النهار

الصين تغرق أفريقيا بالإنماء والديون... وواشنطن الحاضر الغائب في قمة بكين
باسل العريضي
المصدر: "النهار العربي"
الدخول الصينيّ إلى القارة الأفريقية ليس جديداً، فإن هذا التحرك بدأ قبل عقود من الزمن، إذ لطالما كانت أفريقيا ذات أهمية بالغة بالنسبة للسياسة الخارجية الصينية منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية في عام 1947. وخلال الحرب الباردة دعمت الصين العديد من حركات التحرير الأفريقية، لكنّ هذه العلاقة أخذت بعداً أكثر قوة مع إطلاق الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة "الحزام والطريق" عام 2013.
الصين تغرق أفريقيا بالإنماء والديون... وواشنطن الحاضر الغائب في قمة بكين
شي يتوجه لإلقاء كلمته أمام القادة الأفارقة في منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين (أ ف ب)
A+   A-

الدخول الصينيّ إلى القارة الأفريقية ليس جديداً، فإن هذا التحرك بدأ قبل عقود من الزمن، إذ لطالما كانت أفريقيا ذات أهمية بالغة بالنسبة للسياسة الخارجية الصينية منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية في عام 1947. وخلال الحرب الباردة دعمت الصين العديد من حركات التحرير الأفريقية، لكنّ هذه العلاقة أخذت بعداً أكثر قوة مع إطلاق الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة "الحزام والطريق" عام 2013.

هذه المبادرة وحجم الاستثمارات التي تحتاج إليه في دول ثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وما تخلقه من نفوذ للتنين الآسيوي في العالم، جعل العلاقة مع الولايات المتحدة في حالة توتر تشبه زمن الحرب الباردة على الرغم من أن الطرفين يرفضون الفكرة.

وفي وقت كان المجتمع الغربي السياسي الاقتصادي بعيداً عن القارة السمراء، كانت بكين تشق طريقها فيها ونسجت علاقات متينة مع مختلف دولها. ولتثبيت هذه العلاقة كانت فكرة عقد "منتدى التعاون الصيني الأفريقي" كل ثلاث سنوات.

وقبل أيام كان الموعد في بكين بحضور 50 رئيس دولة، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي أشار إلى أن التعاون الصيني- الأفريقي بإمكانه أن يقود إلى "ثورة في مجال الطاقة المتجددة". ورأى أن "سجلّ الصين المذهل في مجال التنمية، خصوصاً في القضاء على الفقر، يُعدّ مصدراً عظيماً للتجربة والخبرة".

وذهب الأمين العام للأمم المتحدة أبعد من ذلك، عندما طالب أمام المنتدى بـ"تصحيح ما لحق بالقارة السمراء من ظلم تاريخي". وقال: "من المخزي ألّا يكون للقارة الأفريقية مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي".

وهذه الخطوة تؤيدها بكين بقوة، إذ إنها سبق وأن أكدت مراراً أنها تدعم القيام بإصلاحات في مجلس الأمن الدولي على أن تُمنح الدول النامية دوراً أكبر. وهنا من المهم الإشارة إلى أنه في عام 1971، لعبت أصوات الدول الأفريقية دوراً أساسياً في فوز جمهورية الصين الشعبية بالحصول على مقعد الصين في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، الأمر الذي أدى إلى إزاحة ممثلي القوى القومية الصينية، التي هُزِمَت في الحرب الأهلية وتحكم تايوان الآن.

وفي تقرير لـ"تشاتام هاوس" أنه في عام 1999، أنشأت الصين استراتيجية "الخروج"، التي شجعت من خلالها الشركات الصينية على الاستثمار خارج البلاد، ويقول التحقيق إن "الاستراتيجية كانت بمثابة بيان للقوة الاقتصادية المتنامية للصين وخلق موجة جديدة من المشاركة الصينية في أفريقيا. كما كانت مصدراً مهماً للعمالة للمواطنين الصينيين الذين يعملون في مشاريع البنية الأساسية الجديدة".

 

الولايات المتحدة غائبة حاضرة

انعقاد "منتدى التعاون الصيني الأفريقي" هذا العام يأخذ طابعاً أكثر أهمية على المستوى الجيوسياسي، فالصين تعمل بجهد مستمر وتخلق الحوافز للدول الأفريقية لتقدم نفسها على أنها المدافع عن الدول النامية، وأن لديها القدرة على إسماع الغرب أصوات الدول الفقيرة، بحسب ما أشار الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال كلمته أمام المجتمعين، محملاً الغرب مسؤولية "المعاناة الهائلة للدول النامية".

صحيفة "نيويوك تايمز" قالت إن "الدفع الدبلوماسي لبكين أكثر إلحاحاً هذا العام حيث تواجه الصين تباطؤ النمو الاقتصادي في الداخل، واتهامات بإغراق الإنتاج الزائد في الخارج. فهي تبحث عن مشترين جدد لسلعها".

