دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى تصحيح ما لحق بالقارة السمراء من "ظلم تاريخي". وقال خلال مشاركته في افتتاح قمة "منتدى التعاون الصيني-الأفريقي" في بكين مطلع الشهر الجاري: "من المخزي ألّا يكون للقارة الأفريقية مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي".
وهذه الدعوة لم تكن الصين بعيدة عنها بالمطلق، كما أن روسيا تسير بهذا الاتجاه، وهذا ليس النداء الأول لإدخال إصلاحات على مجلس الأمن الدولي، ولن تكون الأولى من نوعها.
مجلس الأمن يعدّ من أهم المؤسسات في المنظمة الدولية ويمثل ذراعها التنفيذي، تقع ضمن مسؤولياته المباشرة حفظ السلم والأمن الدوليين، وبالتالي يتمتع بسلطة فرض العقوبات وحظر الأسلحة والتفويض باستخدام القوة لتنفيذ القرارات الدولية.
هذه الصلاحيات جاءت مع تأسيس منظمة الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، وكان من الطبيعي أن التوازنات التي خلقها النظام العالمي الذي نشأ من بعدها، أن ينعكس تمثيلاً داخل مجلس الأمن. وعليه كان هذا المجلس يتألف من 11 عضواً في عام 1945، قبل زيادة العدد إلى 15 عضوا في 1965 من بينهم 10 دول منتخبة تشغل مواقعها لمدة عامين تمثل المناطق الجغرافية المختلفة، ومن بينها ثلاثة مقاعد لأفريقيا، إلى جانب الدول الخمس دائمة العضوية التي تتمتع بـ"حق النقض" أو "الفيتو" وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا.
لكن أي إصلاح جديد يواجه سلسلة من العقبات، فهو يتطلب بداية أن يعتمده ثم يصادق عليه ثلثا الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة. والمسألة الأهم هي مستقبل "حق النقض" للأعضاء الدائمين. كما أن تعديل نظام المجلس الذي لطالما عطّلت عمله الخلافات بين أعضائه الدائمين، يتطلّب إجماع القوى الخمس الكبرى.
التنافس على أفريقيا
الصراع بين القوى دائمة العضوية على الخريطة الجيوسياسية، يُترجم في أروقة مجلس الأمن باستخدام سلاح "الفيتو" على أي قرار قد يتعارض مع مصالح أي منها. ومن الترجمات الأخرى لهذا الصراع الأممي مسألة الإصلاحات، وهذه المرّة من البوابة الأفريقية، التي باتت بدورها ساحة صراع على النفوذ بين الصين وروسيا والولايات المتحدة بعد التراجع الحاد للدور الأوروبي.
وبما يشبه الردّ على مطالبات "منتدى التعاون الصيني-الأفريقي"، أعلنت الولايات المتحدة، الخميس الفائت، دعمها إحداث مقعدين دائمين للدول الأفريقية في مجلس الأمن الدولي، لكن من دون "حق النقض". وقالت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إن "المشكلة هي أن هذه المقاعد المنتخبة لا تسمح للبلدان الأفريقية باستغلال معرفتها وصوتها في عمل المجلس".
والخطاب الأميركي طالب كذلك بتخصيص مقعد غير دائم للدول الجزرية الصغيرة النامية، من دون تحديد العدد الإجمالي للأعضاء الدائمين وغير الدائمين الذين يمكن أن يضمهم المجلس. هذا بالإضافة إلى مقاعد دائمة لكل من اليابان وألمانيا والهند.
وأوضحت غرينفيلد أن بلادها لا تؤيد توسيع "حق النقض" للأعضاء الجدد، ولا إلغاءه للأعضاء الحاليين، لأن ذلك من شأنه "أن يجعل المجلس أكثر اختلالا". ووصفت الأمر بأنه سيكون جزءاً من إرث الرئيس الأميركي جو بايدن.
الخطوة هذه مبنية على حسابات سياسية استراتيجية تهدف بداية إلى "إصلاح" العلاقة الأميركية مع الدول الأفريقية بعد أن مرت بمرحلة فتور، سمحت بفتح الطريق أمام الصين. كما أن الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة والدعم الأميركي لها تركا أثراً سلبياً على هذه العلاقة، خصوصاً أن جنوب أفريقيا حركت ملف القضية الفلسطينية داخل محكمة العدل الدولية.
وكان لافتاً تزامن الخطاب الأميركي عن الإصلاحات مع ما نقلته "رويترز" عن ثلاثة مصادر أن بايدن يخطط لزيارة أنغولا في الأسابيع المقبلةـ تنفيذاً لتعهد سابق بأن يكون أول رئيس أميركي يزور منطقة أفريقيا جنوب الصحراء منذ زيارة باراك أوباما في 2015.
حرب إصلاحات وصلاحيات
في المواقف الأفريقية، رحّب رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا بالطرح الأميركي، لكنه لفت إلى أن "حرمان شاغليهما (المقعدين) من حق النقض سيجعلهما مواطنين من الدرجة الثانية". وهو الأمر عينه الذي كان قد لفت إليه رئيس سيراليون جوليوس مادا، خلال كلمته في آب (أغسطس) الماضي أمام مجلس الأمن بالنيابة عن القارة، عندما شدّد على أن "أفريقيا تريد إلغاء حق النقض، ولكن إذا أرادت الدول الأعضاء الاحتفاظ به، فيجب أن يشمل الأعضاء الدائمين الجدد، لأنها مسألة عدالة".
في المقابل دعت روسيا الدول الأفريقية إلى أن "تبقى يقظة"، واعتبر نائب السفير الروسي ديمتري بوليانسكي أنه "لن يكون من الممكن إصلاح الظلم ضد أفريقيا مع السماح لدول غربية جديدة بالانضمام إلى المجلس".
مع هذا الواقع، يرى مدير شركة الاستشارات لأبحاث الصراعات (African Defense Review) دارين أوليفييه أن "الولايات المتحدة تحاول حشد الدعم بعد الضربة التي تلقتها في غرب أفريقيا". وقال في حديث إلى "صوت أميركا" إنه "من الواضح أن الولايات المتحدة اهتزت بسبب استيلاء المجلس العسكري على السلطة في دول الساحل مثل بوركينا فاسو والنيجر وإنهاء التعاون الأمني واتفاقيات القواعد العسكرية لاحقا".
وبحسب خريطة المقاعد التي تحدثت عنها غرينفيلد، يظهر أنها تتوزع بحسب المناطق التي تشهد سخونة في التنافس مع الصين تحديداً، وبالتالي المطالب الأميركية تساهم في تعميق العلاقات مع أفريقيا ومع دول جزر المحيط الهادئ، وإذا أضفنا الهند واليابان وألمانيا فهم من أقوى الحلفاء لواشنطن على الصعيدين الاقتصادي والعسكري. وبالتالي ترى الولايات المتحدة أن أي "إصلاح" جديد لمجلس الأمن يجب أن يحافظ على توازن القوى في النظام العالمي ما بعد الحرب الباردة.