عندما أطلقت إثيوبيا مشروع "سدّ النهضة" في نيسان (أبريل) 2011، لم تستشِر دول الجوار المعنية بمياه نهر النيل، وتحديداً مصر والسودان، إذ اعتبرت أن المسألة تتعلّق بالسيادة الإثيوبية.
هذا السدّ فجّر أزمة بين القاهرة وأديس أبابا، على اعتبار أن بناءه سيؤثر بشكل كبير على المياه المتدفقة نحو مصر، خصوصاً أن البناء جاء على ضفتي النيل الأزرق الذي يُعدّ المصدر الرئيسي الذي يغذّي نهر النيل. ومصر التي تعتمد على النيل في 97% من احتياجاتها المائية، تقول إنّ السد يمثّل "تهديداً وجودياً" لها.
كل جولات التفاوض بين الدولتين ومعهما السودان فشلت، وتمّ نعيها رسمياً مطلع هذا العام. في غضون ذلك كانت أعمال البناء سارية إلى أن انتهى العمل به، وأعلن رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، الإثنين الماضي، اكتمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق "رغم التحديات التي واجهت البلاد". وأشار إلى أن نسبة إجمالي المياه المحتجزة في بحيرة السد بلغت 62.5 مليار متر مكعب، وأنه من المتوقع أن تبلغ حتى كانون الأول (ديسمبر) المقبل ما بين 70 و 71 مليار متر مكعب من إجمالي السعة الكلية للسد 74 مليار متر مكعب.
توتّر في القرن الأفريقي
ولا تقتصر التوترات في القرن الأفريقي على السدّ الأثيوبي، إنما تنبع أيضاً من سعي أديس أبابا إلى توقيع مذكرة تفاهم مع جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها رسمياً حتى الآن، تتمكن بموجبها من الحصول على مساحة تمتد نحو 20 كيلومتراً على مدى خمسين عاماً، وتمكّنها من الوصول إلى البحر الأحمر، وهذا من شأنه أن ينقل أثيوبيا من دولة حبيسة، إلى دولة لها منفذ بحري. غير أن هذا الاتفاق واجه ردود فعل رافضة سواء من دول الجوار أو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.
وترى سلطات أرض الصومال إنّه مقابل السماح لأثيوبيا بالوصول إلى البحر، فإن إثيوبيا ستصبح أول دولة تعترف بها رسمياً، وهو أمر لم تفعله أي دولة منذ أعلنت هذه المنطقة الصغيرة استقلالها من جانب واحد عام 1991.
توازياً مع هذه الأزمات، استأنفت مصر إرسال الأسلحة إلى الصومال بعد انقطاع أربعة عقود، وأعلن السفير الصومالي لدى القاهرة علي عبدي أواري، الأربعاء الماضي، بدء وصول معدات ووفود عسكرية مصرية إلى العاصمة مقديشو. وقال في بيان له إن هذه الخطوة تمهد الطريق في اتجاه "مشاركة مصر في قوات حفظ السلام، التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال، والتي من المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الحالية".
وفي المقابل، أعلنت إثيوبيا أنّ مهمة جديدة يقودها الاتحاد الأفريقي في الصومال قد تؤدي إلى تفاقم التوترات في القرن الأفريقي، واتهمت الصومال بـ"التواطؤ مع جهات فاعلة سعياً إلى زعزعة استقرار المنطقة".
وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية، في بيان، إن "المنطقة تدخل المجهول"، وأنه لا يمكن لإثيوبيا أن تقف مكتوفة الأيدي "بينما تتخذ أطراف فاعلة أخرى خطوات لزعزعة الاستقرار ".
ولم يقتصر تعزيز القاهرة لموقعها الجيوسياسي في أفريقيا على الصومال، إنما في الوقت الذي أعلنت فيه إرسال قوات عسكرية إلى مقديشو، كانت توقع مذكرة تفاهم مع الحكومة النيجيرية لتعميق التعاون في مجال الصناعات الدفاعية.
فشل آخر للمفاوضات
في هذا الجوّ المتوتر في القرن الأفريقي، انتهت الجولة الثانية من المحادثات بوساطة تركية بين الصومال وإثيوبيا بشأن الاتفاق مع منطقة أرض الصومال، دون التوصل إلى نتيجة ملوسة. والطرفان لم يلتقيا مباشرة، إنما كان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يتوسط بين نظيريه الأثيوبي تايي أتسكي سيلاسي والصومالي أحمد معلم فقي. لكنه تقرر إجراء جولة ثالثة الشهر المقبل بعد تحقيق "تقارب على بعض المبادئ الرئيسية"، بحسب ما أعلن فيدان في مؤتمر صحافي عقب المحادثات.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، كان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قد أعلن في خطاب إلى الأمة أن "إثيوبيا ترفض الاعتراف بالصومال دولة مجاورة ذات سيادة" لذا لن نتمكن "من الحديث عن الوصول إلى البحر أو أي شيء آخر".
في سياق التوتر الإقليمي هذا، قال رشيد عبدي المحلل في مركز ساهان للأبحاث الذي يتخذ من نيروبي مقراً له: "إذا أرسل المصريون قوات على الأرض ونشروا عناصر على الحدود مع إثيوبيا، فقد يؤدي ذلك إلى مواجهة مباشرة بين الجانبين". وأضاف في حديث إلى وكالة "رويترز" أنّ "خطر اندلاع حرب مباشرة ضئيل، لكن اندلاع صراع بالوكالة وارد".