخرى منطقة "التيبت". وتكوّن هذه المنطقة مع القطب الجنوبي والشمالي، الأقطاب الثلاثة للكرة الأرضية، نظراً لامتلاكها أعلى قمة جبلية في العالم "قمة إيفرست".
الصراع الجيوسياسي الصيني الأميركي وصل "أرض الآلهة"
الدالاي لاما (أرشيفية أ ف ب)
A+   A-

على مساحة أكثر من مليون كيلومتر مربع، أي ما يقارب 13 في المئة من مساحة الصين، تمتد "أرض الآلهة" في جنوب غرب البلاد، أو بعبارة أخرى منطقة "التيبت". وتكوّن هذه المنطقة مع القطب الجنوبي والشمالي، الأقطاب الثلاثة للكرة الأرضية، نظراً لامتلاكها أعلى قمة جبلية في العالم "قمة إيفرست".

وتشكل جبال الهمالايا الهيكل الجغرافي للتيبت، وبالتالي فإن هذه الهضبة هي المصدر المائي الأول في آسيا. كما تشير بعض البيانات الأثرية إلى أن الناس البدائيين مرّوا عبرها قبل نصف مليون عام.

وعليه يمكن تصور التاريخ الطويل والحافل لهذه المنطقة التي يُطلق عليها أيضاً اسم "سقف العالم"، أما الأسباب التي دفعتنا للحديث عن هذا الإقليم الذي تعتبره الصين "انفصالياً خطيراً" هي الأحداث السياسية في اليومين الماضيين، والتي لا يمكن فصلها عن الصراع الجيوسياسي الأميركي الهندي الصيني.

فقد شهدت مدينة نيويورك الأميركية لقاء جمع الزعيم الروحي للبوذيين في التيبت الدالاي لاما (89 عاما) مع مسؤولين في البيت الأبيض وبالمسؤولة في وزارة الخارجية أوزرا زيا والمسؤولة في مجلس الأمن القومي كيلي رزّوق، وذلك بعد إجرائه عملية جراحية في ركبتيه.

 

وخلال اللقاء أكدت زيا "التزام الولايات المتحدة بتعزيز حقوق الإنسان للتيبتيين ودعم الجهود الرامية للحفاظ على إرثهم التاريخي واللغوي والثقافي والديني"، وكان تأكيد على الدعم الأميركي "لاستئناف الحوار بين جمهورية الصين الشعبية وقداسته وممثليه".

 

مع الإشارة إلى أن هذا الحوار متوقف منذ عام 2010، كما أن الدالاي لاما تنحى عام 2011، مسلّما القيادة السياسية لشعب التيبت إلى حكومة اختارها ديموقراطياً نحو 130 ألفا من التيبتيين حول العالم.

 

اللقاء أثار حفيظة الصين، وأعلنت عبر وزارة الخارجية أنها "تعارض بقوة" أي دولة تسمح للدالاي لاما بزيارتها بأي ذريعة كانت. وقالت إن "تعيين ما يسمى بالمنسق الخاص للقضايا التيبتية يشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية". وأشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، إلى أن بلادها "عبّرت عن احتجاجها القوي للولايات المتحدة، ونحن لا نسمح للدالاي لاما بالانخراط في أنشطة انفصالية سياسية في الولايات المتحدة".

وهذا اللقاء لم يأت فجأة، فقد عبّر وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن خلال لقائه الشهر الماضي نظيره الصيني وانغ يي، على هامش اجتماع لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في لاوس، عن المخاوف بشأن حقوق الإنسان في هونغ كونغ وتايوان والتيبت.

وكانت مجموعة من أعضاء الكونغرس الأميركي التقت بالدالاي لاما في الهند قبل زيارته للولايات المتحدة، وقالوا إنهم لن يسمحوا للصين بالتأثير على اختيار خليفته.

