تختلف المصطلحات المستخدمة في النصوص للدلالة على كبار السّن والمسنّين والأكبر سنّاً، إلّا أنّ المصطلح المعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة فهو "كبار السنّ"، ويشير، وفق الإدارات الإحصائية، إلى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم ٦٠ سنة وأكثر، علماً بأنّ سنّ التقاعد الأكثر شيوعاً حول العالم هو ٦٥ سنة.
تسبّبت الأزمة الاقتصادية في لبنان بواقع صعب وأليم نال من جميع المقيمين فيه منذ العام 2019. لكن وطأة هذه الأزمة كانت أكثر حدّة على كبار السنّ، إذ فرضت عليهم وضعاً صعباً وشديد الهشاشة، لا سيّما على صعيد العناية الصحية. لكن الاهتمام الرسمي بكبار السنّ في لبنان كان محدوداً على الدوام. فبالرغم من الاعتراف بـ"حقوق كبار السنّ وفق تحديد الأمم المتحدة وخطة العمل الدولية للشيخوخة" والمتمثِّلة بشكل أساسي بالحصول على الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والعمل والدخل والاندماج في المجتمع، وتشكيل الهيئة الوطنية الدائمة لرعاية شؤون المسنّين في لبنان في العام 1999، فإنّ برامج العناية بهم تقتصر على مبادرات خاصة محدودة النطاق.
"المسنّ اللبناني والمسنّ السوري في لبنان... وجوه عديدة لمعاناة واحدة"
كشفت دراسة أجرتها "الدولية للمعلومات" في العام 2019 أنّ عدد المسنّين في لبنان، الذين تجاوزوا سنّ الـ64، يبلغ 445 ألف شخص، وقد تمّ تقسيمهم إلى أربع فئات: 67 ألفاً ليس لديهم الأساسيات بما فيها الغذاء؛ 200 ألف ليس لديهم الأساسيات من ملبس ومسكن، 165 ألفاً ليس لديهم حاجات الحياة الأساسية؛ و13 ألفاً من الأثرياء.
وبحسب تقرير "المؤسسة الدولية لكبار السنّ"، تشكّل هذه الفئة في لبنان 11% من سكّان البلاد، مع أمد أعمار يصل إلى 78 عاماً للرجال و82 عاماً للنساء. وبالرغم من أنّ هذه النسبة هي الأعلى بين الدول العربيّة، فلا يزال لبنان من أضعف البلدان في المنطقة لجهة تأمين الحماية الاجتماعية للكبار، حيث يعتمد نحو 80% منهم على أسرهم للحصول على الدّعم المالي أو على مدّخراتهم التي فقدت قيمتها إن وجدت، فيما معظمهم لا يتلقّى أيّ راتب تقاعديّ أو دعم ماليّ من الدولة على الإطلاق.
إذن يُمَثِّل كبار السنّ فئة مُهَمَّشة مقارنة بالفئات العمريّة الأخرى، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالنواحي الصحيّة. وإذا كان المواطنون مهمّشين، فكيف سيكون حال كبار السنّ من اللاجئين السوريين؟!
أولئك يتعرّضون لإهمال مزمن. على الرّغم من الاعتراف الدولي بوجود حاجات وتحدّيات تخصّ فئة كبار السنّ خلال أوقات الأزمات، فإن هذه الفئة العمريّة لا تزال واحدة من أكثر الفئات المُهْمَلَة ضمن الاستجابة الإنسانيّة والإنمائيّة، خصوصاً على صعيد الصحّة. ولا يشكّل السوريون اللاجئون من كبار السنّ في لبنان استثناءً لهذه القاعدة.
يشير تقرير للبنك الدولي إلى أنّ نسبة مَن يبلغون من العمر أكثر من 60 عاماً بين اللاجئين السوريين في لبنان تصل إلى2.5% من مجموع اللاجئين. "ويُعتبر جانب الرعاية الصحية للاجئين المسنّين أكثر جوانب الضعف والقصور وضوحاً" على ما ورد في هذا التقرير.
ويؤكّد التقرير عينه أنّ "الكثير من كبار السنّ يتخلّون عن علاجهم لكي يتركوا مدّخراتهم لأسرهم... وعادةً ما يقلّل اللاجئون المسنّون أيضاً من تناول الطعام لأنهم، في كثير من الأحيان، يريدون أن يتركوا المزيد من الطعام لأسرهم ...".
