تُعرب الخارجية الألمانية عن قلقها الشديد من الأحداث الجارية في الشرق الأوسط. وفي مقابلة مع "النهار" أكّدت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الألمانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنيكا كلازين ـ إدريس، أنّ الطريقة الوحيدة للتخفيف من المعاناة الهائلة للمدنيين في غزة، هي البدء بعملية سياسية لحلّ النزاع. وشدّدت على أن حلّ الدولتين هو النموذج الوحيد الذي يتيح الأمن والازدهار والسلام لجميع الشعوب في المنطقة.
الناطقة باسم الخارجية عبّرت عن مساعي الحكومة الألمانية لوقف إطلاق النار والعمل مع الشركاء الدوليين من أجل التوصل إلى حلّ سياسي، ودعوة جميع الأطراف المعنية إلى التخلّي عن دوّامة الانتقام. وأكدت أن الأحداث في الضفة الغربية تثير القلق، نظراً لتزايد العنف، وقالت إن إسرائيل كقوة احتلال ملزمة بإنهاء الاحتلال في أسرع وقت. لكن إدريس رفضت الإجابة عن عدد من الأسئلة، منها تلك المتعلقة بلقاء جَمَع أفراداً من الاستخبارات الألمانية بمسؤولين في "حزب الله" في بيروت.
وهنا نص المقابلة كاملة
تراقب الحكومة الألمانية التطورات في الشرق الأوسط بقلق بالغ. إن سكان غزة والرهائن الذين اختطفتهم "حماس" والمنطقة برمتها بحاجة ماسّة إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وإطلاق سراح الرهائن. هذه هي الطريقة الوحيدة للتخفيف من المعاناة الهائلة للمدنيين في غزة، والبدء بعملية سياسية لحلّ النزاع.
تدعو ألمانيا منذ فترة طويلة إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وتدعو جميع الأطراف إلى وقف التصعيد. لأن هناك أمراً واضحاً: التصعيد ليس أمراً تلقائياً. وقد أكّدت وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك مراراً وتكراراً أنه لم يفت الأوان بعد لوقف الدوامة الخطيرة للعنف المتزايد.
نحن نقوم بالتنسيق الوثيق مع شركائنا الدوليين في ما يتعلق بالمفاوضات بين أطراف النزاع، وبطبيعة الحال تحظى جميع المحاولات التي تُقرب من وقف إطلاق النار الإنساني بدعم الحكومة الألمانية. إننا لا نتحدث علنًا عن الوضع الخطير للغاية في الشرق الأوسط فحسب، بل ندين أيضًا الخطوات الاستفزازية أحادية الجانب، مثل زيارة الوزيرين بن غفير وفاسرلوف إلى جبل الهيكل/الحرم الشريف، ونستخدم أيضًا جميع قنواتنا الديبلوماسية الداخلية من أجل العمل على وقف التصعيد. وقد سافرت وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول إلى المنطقة إحدى عشرة مرّة للاطلاع على الوضع بنفسها، والضغط في المباحثات مع الممثلين السياسيين من أجل إنهاء القتال.
وعلى المدى المتوسط، هناك حاجة إلى منظور سياسي لحل النزاع؛ إلّا أن سكان غزة بحاجة إلى مساعدة فورية نظراً للوضع الإنساني الكارثي هناك. ولهذا السبب قامت ألمانيا مرّات عدة بزيادة مساعداتها |الإنسانية لسكان غزة بشكل كبير إلى أكثر من 360 مليون يورو منذ عام 2023.
هل تستطيع ألمانيا، مع الاتحاد الأوروبي، الضغط على إسرائيل لتنفيذ حلّ الدولتين؟ وماذا عن المستوطنات في الضفة الغربية؟
بالنسبة للحكومة الألمانية، فإن حل الدولتين هو النموذج المستدام الوحيد الذي يتيح الأمن والازدهار والسلام لجميع الشعوب في المنطقة. وكما هو الحال مع الإسرائيليين، فإن للفلسطينيين أيضًا الحق في عيش حياةٍ في أمانٍ وكرامة، يمكنهم من خلالها تحديد مصيرهم في دولتهم. ولهذا السبب فإننا نعمل بلا كلل، حتى قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لضمان اتباع هذا المسار بجدّية مرّة أخرى.
للحكومة الألمانية موقف واضح بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية: إن سياسة إسرائيل في بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة تمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي المعمول به، وتقوِّض أي جهود لتحقيق حل الدولتين. إن توسيع المستوطنات يعرّض سلام وأمن جميع شعوب المنطقة للخطر، ولذلك، فإننا نطالب الحكومة الإسرائيلية بالسحب الفوري لقراراتها المتعلقة ببناء مستوطنات جديدة. وهذا ينطبق أيضًا على غزة: يجب ألّا تكون هناك عمليات تهجير من غزة، ولا أنشطة استيطانية إسرائيلية جديدة في تلك المنطقة، ولا تقليص مساحة قطاع غزة.
