النهار

كيف قد تتأثّر روسيا بحظر أوروبا صادراتها النفطية؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
الجواب قد ينقسم إلى شقّين
كيف قد تتأثّر روسيا بحظر أوروبا صادراتها النفطية؟
العلم الأوكراني على رمز الاتحاد الأوروبي في ألمانيا (أ ف ب).
A+   A-

بالنسبة إلى اتّحاد تلكّأ كثيراً في اتّخاذ إجراءات ضدّ واردات الطاقة الروسية ردّاً على غزو أوكرانيا، تعدّ الخطوة الأخيرة التي اتّخذها الأعضاء السبعة والعشرون في بروكسل يوم الاثنين خطوة "متقدّمة" في هذا الاتجاه. فقد أعلن قادة دول الاتحاد أنهم سيفرضون حظراً على النفط الآتي بحراً والذي يشكل قرابة ثلثي الواردات النفطية من روسيا. لكن النفط الآتي عبر خط الأنابيب البرية سيبقى غير مشمول بالعقوبات. بذلك، ستكون أوروبا قد قطعت 90% من النفط الروسي بحلول نهاية السنة الحالية، بينما سيتمّ فرض حظر على ثلثي تلك الواردات في المدى المنظور.

 

عقوبات وتهديدات وضمانات

توصّلت الدول الأعضاء إلى هذه الصيغة إرضاء للمجر التي رفضت في السابق قطع إمدادات الطاقة الروسية بالنظر إلى اعتماد اقتصادها عليها. بهذا المعنى، كانت حزمة العقوبات السادسة التي فرضتها بروكسل على موسكو هي الأقسى حتى الآن لأنّها، وكما قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، سوف تقطع عن روسيا مصدراً ضخماً من تمويل الحرب. وشملت الحزمة فصل أكبر مصرف روسي، "سبيربنك"، عن نظام "سويفت" للتراسل المالي الدولي إلى جانب حظر ثلاث وسائل إعلامية تملكها موسكو وفرض عقوبات على أفراد تتّهمهم بروكسل بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. وأقرّ الأوروبيون أيضاً حزمة قروض بقيمة نحو 9.7 مليارات دولار للحكومة الأوكرانية كي تواصل دفع أجور الموظفين على مدى شهرين.

 

وأوضحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان دير لاين أنّ الجزء الجنوبي من خط أنابيب دروجبا سيُشمل بالإعفاء بما أنّه يمرّ بالمجر وسلوفاكيا وتشيكيا. بينما الجزء الشمالي منه يمرّ في بولونيا وألمانيا اللتين وافقتا على الحظر. وقال مسؤول أوروبي بارز إنّ هذه الدول الثلاث ستحصل على ضمانة إضافية بإمكانية الحصول على إمدادات نفطية عبر البحر إذا وقت اضطراب في خط أنابيب دروجبا.

 

وهدّد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بنقض كامل الحزمة الأوروبية السادسة على قاعدة أنّ 60% من النفط الروسيّ يصل إليها عبر خط أنابيب دروجبا، لكنّ جودي ديمبسي من مركز "كارنيغي-أوروبا" قالت إنّ لأوربان أسباباً عدّة لاستخدام حق النقض، بما فيها إضعاف الاتحاد الأوروبي نفسه.

 

حاجة إلى بدائل

يحصل الاتحاد على نحو ربع وارداته النفطية من روسيا. كانت ألمانيا وبولونيا وهولندا في طليعة الدول الأوروبية من حيث حجم استيراد النفط من روسيا، كما أنّ دولة أوروبية واحدة من أصل أربع استوردت أكثر من نصف حاجاتها النفطية من موسكو وفقاً لشبكة "سي أن أن" الأميركية.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد انتقد الأوروبيين قبل قرارهم بسبب البطء في تطبيق العقوبات على الطاقة الروسية، متسائلاً عن السبب الذي يجعلهم معتمدين على روسيا وخاضعين لضغطها بدلاً من العكس.

 

ستحتاج أوروبا إلى إيجاد بدائل للنفط الروسيّ من أجل كبح جماح أسعار النفط التي وصلت إلى 124 دولاراً يوم الثلاثاء الأمر الذي دفع التضخّم في منطقة الأورو نحو أرقام قياسيّة أمس وصلت إلى 8.1%. برز نقاش طويل حول قدرة الأوروبيين على التكيّف مع المتطلّبات الجديدة.

 

بحسب "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" يبدو الألمان واثقين بقدرتهم على إلغاء الاعتماد على النفط الروسي بحلول نهاية السنة. وتستورد المصافي عبر القارة المزيد من خام الولايات المتحدة والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكنّ طرقات الترانزيت الأطول سترفع الكلفة على المصافي الأوروبية. وتوقّع المركز أن تكون الشركات والمصافي الفردية أكثر قدرة على التكيّف بينما قد يقلّل صنّاع القرار الأوروبيون من شأن الاضطرابات في سوق النفط.