"وسط أزمة اقتصادية معقّدة... لا ضمانات صحية"
إنّ أسباب معاناة كبار السنّ في لبنان تعود، بالدرجة الأولى، إلى افتقار البلاد لضمانات الحماية الاجتماعية الأساسيّة التي تعتبر من حقوق الإنسان الأساسيّة، والتي تضمن له العيش الكريم، كما أنّ ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة قلّص قدرة المسنّين على شراء الطعام والأدوية أو تأمين تكاليف سكن آمن، بل جعل من الصعب على معظم الفئة الشابة أن تكون عوناً لذويها. أضف إلى ذلك أنه لا يوجد في لبنان قانون ينظّم أحوال المسنّين بشكل خاص، ويحدّد حقوقها والخدمات الحكوميّة المستحقّة لها، فلا تستفيد إلّا قلّة من تقديمات التأمين الاجتماعي كالحائزين على معاشات تقاعدية ومساعدات اجتماعية، وفق ما يقول اختصاصي الحماية الاجتماعية الإقليمي في منظمة العمل الدولية "لوكا بليرانو".
عدا عن ذلك، إنّ التأمينات الاجتماعيّة - إن وُجدت - تراجعت بفعل الوضع العام في لبنان، إذ لم يسلم المسنّون اللبنانيّون من تبعات الأزمة المصرفية والمالية. والحال نفسها تنطبق على المسنّين من الجنسية السورية المقيمين في لبنان. قد يكون ثقل معاناتهم أكبر في ظل مصاعب كثيرة تتراكم يوماً بعد يوم منذ اندلاع الحرب على أرضهم، وما يرافقها حتى الساعة من معاناة الهجرة والنزوح.
يشير العاملون في المجال الاجتماعي إلى أنّ من أسباب إهمال الحاجات الصحية لكبار السنّ خلال الأزمات التركيز الذي ينصبُّ، بشكل أكبر، على النساء والأطفال، إن من ناحية جمع البيانات، أومن ناحية الاستجابة لحاجاتهم الطبية بشكل خاص.
وحتى عندما يتمّ جمع البيانات بخصوص كبار السنّ، فغالباً ما يُصنَّف هؤلاء على أنَّهم مجموعة واحدة مشمولة بالفئة العمرية التي تزيد عن 60 عاماً، مع أنَّه يُسجَّل اختلاف كبير في ما بينهم من ناحية الوضع الصحي وحاجاتهم على أنواعها. وهناك أيضاً شحٌّ وضعفٌ في الأبحاث المتعلّقة بنقاط الاستضعاف التي قد تنشأ من بعض المحاور المتقاطعة والمتضافرة للسنّ والجنس والإعاقة.
وبالنسبة للاجئين السوريين على وجه الخصوص، فهم عموماً فئة مستضعفة لا تتمتّع إلا بقدرٍ محدودٍ من الرعاية الصحية وباحتمال ضعيف في تأمين مستقبل مستدام. وما يزيد الأمور تعقيداً ويحول دون تأمين الرعاية لهم عدم حيازتهم على صفة قانونية، كما أنَّ غياب البيانات والأبحاث حول الحاجات الصحية المخصّصة لكبار السنّ من اللاجئين السوريين يسَاهِمُ أيضاً في إنشاء حلقة مُفْرَغَة من الإهمال التي تقع فيها هذه الفئة، فتقتصر مساعدتهم على توفير معونات غذائية وتأمين أدوية وعلاجات للأمراض المزمنة مثل السُّكَّري وارتفاع ضغط الدم، والمساعدة على إجراء عمليات جراحية محدّدة كالجراحة الخاصة بإزالة المياه البيضاء في العين؛ وهذه الجراحة تعتبر من الجراحات الرخيصة والسهلة التي يُمكن أنْ تُحَسِّن حياة اللاجئين الكبار في السنّ.
لضمان تلقِّي اللاجئين من كبار السنّ للرعاية التي يحتاجون إليها، يسعى العاملون في الحقل الاجتماعي إلى تعزيز الوعي العام، وتفعيل الاندماج ضمن الاستجابة الإنمائية والإنسانية العامة، على اعتبار أنَّ ذلك سوف يسمح لكبار السنّ بالمشاركة بفاعلية ضمن مجتمعاتهم، ويرفع من مستويات تقديرهم واحترامهم والاعتراف بمساهماتهم الاجتماعية.
"عندما تغيب الدولة... تحلّ المنظمات عوناً للفئات المهمشة"
أكّدت مديرة البرامج في "المؤسسة الدولية لكبار السنّ" في لبنان سارة أبو طه، في اتصال هاتفيّ معها، أنّ المؤسسة، بالتعاون مع جمعية "إدراك" في بيروت وجبل لبنان، تقدّم خدمات صحيّة نفسيّة لكبار السنّ تشمل معاينات لدى الاختصاصيين النفسيين والأطباء النفسيين، إضافة لإدارة الحالات وإحالتها إلى جمعيّات أخرى. هذا إلى جانب زيارات الممرّضين المنزليّة للأشخاص الذين يعانون من مشكلات اجتماعية، وحملات توعية، وتأمين جلسات دعم نفسي اجتماعي بشكل جماعيّ، وتقديم إعالات مادية للعائلات الأكثر فقراً.
وقد نفّذت المؤسّسة، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، مشروعاً لبناء قدرات الجمعيّات المحليّة ومراكز التنمية الاجتماعيّة، فقدّمت سلسلة تدريبات لموظفي الوزارة لبناء قدراتهم وتطوير الوسائل المستخدمة في عملهم بما يؤمّن احتياجات كبار السنّ في داخل المراكز والجمعيّات المحليّة، التي تعمل على مساعدتهم، وتقديم المناصرات بالتعاون مع منظمة العمل الدولية.
في حال الحاجة إلى الاستفادة من خدمات المؤسّسة يُمكن التواصل مع القيّمين عليها على الرقم 01637788.
من جهتها، تسعى منظّمة URDA، وهي جمعيّة لبنانية إنسانية خيرية، لمساعدة ورعاية وتنمية الإنسان في لبنان، وفق معايير دوليّة، وضمن سبعة قطاعات: الإغاثة والإيواء والرعاية الصحية والتعليم والحماية والتنمية والكفالات.
ويؤكّد مدير البرامج في المنظمة الأستاذ هيثم محمود أنّ "اتّحاد الجمعيّات الإغاثية والتنموية URDA يحرص على أن تكون فئة كبار السنّ من ضمن الفئات المستهدفة عبر مشاريعها على اختلافها وتنوّعها على امتداد الأراضي اللبنانية".
ومن أهمّ الموارد والخدمات التي يُمكن للمسنّين الاستفادة منها من خلال URDA:
- مواد غذائية (خبز، حصص غذائية، وجبات ساخنة، وغيرها).
- مواد غير غذائية (وقود التدفئة، بطانيات، مدافئ).
- حصص النظافة Hygiène Kit (وهي تشمل المواد الأساسية للنظافة الشخصية بما فيها تلك الخاصّة بالوقاية من فيروس كورونا.
- تغطية عمليات طبية (الجراحية منها وغير الجراحية) وتغطية نفقات العلاج الطبي (أدوية الأمراض المزمنة ونفقات المعاينات الطبية التي يندرج تحتها التصوير الشعاعيMRI، وغير ذلك من الخدمات، إضافة إلى تغطية نفقات جلسات غسيل الكلى للمرضى من كبار السنّ).
- المشاركة في جلسات توعوية بخصوص جائحة كورونا والاستفادة من جُرع اللقاح.
- الاستفادة من كفالات عائليّة شهريّة (وفقاً لمعايير محدّدة).
ويمكن التواصل مع المنظمة من خلال الأرقام الموجودة، وفقاً لكل منطقة، على الموقع الإكتروني الخاص بالمنظمة https://urda-lb.org/ ، علماً بأنّ رقم هاتف المقرّ المركزي في بيروت هو 9615807046+.
أمّا منظمة "أطباء بلا حدود"، فتضمن حصول الأشخاص الأكثر حاجة، ومنهم اللاجئون والعمّال المهاجرون، على الرعاية الصحية المجانية وعالية الجودة. وتشمل أنشطتها خدمات الصحة الإنجابية والعناية العامة والمركّزة وعلاج الأمراض غير السارية واللقاحات في عكار وزحلة وجنوب بيروت والبقاع وحملات التلقيح ضدّ فيروس كورونا في دور رعاية المسنّين والسجون.
يمكن التواصل مع مكتب لبنان على الرقم 01737090+961 أو عبر البريد الإلكتروني [email protected].