مع استمرار الغموض بشأن مصير الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بعد عشر غارات على مقر القيادة المركزي للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، حوّلت الطائرات الحربية الإسرائيلية ليل الضاحية إلى جحيم حقيقي بسلسلة أخرى من الغارات العنيفة على عدد من المباني سبق أن أنذرت بعضها بوجوب الإخلاء.
ووُصفت الغارات التي استهدفت نصرالله نهاراً بالأعنف منذ بدء الحرب، وأدّت إلى تسوية عدد من المباني بالأرض على مسافة كبيرة.
وبعد نحو ست ساعات من الغارات التي وقعت الساعة 6:19 بتوقيت بيروت، نقلت وكالة رويترز عن مصدر مقرب من "حزب الله" أن الاتصال مفقود مع قادة الحزب الكبار.
وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن الجيش حصل على معلومة بوجود كبار قادة "حزب الله" ومنهم نصرالله في المكان المستهدف.
ونسبت وكالة "فرانس برس" إلى مصدر مقرب من الحزب تأكيده أن نصرالله "بخير". لكن الحزب لم يصدر أي بيان بشأن ما حصل.
ويرجح مسؤولون محليون أن يكون عدد الضحايا في غارات النهار كبيراً، في ظل صعوبة العثور على الضحايا، بسبب الدمار الكبير.
ودمّرت الغارات الإسرائيلية على المنطقة التي تشهد كثافة سكانية عالية، ستة أبنية تماماً، وفق ما أفاد مصدر مقرب من الحزب الجمعة.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري في بيان متلفز إن الجيش "نفذ ضربة دقيقة على المقر المركزي لمنظمة حزب الله الإرهابية في الضاحية".
وبحسب هغاري فإن المقر "موجود تحت مبان سكنية في قلب الضاحية في بيروت".
أوردت عدة قنوات تلفزيونية إسرائيلية مساء الجمعة أن نصرالله كان هدف الغارات فيما قال الجيش الإسرائيلي في اتصال مع وكالة "فرانس برس" إن "لا تعليق لنا على هذا الموضوع".
وتردد دوي الانفجارات الناجمة عنها في أرجاء بيروت ومحيطها.
وقطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رحلته للولايات المتحدة حيث ألقى الجمعة كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تعهد فيها مواصلة العمليات العسكرية ضد حزب الله، ما يقلّص الآمال حيال إمكان تطبيق هدنة مدتها 21 يوما دعت إليها فرنسا والولايات المتحدة هذا الأسبوع.
بلينكن
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الجمعة إن الخيارات التي تتخذها جميع الأطراف في الشرق الأوسط في الأيام المقبلة ستحدد المسار الذي ستتخذه المنطقة وستكون لها عواقب عميقة لسنوات مقبلة.
وأضاف في مؤتمر صحافي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة أن واشنطن أوضحت أنها تعتقد أن السبيل للمضي قدما سيكون من خلال الدبلوماسية وليس الصراع.
وتابع بلينكن: "هذه لحظة حرجة بالنسبة للشرق الأوسط والعالم".
نتنياهو
قبل الغارات على العاصمة اللبنانية، أعلن الجيش تنفيذ غارات جديدة ضد أهداف تابعة لـ"حزب الله" في جنوب لبنان، بعد دقائق من خطاب نتنياهو.
وقال نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "طالما أن حزب الله يختار مسار الحرب، فلا خيار أمام إسرائيل، ولدى إسرائيل كل حق في إزالة هذا التهديد وإعادة مواطنينا إلى ديارهم بأمان"، مضيفا بأن العمليات ضد الحزب "ستتواصل إلى أن نحقق أهدافنا".
وحذر نتنياهو إيران من أن بلاده ستقصفها إذا تعرّضت للقصف أولا وقال إن بإمكان بلاده الوصول إلى أي جزء من أراضي الجمهورية الإسلامية.
وفي خطابه الذي قاطعه عدد كبير من الدبلوماسيين، "لدي رسالة لطغاة طهران. إذا قصفتمونا، فسنقصفكم".