كما تنقل الصحيفة، خلال تغطيتها للمنتدى، عن إريك أولاندر رئيس تحرير موقع مشروع الصين للجنوب العالمي، أن "الصين تحاول الاستفادة من المساحة التي تركتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذان أصبحا منفصلين بشكل متزايد عن أفريقيا".

لكن هذا الغياب ليس مطلقاً، صحيح أنه بلغ مراحل من الضعف والإهمال المزمن، لكن البوصلة الأميركية عادت تتجه نحو القارة "المنسية" بعد الحرب الروسية – الأوكرانية ودخول موسكو على خط الإنقلابات العسكرية وتعزيز وجودها العسكري من خلال قوات "فاغنر" قبل أن تتحول إلى "فيلق أفريقيا" بإشراف مباشر من وزارة الدفاع.

كما أن توسع النفوذ الصيني في هذه القارة، دقّ جرس إنذار في واشنطن، وبناء على هذين المعطيين كانت الزيارة الاستثنائية لرئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال سي. ك. براون، وهي المرة الأولى التي يزور فيها أكبر ضابط عسكري أميركي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ ثلاثة عقود، وذلك للمشاركة في المؤتمر الأمني مع القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الذي عقد في بوتسوانا، أواخر حزيران (يونيو) الماضي بحضور ما يزيد على 30 وزير دفاع يمثلون بلدانهم الأفريقية. دون أن ننسى القمة الأفريقية الأميركية التي عقدت في واشنطن منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2022.

وبالنسبة إلى الصين الأمر لا يقتصر على الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، إنما المنافسة على الأسواق الأفريقية انتقلت إلى دول شرق آسيا،  التي باتت ترتبط بعلاقات وثيقة واستراتيجية تتكامل مع الولايات المتحدة. وهنا لابد من الإشارة إلى القمة التي استضافتها كوريا الجنوبية للمرة الأولى مع دول الاتحاد الأفريقي تحت شعار "المستقبل الذي نصنعه معاً"، وذلك في مطلع حزيران (يونيو) الماضي، وكان التركيز فيها على الاستثمار والتنمية الصناعية والأمن الغذائي. هذا بالإضافة إلى قمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) التي عقدت في لاوس، في تموز (يونيو) بحضور وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، وتسعى الولايات المتحدة من خلال كل هذا إلى احتواء النفوذ الصيني المتزايد.

 

المليارات تتدفق

أمام هذه الوقائع، وضع الرئيس الصيني أمام القادة الأفارقة معادلة تقول إن "الصين وأفريقيا تمثلان ثلث سكان العالم. وبدون تطورنا، لن يكون هناك تطور في العالم".  

وبناء على ذلك وعد رئيس ثاني أكبر اقتصاد في العالم، القارة السمراء بتمويل تبلغ مجمل قيمته أكثر من 50 مليار دولار، في صورة مساعدات مالية على مدى ثلاث سنوات، لكنه حدد 29 مليار دولار تصرف من خلال خطوط الائتمان، واستثمارات جديدة بقيمة 10 مليارت على الأقل ستنفذها شركات صينية. والمبالغ المتبقية ستذهب باتجاه مشاريع أخرى أبرزها مساعدات عسكرية، من بينها تدريبات ودوريات عسكرية صينية أفريقية مشتركة.

وقال شي إن الصين مستعدة لإطلاق 30 مشروعاً للطاقة النظيفة في أفريقيا، واقترح التعاون في مجال التكنولوجيا النووية ومعالجة عجز الكهرباء الذي يعرقل منذ فترة طويلة تحقيق الأهداف الأوسع للتصنيع في أفريقيا.

الخطة الصينية  لم تنتظر كثيراً لبدء المرحلة العملية، فقد جرى بالفعل التوقيع على صفقات ومشاريع على هامش القمة مع عدد كبير من الدول المشاركة، كل بحسب احتياجاتها. لكن في المقابل فإن هذه المشاريع الملحة للتنمية تغرق الدول الأفريقية بالديون والعجز في الميزانية ما بات يوّلد احتجاجات شعبية واسعة كما حدث في كينيا مؤخراً.

لكن ماذا عن احتياجات الصين؟ إذا ما وضعنا جانباً الصراع السياسي على النفوذ مع الغرب، فإن اقتصادها بحاجة ماسة إلى الموارد الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها أفريقيا، وعلى الرغم من ذلك فإن الميزان التجاري لايزال لصالح بكين بفارق مليارات الدولارات.

ولتحقيق التوازن، على الدول الأفريقية أن تتمتع بوحدة الموقف والرؤية، بحسب موقع The Conversation، وبالنسبة لـ"تشاتام هاوس" فإنه من الأهمية بمكان أن تطلب الدول الأفريقية من الصين والغرب التعاون في التعامل مع أزمة الديون، ومن الأفضل أن يتم ذلك بصوت واحد من خلال مؤسسات مثل الاتحاد الأفريقي، وأن "دفع الاتحاد الأوروبي الاتحاد الأفريقي باتجاه الانضمام إلى مجموعة العشرين قد يكون خطوة مهمة نحو إيجاد حلول عادلة وتعاونية لأزمة الديون بين أفريقيا والصين والغرب".

 

اقرأ في النهار Premium