النهار

هل تثبت "بيرقدار" فاعليتها في أوكرانيا؟
A+   A-

تعدّ مسيّرة "بيرقدار تي.بي.2" من أبرز الأسلحة التي استخدمتها أوكرانيا في مواجهة الجيش الروسي والتي لاقت انتشاراً على وسائل التواصل الاجتماعي بعدما أظهرت لقطات منها وهي تستهدف الأرتال العسكريّة للجيش الروسيّ. استطاعت المسيّرة التركيّة التي تنتجها تركيا محلياً بشكل كامل (عبر شركة "بايكار ماكينا" الدفاعية)، أن تثبت فاعليّتها في العديد من ميادين الحروب مثل سوريا والعراق وليبيا وناغورنو كراباخ وإثيوبيا. حتى أنّها كانت عنصراً مساهماً أساسيّاً في قلب موازين القوى على الأرض في بعض تلك الساحات، موقتاً على الأقلّ.

لكن في غالبيّة تلك الحروب، لم يكن بالإمكان قياس فاعليّة "بيرقدار" بالنظر إلى أنّها لم تُستخدم ضدّ جيوش متطوّرة تقنيّاً. ربّما قدّمت ليبيا استثناء لهذه القاعدة، عندما تمكّنت تلك المسيّرة من تدمير منظومات "بانتسير أس 1" الصاروخيّة الروسيّة. فبين أيلول 2019 وتموز 2020، أي حين كانت حملة الغارات التركية في ذروتها على الأراضي الليبية، أحصى موقع "نيو أميركا" استناداً إلى ما توفّر من معلومات وصور على مواقع التواصل الاجتماعيّ والمواقع الإخباريّة تمكّنَ المسيّرات من تدمير ما لا يقلّ عن ستّ منظومات من صواريخ "بانتسير-أس.1".

من التفسيرات التي وضعها الموقع لتفسير قوّة أداء المسيّرات هو سوء تعامل مقاتلي "فاغنر" معها. كما اعترفت السلطات الروسيّة بأنّ تلك المنظومات المرسَلة إلى ليبيا لم تتمتّع بأنظمة رادار كما كانت الحال في سوريا. وذكرت تركيا أنّها استخدمت أنظمة "كورال" للتشويش في سوريا وليبيا، لكن أمكن أن يكون لأنقرة معلومات استخبارية أفضل عن مواقع وحدات "بانتسير" في ليبيا.

بالمقابل، نقلت شبكة "روسيا-1" عن مسؤولين روس قولهم إنّ "بانتسير أس" أسقطت أكثر من 40 مسيّرة "بيرقدار" و"أنكا" بين سوريا والعراق. وقال نائب رئيس القوات الصاروخية المضادة للمقاتلات يوري مورافكين إنّ هذه المسيّرات أهداف سهلة لأنظمة الدفاع الجوي. على أيّ حال، يبدو أنّ ما يحصل في أوكرانيا يشكّل أقوى وأحدث اختبار لقدرات هذه المسيّرات كما قدرات الجيش الروسيّ على التصدّي لها.

 

التعاون الأوكرانيّ-التركيّ

في 2019، فازت "بايكار ماكينا" بعقد لبيع أوكرانيا ست مسيّرات "بيرقدار" بقيمة 69 مليون دولار. في خلال عامين، باعت تركيا أكثر من عشرين مسيّرة "بيرقدار" إلى أوكرانيا وفقاً لموقع "ميدل إيست آي" علماً أنّ خبراء يشيرون إلى أنّ الرقم قد يكون أعلى. بالفعل، هذا ما ذكرته شبكة "بلومبيرغ" في كانون الأوّل الماضي، عندما تحدّثت عن "عشرات" المسيّرات المباعة كما عن تحضير شراء 24 مسيّرة أخرى. وفي الشهر نفسه، قال الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين في اتّصال هاتفيّ مع نظيره التركيّ رجب طيب إردوغان إنّ نشر مسيّرات هجوميّة في أوكرانيا عمل "استفزازيّ".

 

وفي 3 شباط، أعلن وزير الدفاع الأوكرانيّ أوليكسي رزنيكوف إنّ بلاده اتّفقت مع أنقرة على إنتاج مشترك للمسيّرة التي تحلّق على علوّ متوسّط وذات نطاق تحكّم واسع المدى. ويصل الوزن الأقصى للعبوة المتفجّرة إلى 55 كيلوغراماً. وهي مجهّزة بصواريخ مضادة للدبابات.