لقد أعربنا مراراً وتكراراً عن قلقنا العميق نظراً لتزايد العنف في الضفة الغربية، وارتفاع عدد القتلى المدنيين ومستوى انتهاكات حقوق الإنسان. وباعتبارها قوة احتلال، فإن إسرائيل ملزمة بإنهاء الاحتلال في أسرع وقت ممكن، كما أنها ملزمة أيضاً بحماية الفلسطينيين في الضفة الغربية. إننا ندين عنف المستوطنين المتطرّفين، فهو أمر غير مقبول ويجب أن يتوقف فوراً. ولهذا السبب فرضنا عقوبات على مستوى الاتحاد الأوروبي ضدّ المستوطنين المتطرّفين والمنظمات الاستيطانية التي تساهم في أعمال العنف في الضفة الغربية. وفي 15 يوليو/ تموز، تقرّر فرض عقوبات على أفراد ومنظمات إضافية. وهذا يعني بشكل ملموس أن المتطرّفين الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان ضدّ الفلسطينيين لم يعد، على سبيل المثال، مسموحًا لهم بدخول الاتحاد الأوروبي، وتمّ تجميد أصولهم، ويُحظّر تزويدهم بالأموال أو الموارد الاقتصادية. كما ندعو إسرائيل إلى التحقيق في الجرائم ومعاقبة مرتكبيها.
وبهذه الطريقة، يمكننا، بالتعاون مع شركائنا الأوروبيين، ممارسة الضغط. كما أن هذه العملية مستمرة: حيث يناقش وزيرات ووزراء الخارجية بانتظام الوضع في الشرق الأوسط، ويتباحثون داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي حول العواقب اللاحقة، وكان آخر تلك المباحثات في مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
كيف يمكن وصف العلاقة مع إيران؟
لا توجد علاقات عادية مع إيران منذ فترة طويلة؛ لقد قمنا بتقليص علاقاتنا بطريقة تكاد تكون غير مسبوقة، وذلك نتيجة القمع الوحشي للاحتجاجات في عام 2022. ومع ذلك، هناك عدد من القضايا الصعبة والملحّة التي يجب مناقشتها مع إيران - بما في ذلك، على وجه الخصوص، دور إيران الإقليمي، وبرنامجها النووي، ودعم حرب روسيا ضدّ أوكرانيا، والوضع الكارثي لحقوق الإنسان في البلاد والقضايا الثنائية؛ مثل حالات الاعتقال. والأمر متروك للحكومة الجديدة في إيران لإظهار ما إذا كان هناك رغبة في التغيير أم لا.
إننا نولي اهتماماً خاصاً لما إذا كانت الحكومة الإيرانية، في الوضع الحالي الخطير للغاية، تقرّر زيادة تفاقم الصراع الإقليمي والمخاطرة بإشعال حريق شامل في المنطقة من خلال هجمات على إسرائيل، أو التصرف بطريقة بعيدة من التصعيد. نقوم، سواء على المستوى الثنائي أو بالتعاون مع شركائنا الدوليين، على سبيل المثال في مجموعة وزراء خارجية مجموعة السبع، بدعوة إيران، وكذلك جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة، بشكل عاجل إلى عدم التصعيد.
بعد الاغتيالات في طهران وبيروت وتهديد إيران و"حزب الله" بالردّ على إسرائيل، هل تعتقد ألمانيا أن مشاكل الشرق الأوسط يمكن حلها رغم هذا التصعيد؟ إذ يبدو واضحاً أن الأطراف المعنية لم تعد ترغب في ترك «الوضع الراهن» في المنطقة على حاله؟
بالنظر إلى المعاناة الإنسانية الرهيبة الناجمة عن النزاع في الشرق الأوسط، لا يوجد خيار آخر سوى مواصلة العمل بكل ما أوتينا من قوة من أجل التوصل إلى حلّ سياسي، ودعوة جميع الأطراف المعنية إلى التخلّي عن دوامة الانتقام الخطيرة. وقد أكّدت وزيرة الخارجية الألمانية مراراً وتكراراً على أن صور المعاناة والعنف تؤثر على الجميع دون استثناء. نريد ويجب أن نتصرف. ونحن نقدّر بشدة دور الوساطة المهمّ الذي تلعبه دول مثل مصر والأردن وقطر والولايات المتحدة الأميركية في هذا الشأن. ومؤخّرًا فقط، وجّه المستشار الألماني أولاف شولتس الشكر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين على ذلك.
وجديرٌ بالذكر أن ألمانيا قد استخدمت علاقاتها الطيبة مع الجانبين في الأشهر الأخيرة للحفاظ على الحوار بين الأطراف المتنازعة خلف الكواليس، والدعوة إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وإطلاق سراح الرهائن. كما تدعو الحكومة الألمانية بلا كلل إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، ليس فقط لإنهاء معاناة الناس في غزة، وحالياً لتمكين حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال التي تنفّذها الأمم المتحدة، ولكن أيضاً لأننا نعتقد أن وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية ستكون له تداعيات إيجابية على التوترات في الضفة الغربية، وكذلك أيضاً على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، حيث تدور معارك مع "حزب الله"، وأيضاً على الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.
ولكن من الواضح أيضاً، أن السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال حلّ الدولتين القائم على التفاوض، الذي يمكّن الإسرائيليين والفلسطينيين من العيش في أمن وحرّية. وبموجب اتفاقات أوسلو، ألزم الجانبان نفسيهما بحل الدولتين - ولا يزال ذلك سارياً. يجب الآن أن تُستأنف العملية السياسية بشكل جدّي حتى نوفّر لشعوب المنطقة منظوراً حقيقياً لحياة خالية من العنف المتكرّر.