 

ماذا عن موسكو؟

روسيا أيضاً تواجه تحدّياتها الخاصّة. لن يكون من السهل إيجاد بديل عن السوق الأوروبية بالرغم من بعض الفرص المتاحة والتي استغلّتها موسكو. تمكّنت روسيا خلال السنة الحالية من رفع صادراتها إلى الهند بشكل كبير. كانت روسيا تصدّر قرابة 300 ألف برميل يومياً إلى الهند في كانون الثاني الماضي قبل أن يصل هذا الرقم إلى 700 ألف في نيسان بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

 

وما يمكن أن يؤثّر بشكل أكبر على بيع النفط الروسيّ هو فرض حظر على شركات التأمين التي تغطّي ناقلات النفط الروسي حول العالم. ترى صحيفة "وول ستريت جورنال" أنّ هذه العقوبات قد تقوّض جهود روسيا لبيع نفطها إلى آسيا حيث تضمن شركات التأمين الأوروبية معظم التجارة النفطية حول العالم. وتضيف أنّ الاستراتيجيّة الأوروبية عالية المخاطر لأنّها ستزيد التضخّم الذي وصل إلى وتيرته الأعلى في عقود على ضفتي الأطلسي. وتدفع بروكسل قرابة 10 مليارات دولار شهرياً لروسيا مقابل شراء النفط ومنتجاته.

 

ثمّة الكثير من العوامل التي يمكن أن تؤدّي دوراً في تآكل الاقتصاد الروسيّ بفعل العقوبات على النفط. لكنّ المؤشّرات الواضحة في المدى المنظور تشير إلى أنّ روسيا ستتمكّن على الأرجح من تحمّل الإجراءات الأوروبية الأخيرة. يقول المدير التنفيذي لشركة "ماكرو أدفايزوري" الاستشارية كريس ويفر لوكالة "أسوشييتد برس" إنّه "الآن، بالنسبة إلى هذه اللحظة، ليس ذلك مؤلماً جداً على الصعيد المالي لروسيا لأنّ الأسعار العالمية مرتفعة. إنها أعلى بكثير من السنة الماضية. إذاً حتى ولو كانت روسيا تقدّم تخفيضاً، فهذا يعني أنّها على الأرجح تبيع نفطها تقريباً مقابل الثمن الذي باعته السنة الماضية أيضاً". وكان لماتيو فيلا من "معهد دراسات السياسة الدولية" في إيطاليا تحليل مشابه.

 

ماذا عن المدى الأبعد؟

على المدى الطويل، يمكن أن تنقلب الصورة. هذا ما تتوقّعه شبكة "بلومبرغ" بالرغم من وصفها العقوبات الحالية بـ"المعيوبة" لأنّها متأخّرة وأقلّ ممّا ينبغي. بحسب رأيها، لن يكون بإمكان روسيا قطع الإمدادات ببساطة من دون تداعيات، مشيرة إلى أنّه سيستحيل عليها تقريباً الالتفاف حول العقوبات على التأمين البحريّ. وأضافت: "عبر قطع تدفّق الدولارات إلى خزائن الكرملين، تصعّب أوروبا على الكرملين مواصلة العداء الحالي. حتى العقوبات المعيوبة أفضل من عدم وجود عقوبات على الإطلاق".   

لم تكن حزمة العقوبات السادسة متوقّعة لدى الروس. حتى المسؤولون الأوروبيون كانوا أميل للتشاؤم في بداية الاجتماع قبل أن ينجز الأوروبيون اتفاقهم ليل الاثنين. ستواجه روسيا صعوبات في إيجاد بديل عن السوق الأوروبية لا بسبب العقوبات وحسب، بل أيضاً بسبب الحاجة إلى بنية تحتية جديدة لتحويل صادرات النفط إلى آسيا. مع ذلك، قد تكون الحزمة الأخيرة، آخر حزمة تطال قطاع الطاقة الروسي.

 

يوم الثلاثاء، دعت رئيس الحكومة الإستونية كاجا كالاس إلى مناقشة فرض حظر على الغاز الروسي خلال الجولة المقبلة من العقوبات. لكنّ المستشار النمسوي كارل نيهامر رفض فوراً هذا الطرح قائلاً إنّه لن يكون موضوعاً للنقاش في المجموعة التالية من الإجراءات. إن صحّ كلام نيهامر، وهذا هو المرجّح، فقد تكون روسيا قادرة على التكيّف مع العقوبات على صادراتها النفطيّة... على الأقلّ حتى إتمام أهدافها في دونباس.

 

 

اقرأ في النهار Premium