وسبق لبكين أن أعلنت الشهر الماضي عن معارضتها الشديدة لقانون أميركي وقّع عليه الرئيس جو بايدن والذي يحثها على حلّ نزاع بشأن مطالب التيبت بحكم ذاتي أكبر، متعهدة "بالدفاع بحزم" عن مصالحها.

 

تاريخ الصراع الحالي

في آذار (مارس) من كل عام، يتظاهر التيبيتيون حول العالم إحياء لانتفاضتهم قبل 65 عاماً ضد السلطات الصينية من أجل حكم ذاتي أوسع نطاقاً، وهي مناسبة يحذّر فيها قادتهم باستمرار من "خطر وجودي".

وعادة ما تتركز هذه التحركات في الهند، حيث يقيم الدالاي لاما منذ عام 1959، عندما فرّ من التيبت بعد أيام على الانتفاضة، وكان يبلغ من العمر 23 عاماً وقد عبر حينها جبال الهيملايا والثلوج الكثيفة إلى الهند، وتبعه الالاف، ومذّاك لم يعد أبداً. والدالاي لاما وفق معتقدات بوذيي التيبت هو الخليفة الرابع عشر، اختاره الرهبان وفق تقاليد بوذية قديمة.

وعلى مر العقود الماضية تنقلت التيبت بين الاستقلال والخضوع لسيطرة الصين. وفي عام 1949، وبعد استيلاء الشيوعيين على السلطة، أعلن الصينيون "تحرير" التيبت، ودخلوها عام 1950 بعد أن سحقوا القوات المدافعة، التي كانت ضعيفة التسليح. وعندها اضطر وفد تيبتيّ استدعي إلى بكين في عام 1951 إلى التوقيع على معاهدة أملتها السلطات الصينية.

وبدأت مجموعة أخرى بشنّ حرب عصابات ضد القوات الصينية، ما أدى إلى خلق توترات انفجرت في انتفاضة شعبية في العاصمة لاسا في آذار (مارس) 1959، وبعدها انتقل التوتر إلى الهند التي استضافت القادة الفارين، خصوصاً أن علاقة الدولتين يحكمها خلاف حدودي في كشمير.

وبين عامي 1963 و1971 لم يُسمح لأي زائر أجنبي بدخول التيبت، إلى أن هدأت الأمور أواخر السبعينيات مع نهاية "الثورة الثقافية".

 

الدور الأميركي

في سياق هذا التاريخ الحديث، يبرز دور أميركي مهم عبر وكالة الاستخبارات المركزية CIA، إذ تشير "فرانس برس" إلى أن مقاتلين تيبتيين سابقين كانوا يتلقون الدعم من الاستخبارات الأميركية.

وتنقل عن أحدهم يدعى تسولترم ويبلغ من العمر 95 عاماً، كيف انضمّ إلى المتمردين في جبال النيبال عام 1960، وقال: "تطوعنا واستخدمنا أحصنتنا وحملنا سلاحنا الشخصي وأحضرنا طعامنا واستمرينا في شن حرب". ويشير إلى أنه "تمّ تدريبهم وتسليحهم ببنادق وأجهزة لاسلكي من جانب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية"، وأن المتمردين استمروا لأكثر من عقد في التسلل إلى التيبت لنصب الكمائن، بما في ذلك تفجير شاحنات للجيش الصيني.

وبحسب الوكالة الفرنسية، أن واشنطن استخدمت القوة البالغ عديدها ألفي عنصر لشن حرب باردة سرية بالوكالة. لكن بعد أن قطعت CIA التمويل، حض الدالاي لاما عام 1974 المقاتلين على إلقاء السلاح والاستجابة لدعوته المطالبة بحلّ سلمي، ما دفع بانصاره إلى التوجه نحو الهند.

وتوقف الدعم الأميركي جاء بعد سنتين على الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى الصين في شباط (فبراير) عام 1972 ولقائه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ.

لكن الانتقادات الأممية لاتزال مستمرة، حول سياسات الصين في الأقاليم ومنها التيبت. 

 

اقرأ في النهار Premium