وأضاف "ليس هناك أي مكان في إيران لا يمكن لذراع إسرائيل الطويلة الوصول إليه. ينطبق الأمر ذاته على الشرق الأوسط برمته".
منذ الاثنين، خلفت الضربات الإسرائيلية الكثيفة الواسعة النطاق التي تهدف إلى إضعاف الحزب الذي تدعمه إيران وحليف حركة حماس الفلسطينية، أكثر من 700 قتيل في لبنان، بحسب السلطات، وبينهم عدد كبير من المدنيين.
وحذرت الأمم المتحدة الجمعة من أن لبنان يمر بفترة هي الأكثر دموية منذ "جيل كامل".
"إبادة"
من جانبه، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي الجمعة المجتمع الدولي الى "ردع" إسرائيل لوقف "حرب الإبادة" التي تشنّها على لبنان.
وقال ميقاتي وفق بيان "العدوان الجديد يثبت أن العدو الاسرائيلي لا يأبه لكل المساعي والنداءات الدولية لوقف اطلاق النار، مما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في ردع هذا العدو ووقف طغيانه وحرب الابادة التي يشنها على لبنان".
وقالت الأمم المتحدة الجمعة إنها تتابع بقلق كبير الضربات الإسرائيلية على منطقة "مكتظة بالسكان" في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
وصرّح المتحدث باسم المنظمة ستيفان دوجاريك في إفادة صحافية إن "الأمم المتحدة تتابع بقلق شديد" الضربات على بيروت.
وتابع "أي شخص ينظر إلى صور الدخان المتصاعد من منطقة مكتظة بالسكان يجب أن يشعر بالفزع"، مضيفا "نحاول جمع المزيد من المعلومات بينما نتحدث".
وفي مواجهة التصعيد العسكري الذي يهدد بجر الشرق الأوسط إلى الحرب، وجهت الولايات المتحدة وفرنسا، وانضمت إليهما العديد من الدول الغربية والعربية، نداء لوقف إطلاق النار مدة 21 يوما، وهو ما رفضته إسرائيل الخميس متوعدة بواصلة الحرب على حزب الله "حتى النصر".
وأكد مسؤول أمني إسرائيلي الجمعة أن العملية البرية التي يُحتمل شنها في لبنان ستكون "قصيرة".
وطلب رئيس أركان الجيش الجنرال هيرتسي هاليفي من الجنود الأربعاء الاستعداد لاحتمال التوغل برا.
"بلا أمل"
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن في وقت سابق الجمعة شن "عشرات الضربات" ضد حزب الله الذي تستهدف صواريخه شمال إسرائيل بشكل شبه يومي منذ الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على إسرائيل وأعقبته حرب مدمرة في غزة.
وتوعد الحزب بمواصلة هجماته "حتى انتهاء العدوان على غزة".
وفي حصيلة إجمالية، قُتل أكثر من 1500 شخص في لبنان منذ بدء إطلاق النار عبر الحدود قبل عام تقريبا، وفق سلطات البلاد، وهي حصيلة تزيد عن 1200 قتيل سقطوا خلال 33 يوماً من الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006.
وأعربت منظمة اليونيسف عن قلقها إزاء "المعدل المخيف" الذي يقتل به الأطفال في عمليات القصف، فضلا عن الأضرار التي لحقت بالمنشآت المدنية التي شيدتها أو أعادت تأهيلها المنظمة الأممية مثل محطات ضخ المياه مما يحرم "30 ألف شخص من مياه الشرب النظيفة" في شرق لبنان وجنوبه.
وأدى القصف الإسرائيلي إلى نزوح 118 ألف شخص في لبنان هذا الأسبوع، بحسب الأمم المتحدة.
وأفادت القناة 12 العبرية، نقلا عن مصادر إسرائيلية، أنه "من غير المؤكد إذا تواجد الامين العام لحزب الله حسن نصر الله داخل مقر القيادة الذي تعرّض للقصف، سننتظر ونرى".
وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن طائرات إف 35 نفذت الغارات واستخدمت قنابل خارقة للتحصينات.
ودمّرت الغارات الإسرائيلية 6 أبنية تماما، على ما أفاد مصدر مقرب من الحزب الجمعة.