 
 

بإمكان "بيرقدار تي. بي.2" التحليق لمدة 24 ساعة كما أنّ أقصى ارتفاع لها يصل إلى قرابة 8 آلاف متر. ويمكن قيادتها عن بعد نحو 270 كيلومتراً لو سمحت الظروف الجوية بذلك. يدير الشركة المصنّعة للمسيّرة سلجوق بيرقدار، وهو صهر الرئيس التركيّ. وكلفة تصنيعها زهيدة نسبيّاً بالمقارنة مع مسيّرات غربيّة أخرى. فكلفة تصنيع نظام "أم. كيو.1 بريدايتور" الأميركي على سبيل المثال تصل إلى 40 مليون دولار مقابل 5 ملايين دولار لنظام "بيرقدار تي. بي.2" (مع ضرورة أخذ بعض الفوراق في الميزات التقنية بالاعتبار كنطاق التحكّم الأبعد مدى للنظام الأميركي).

 

إشادة

في حديث إلى "تايم" الأميركية، يقول مدير مكتب مجلة "أفييشن ويك" المتخصّصة في الشؤون الدفاعية الجوية توني أوسبورن إنّ انخفاض كلفة هذه المسيّرات تدفع الجيش الذي يمتلكها إلى عدم الخوف من خسارتها في المعارك. علاوة على ذلك، هي استطاعت تدمير آليات روسيّة تبلغ كلفتها 50 مليون دولار، وأضاف أنّه "في السنوات الأخيرة، سجّلت (مسيّرات) بيرقدار نجاحات شهيرة فعلاً، سأجادل بأنّها الآن أشهر مسيّرة" في هذه الفئة.

واستعرضت السفارة الأوكرانية في تركيا ما قالت إنها أرتال عسكريّة روسيّة تعرّضت للدمار بفعل تعرّضها للقصف من "بيرقدار".
 
 

وأعرب مراقبون آخرون أيضاً عن آراء إيجابيّة تجاه المسيّرة التركيّة. غرّد بول ليفين، مدير "معهد ستوكهولم الجامعي للدراسات التركية" مشيراً إلى أنّه "كان ثمة العديد من المشكّكين بقدرة ‘بيرقدار‘ التركيّة الصنع في تحدّي الآلة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا. مع ذلك، لغاية الآن، يبدو أنّها أبلت بلاء حسناً للأوكرانيّين".

 

دعوات للتمهّل... وميزة جانبيّة مهمّة

حذّر متخصّصون آخرون في مجال المسيّرات من إطلاق استنتاجات مبكرة خصوصاً لجهة قدرة تلك المسيّرات على تحديد مسار التطوّرات العسكريّة. كان هذا رأي دان غيتينغر، مدير المطبوعات في "جمعيّة الطيران العمودي" التي تعدّ أكبر وأقدم جمعيّة في العالم تعنى بتعزيز فهم تكنولوجيا الطيران العموديّ. أوضح غيتينغر لـ"النهار" أنّه "من المبكر جداً قول ما إذا كانت بيرقدار تي.بي.2 ستتمتّع بتأثير يمكن قياسه على الوضع الميدانيّ بالاستناد إلى المعلومات المتوفّرة".

وأضاف غيتينغر: "مع ذلك، واقع أنّها، إلى جانب أصول جوية أوكرانية أخرى، تبقى قابلة للتشغيل يشير إلى الانتكاسات التي اختبرتها روسيا في هذه الحرب".

وثمّة جانب آخر لهذه المسألة. لا يتعلّق تفعيل المسيّرات فقط بمحاولة السيطرة على الأجواء أو الميدان العسكري. وهذا ما أشار إليه غيتينغر: "كما في نزاعات سابقة، يبدو أنّ ‘بيرقدار تي.بي.2‘ في أوكرانيا هي أحد الأصول للسيطرة على فضاء المعلومات بمقدار ما هي لتحقيق مكاسب تكتيكية. لقد استُخدم حضور ‘بيرقدار تي.بي.2‘ في ساحة المعركة وتصوير غارات الدرون من أجل حشد الدعم للقضية الأوكرانية".

بطبيعة الحال، ستكون المسيّرات التركيّة بعيدة من أن تكون العنصر الوحيد أو حتى الرئيسيّ الذي يحدّد اتّجاه الحرب في أوكرانيا. على الرغم من ذلك، ستشكّل تلك البلاد ساحة تحدّ فعليّ لقدرات الجيش الروسيّ على إسقاط أو تحييد فاعليّة تلك المسيّرات. لا شكّ في أنّ المرحلة المقبلة ستكشف المزيد عن الطرف الأفضل في هذه المواجهة. الكثير من صفقات التسلّح ستعتمد على نتائجها.

 

اقرأ في النهار Premium