مرّت ستة أسابيع على استبدال فلاديمير كارا-مورزا سراويل السجن الطويلة بالبدلات الرسمية الأنيقة، لكن المعارض البارز للكرملين يؤكد أنه ما زال يحاول التأقلم مع واقعه الجديد.
أُطلق سراح كارا-مورزا في الأول من آب (اغسطس)، في إطار أكبر عملية تبادل للسجناء بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، إلى جانب 15 معارضا روسيا آخر ومواطنا أجنبيا. وكان يقضي عقوبة بالسجن لمدة 25 عاما بتهم الخيانة وغيرها بعدما ندد بغزو موسكو لأوكرانيا.
وقال كارا-مورزا في مقابلة أجرتها معه وكالة الصحافة الفرنسية هذا الأسبوع اختار خلالها كلماته بعناية "كما هو معروف، لا يمر أمر كهذا من دون عواقب".
وأضاف: "بكل تأكيد، سيكون الانتقال إلى حياة طبيعية وعمل طبيعي عملية" تستغرق وقتا.
وكاد كارا-مورزا يقتَل مرّتين بالسم على خلفية نشاطه السياسي قبل سجنه. وخسر 25 كيلوغراما من وزنه خلال الفترة التي قضاها في السجن. وبدا هزيلا ويعاني من سوء التغذية عندما أُطلق سراحه ونُقل جوّا إلى برلين كجزء من عملية تبادل السجناء.
ومنذ إطلاق سراحه، التقى الرئيس الأميركي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكن كارا-مورزا يقول إن كل شيء ما زال يبدو "سورياليا تماما" بالنسبة له.
وخلال لقاء فرانس برس معه في باريس، بدا كارا-مورزا الذي احتفل مؤخرا بعيد ميلاده الرابع والثلاثين نحيلا ولكن بصحة جيدة.
وقال: "حتى الأسابيع القليلة الماضية، كنت واثقا تماما من أنني سأموت في هذا السجن السيبيري. وكل ما حصل في إطار عملية التبادل هذه يبدو كأنه معجزة وهي معجزة فعلا".
لكن التجربة تركت بصمتها عليه إلى الأبد.
حبس انفرادي
قضى كارا-مورزا أكثر من عامين في السجون الروسية بما في ذلك في مستعمرة أومسك الجزائية الخاضعة لإجراءات أمنية قصوى "آي كاي-6" IK-6.
وقال: "بقيت في الحبس الانفرادي على مدى 11 شهرا متتاليا، بلا انقطاع".
ولدى استيقاظه، كان يدفع سريره نحو الجدار عند الساعة الخامسة صباحا ويقضي أيامه وهو يسير ضمن دائرة محدودة داخل الزنزانة التي تبلغ مساحتها مترين بثلاثة أمتار وتضم نافذة صغيرة بقضبان حديدية تحت السقف أو يحاول أحيانا أخرى الجلوس على كرسي صغير مربوط بالجدار.
وسُمح له بالقراءة والكتابة لمدة 90 دقيقة يوميا. ولم يكن هناك أي أمر آخر يقوم به أو شخص يتحدث معه أو مكان يذهب إليه.
ويقول: "هكذا تعيش يوما تلو آخر، أسبوعا تلو آخر وشهرا تلو آخر".
وأفاد كارا-مورزا بأنه فهم من تجربته سبب اعتبار الحبس الانفرادي الذي يدوم أكثر من 15 يوما شكلا من أشكال التعذيب وفق القانون الدولي.
وأكد: "ليس سهلا بالنسبة لشخص ما.. أن يحافظ على صحّته العقلية في ظل هذه الظروف".
وسمع في أحد الأيام اسم زعيم المعارضة الذي كان مسجونا أليكسي نافالني على الإذاعة. كان ذلك مساء الجمعة وجاء في الإعلان المقتضب أن عدو الرئيس فلاديمير بوتين الأبرز توفي فجأة في سجنه في المنطقة القطبية الشمالية.
كان النبأ مروعا جدا وظروف كارا-مورزا مزرية للغاية إلى حد أنه بدأ يعتقد بأنه "تخيّل الأمر بطريقة ما".
وكان في الحبس الانفرادي وقضى نهاية الأسبوع في "فراغ تام" من دون أي زيارات من المحامين ولا رسائل من أنصاره.
وأضاف: "بعد شهور وشهور في الحبس الانفرادي، يبدأ عقلك يعبث معك".
تاريخ وإيمان
حُرم كارا-مورزا من التواصل بشكل مستمر مع عائلته وسجناء آخرين ولم يُسمح له بارتياد الكنيسة. لكن إيمانه وإلمامه بالتاريخ وقناعاته الأخلاقية ساعدته على الصمود.
وقال: "أعرف أن كل شيء في النهاية سيكون مكتوبا من الله".
كما سعى المواطن الروسي البريطاني البالغ 43 عاما الذي درس في جامعة "كامبريدج" للبحث عن عزائه في التاريخ.
وقال: "لا شيء جديدا. سبق أن رأينا كل ذلك في روسيا في الماضي".
فكّر بالمعارضين في عهد الاتحاد السوفياتي الذين قاوموا السلطات قبله، بمن فيهم فلاديمير بوكوفسكي الذي تمّت مبادلته مع الزعيم الشيوعي التشيلي لويس كورفالان عام 1976.
وقبل سنوات عديدة، عندما كان كارا-مورزا صحافيا شابا يعد وثائقيا عن حركة المعارضة السوفياتية، سأل بوكوفسكي عمّا ساعده على الصمود في المعتقل.