أفاد مصدر قضائي كبير في لبنان لرويترز بأنه تم توقيف حاكم مصرف لبنان المركزي السابق رياض سلامة اليوم الثلاثاء أثناء جلسة قضائية كان يحضرها في العاصمة بيروت.
وقال المصدر القضائي إن السلطات ألقت القبض على سلامة بتهم غسل أموال واحتيال واختلاس مرتبطة بشركة سمسرة لبنانية تعرف باسم "أوبتيموم إنفست".
وأفادت "الوكالة الوطنية للاعلام " بأن النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار أوقف سلامة بعد التحقيق معه اليوم في قصر العدل في ملف "اوبتيموم".
وقال مصدر لـ"فرانس برس"، من دون الكشف عن هويته: "أمر النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار بتوقيف سلامة، بعد استجوابه على مدى ثلاث ساعات حول شبهات اختلاس من مصرف لبنان تفوق أربعين مليون دولار (..) جرى تحويلها الى الخارج".
وجرى نقله فورا، وفق المصدر، الى سجن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في الأشرفية.
وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة "أوبتيموم إنفست" رين عبود إن الشركة لم تستدعى إلى جلسة اليوم فيما يتعلق بتعاملاتها مع سلامة الذي جرى توقيفه بعد جلسة المحكمة لجرائم مالية مرتبطة بالشركة.
وأضافت عبود لرويترز إن الشركة سمعت بتوقيف سلامة من وسائل الإعلام وإنها أجرت تدقيقا ماليا في وقت سابق هذا العام لتعاملاتها مع مصرف لبنان المركزي ولم تجد أي دليل على ارتكاب الشركة أي مخالفات.
من جهته، قال وزير العدل في حكومة تصريف الاعمال اللبنانية هنري الخوري، بعد توقيف حاكم مصرف لبنان السابق: "القضاء قال كلمته. ونحن نحترم قرار القضاء".
وشغل سلامة منصب محافظ مصرف لبنان المركزي لمدة 30 عاما حتى تموز (يوليو) 2023.
وفي الأشهر الأخيرة من ولايته، أصدرت ألمانيا مذكرة اعتقال بحقه بتهمة الفساد.
ويجري التحقيق معه في لبنان وخمس دول أوروبية على الأقل بتهمة الاستيلاء على مئات الملايين من الدولارات من المركزي اللبناني على حساب الدولة اللبنانية وغسل الأموال في الخارج.
وهذه أول مرة يمثل فيها سلامة أمام القضاء، منذ انتهاء ولايته في 31 تموز (يوليو) 2023.
ويشكل سلامة منذ ثلاثة أعوام محور تحقيقات محلية وأوروبية تشتبه بأنه راكم أصولا عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني، وأساء استخدام أموال عامة على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان، عدا عن تحويله الأموال الى حسابات في الخارج و"الإثراء غير المشروع".
وبناء على التحقيقات، أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونيخ العام الماضي مذكرتي توقيف بحقه جرى تعميمهما عبر الانتربول. وقرّر القضاء اللبناني بناء عليهما منعه من السفر وصادر جوازي سفره اللبناني والفرنسي.
إلا أن النيابة العامة في ميونيخ ألغت في حزيران (يونيو) مذكّرة التوقيف بحق سلامة، لانه "لم يعد يشغل منصب حاكم مصرف لبنان المركزي وبالتالي لم يعد هناك أي خطر (...) بإتلاف أدلة". لكن القرار لا يعني أن التحقيق انتهى.
ورغم أن مذكرة التوقيف الصادرة من فرنسا التي يحمل سلامة جنسيتها لا تزال سارية، لكنها من دون طائل إذ لا يسلّم لبنان مواطنيه لمحاكمتهم في دولة أجنبية.
وفرضت الولايات المتحدة إلى جانب كندا والمملكة المتحدة، عقوبات اقتصادية على سلامة وعلى أفراد عائلته لشبهات فساد، بما في ذلك تجميد أصولهم في البلدان الثلاثة.
ولطالما نفى سلامة التهم الموجهة إليه، متحدثا عن "بيانات مزورة" وخلفيات "سياسية". ورغم التحقيقات التي طالته، أصرّ على البقاء في منصبه حتى انهاء ولايته، مستفيدا من حماية سياسية وفّرتها له قوى رئيسية في البلاد.
وكان سلامة مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990). لكن على وقع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي يشهده لبنان منذ 2019، بات يُحمّل مع أركان الطبقة الحاكمة مسؤولية الفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة.
وتحمّل جهات سياسية ومحللون ومواطنون في لبنان سلامة مسؤولية انهيار العملة الوطنية، وينتقدون بشكل حاد السياسات النقدية التي اعتمدها، باعتبار أنها راكمت الديون وسرّعت الأزمة، إلا أنه دافع مراراً عن نفسه بتأكيده أن المصرف المركزي "موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال".