ألهم فولوديمير زيلينسكي الأوكرانيين ونال الاحترام والثناء على الصعيد العالمي لشجاعته وتحدّيه في مقاومة الغزو الروسي المدمّر لبلاده.
وعند اندلاع الحرب، عمد الممثل الكوميدي السابق إلى بثّ روح الحماس في مواطنيه من خلال بث خطابات من العاصمة كييف رافضاً مغادرة المدينة رغم سيل القذائف الروسية.
ويوم الأحد الماضي، قام بأول زيارة له لشرق البلاد منذ بدء الحرب، حيث تفقّد القوات الأوكرانية بالقرب من خط الجبهة في منطقة خاركيف.
وحظي زيلينسكي بحفاوة بالغة خلال تحدّثه عبر دائرة تلفزيونية مغلقة إلى البرلمانات الأجنبية التي سعى للحصول على مساعدتها حيث كان الترحيب به حارّاً وصفق له النواب وقوفاً.
وردّاً على سؤال حول روتينه اليومي خلال الحرب، التي ستدخل يومها المائة يوم الجمعة، قال لـ"رويترز" ولشبكة "سي أن أن"، في مقابلة مشتركة في آذار: "أنا أعمل وأنام".
وحينما سُئل عن المدة التي يمكن أن تصمد فيها أوكرانيا، قال زيلينسكي: "نحن لا نصمد، نحن نقاتل، وستظل أمتنا تقاتل حتى النهاية. هذا وطننا، نحن نحمي أرضنا ومنازلنا. من أجل مستقبل أطفالنا".
وحضّ زيلينسكي، الذي كان يرتدي قميصه زيتونيّ اللون الذي اعتاد الظهور به، وغالباً ما يبدو متعباً وغير حليق وإن كان لا يغيب عنه الحماس، المشرعين الغربيين على فرض حظر على النفط والغاز الروسيين وتكثيف إمدادات الأسلحة لقواته المحاصرة على خط المواجهة.
ويرفض الغرب دعوته بفرض مناطق لحظر الطيران، خشية أن يؤدي ذلك إلى صراع مباشر مع روسيا بل وحتى اندلاع حرب عالمية ثالثة. لكن الغرب قدّم لأوكرانيا مساعدات عسكرية منها مدافع الهاوتزر الأميركية ذاتية الدفع والصواريخ المتقدمة بالإضافة إلى دعم اقتصادي وفرض عقوبات لم يسبق لها مثيل على روسيا.
وقال زيلينسكي، وهو أب لاثنين ويبلغ من العمر 44 عاماً، لأرباب الأعمال العالميين في دافوس الشهر الماضي، إنّ "التاريخ يقف الآن عند نقطة فارقة... هذه هي اللحظة التي يتقرّر فيها حقّاً ما إذا كانت القوة الغاشمة ستحكم العالم"، واصفاً الحرب بأنّها جزء من صراع عالمي بين الديموقراطية والاستبداد.
واتهم روسيا بشن حرب إبادة جماعية قائلاً: "هذه محاولة إجرامية ومتعمدة لقتل أكبر عدد ممكن من الأوكرانيين وتدمير أكبر عدد ممكن من المنازل والمرافق الاجتماعية والمؤسسات". وتنفي روسيا استهداف المدنيين.
ووجّه زيلينسكي انتقاداً لما وصفه بتأخر أوروبا عن فرض عقوبات على واردات الطاقة الروسية، التي تساعد في تمويل حملة موسكو العسكرية، كما انتقد الساسة الغربيين الذين حضّوه على تقديم تنازلات إقليمية لإنهاء الحرب.
وخلال زيارته الأولى خارج كييف في 29 أيار منذ بداية الحرب، قال للجنود في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية: "أنتم تخاطرون بأرواحكم من أجلنا جميعاً ومن أجل بلدنا".
وعندما أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوات إلى أوكرانيا في 24 شباط في ما أسماه "عملية خاصة" لنزع سلاح البلاد و"تخليصها من النازية"، قام زيلينسكي، وهو يهودي، بالتذكير بغزو هتلر للاتحاد السوفيتي في عام 1941.
وقال في خطاب عام: "روسيا هاجمت دولتنا غدراً هذا الصباح كما فعلت ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. لقد شرعت روسيا في طريق الشر، لكن أوكرانيا تدافع عن نفسها ولن تتخلى عن حريتها، بغض النظر عمّا تعتقده موسكو".
وتقول الأمم المتحدة إنّ الحرب عزّزت شعبية زيلينسكي في الداخل والخارج لكنها كانت بمثابة الكارثة على أوكرانيا حيث حصدت أرواح عشرات الآلاف من الناس، وحوّلت المدن إلى أنقاض ودفعت أكثر من 6 ملايين شخص للفرار إلى الخارج.
خادم الشعب
كان زيلينسكي أبعد من أن يصبح زعيماً في زمن الحرب. فقد انطلق إلى الشهرة في المسلسل التلفزيوني الشهير "خادم الشعب" الذي أدى فيه دور مدرس يتحلى بالنزاهة تم انتخابه رئيساً ويتفوق على المشرعين المخادعين ورجال الأعمال المشبوهين.
وبعد فوزه بالرئاسة بأغلبية ساحقة في نيسان 2019، تعهّد بالتصدي للفساد الذي حال دون انتقال أوكرانيا من الشيوعية إلى الديموقراطية. لكنّ روسيا شكلت على الدوام التحدي الأكبر لتطلعاته لبناء دولة أوروبية حديثة وديمقراطية ومستقرة.
فاز حزبه "خادم الشعب" بأغلبية كبيرة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يوليو تموز 2019، وسعى زيلينسكي في البداية إلى التوصل إلى سلام من خلال التفاوض للحرب ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا في دونباس، والمستمرة منذ عام 2014.
لكن هذا لم يدم طويلاً. فلقد واصلت روسيا دعم الانفصاليين واستمرت حدة التوتر في التصاعد.
خاطر زيلينسكي بإغضاب موسكو، وتقرّب أكثر من الزعماء الغربيين ومنهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أجرى معه محادثات بالبيت الأبيض في الأول من أيلول 2021. وأثار حفيظة بوتين بدعواته الحثيثة لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي لقبول عضوية أوكرانيا.
وقال زيلينسكي في مقابلة في حزيران 2021: "على الجميع أن يفهم... أننا في حالة حرب، وأننا ندافع عن الديموقراطية في أوروبا وندافع عن بلادنا".
وتابع: "كل يوم نثبت أننا مستعدون للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي أكثر من معظم دول الاتحاد الأوروبي".
استغل زيلينسكي موجة السخط العام على النخبة السياسية الفاسدة في أوكرانيا لينتصر على الرئيس بيترو بوروشينكو، وهو رجل أعمال ثري، في عام 2019.
وردّاً على سؤال من "رويترز" قبل الانتخابات عن مدى اختلافه عن المرشحين الآخرين للرئاسة، أشار زيلينسكي إلى وجهه قائلاً: "هذا وجه جديد. لم أعمل قط بالسياسة".
ومضى يقول: "لم أخدع الناس. وجدوا ضالتهم معي لأنني منفتح، أتأذى، أغضب، أشعر بالضيق... إذا لم أكن متمرّساً في شيء ما، فإنني أقول بأنني عديم الخبرة (في هذا الشيء). إذا لم أكن أعرف شيئاً، أعترف بذلك بصدق".
انزلق زيلينسكي دون قصد إلى دوامة السياسة الأميركية بعد مكالمة هاتفية حاول خلالها الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب إقناعه بالتحقيق مع منافسه الديموقراطي بايدن بشأن صفقات تجارية في أوكرانيا.
ووجه مجلس النواب الأمريكي بقيادة الديموقراطيين اتهامات رسمية لترامب بعد أن خلص تحقيق إلى أنه حجب المساعدات العسكرية عن أوكرانيا للتأثير على كييف. ونفى ترامب ارتكاب أي مخالفات وبرأه مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.