النهار

ماذا نعرف عن "القبّة الحرارية" التي تفتك بالأميركيين والكنديين؟
A+   A-

تضرب موجة حر قياسية شمال غرب الولايات المتحدة وغرب كندا حاصدة مئات القتلى ولا تزال مستمرة بعد مرور أكثر من أسبوع على انتشارها. يوم الأحد الماضي، بلغت الحرارة في بلدة ليتون الكندية 46.6 درجات مئوية. قالت الناطقة باسم منظمة الأرصاد الدولية كلير نوليس، إنّ هذا الرقم حطّم الرقم القياسيّ السابق، موضحة أنّ تحطيم الأرقام القياسية في درجات الحرارة يتمّ عادة عبر قفزات ضيّقة، لكن ما حصل أنّ الهامش بلغ هذه المرة 1.6 درجات مئوية. وفي اليوم التالي، سجّلت الحرارة في البلدة نفسها 47.9 درجات. وشبّهت نوليس الوضع بتأثير "طنجرة (قِدر) ضغط". وتُعرف ظاهرة سيطرة منطقة ضغط جوي مرتفع تترافق لأيام عدة مع حرّ شديد بـ"القبّة الحرارية".

(أ ف ب)
 

واصلت درجات الحرارة ارتفاعها في تلك البلدة حتى بلغت في 29 حزيران 49.6 درجات مئوية وهي أعلى درجة حرارة مسجلة في كندا على الإطلاق. ترافق المشهد المأسوي مع موجات جفاف كبيرة على القسم الأكبر من الساحل الغربي في أميركا الشماليّة كما مع موجات حرائق أنتجت بدورها عدداً قياسياً من الصواعق: 12 ألفاً في مقاطعة كولومبيا البريطانية خلال يوم واحد. وسعّرت الصواعق مجدداً كثافة النيران. شهد حوالي 26% من الغرب الأميركي نسبة جفاف حادّة و98% منه بعض مستويات الجفاف، كما أظهرت دراسة أنّ الجفاف الذي ضرب المنطقة بين سنتي 2000 و 2018 هو الأسوأ منذ أربعة قرون. وتؤثّر موجتا الحرّ والجفاف الحاليّتان على أكثر من 13 مليون نسمة بين الولايات المتحدة وكندا.

مع نفاد مكيّفات الهواء والمراوح من المتاجر، أطلقت هيئة البيئة المناخية في مقاطعتي كولومبيا البريطانية وألبيرتا تنبيهات حول كيفية التعامل مع الطقس. وقال كبير خبراء المناخ في الهيئة دايفد فيليبس إنّ كندا "ثاني أكثر بلدان العالم برودة، والبلد الذي يشهد تساقط أكبر كمية ثلوج" مما يجعل الكنديين غير معتادين على الحرّ الصحراويّ. وأعلن خبراء الأرصاد الجوية في صحيفة "واشنطن بوست" أنّ "القبة الحرارية" التي تسيطر على المنطقة نادرة الحدوث إحصائياً ولا يمكن توقعها إلا مرة كل عدة آلاف سنة. يحدث كلّ ذلك والعالم بالكاد دخل فصل الصيف. يصعب توقّع الطقس طوال لفصل كامل، لكنّ انتشار موجات حرّ أخرى في شمال غرب القارة الأميركيّة غير مستبعد.

(أ ف ب)
 

ليس مؤكّداً ارتباط هذا الحدث بالاحترار العالميّ، لكنّه مرجّح إلى حدّ كبير. "كعالِم، أنا متردد بشدة في نسب أي حدث منفرد إلى التغير المناخي، لكن يملك هذا (الحدث) بصمة التغير المناخي في كل نواحيه". هذا ما يقوله الأستاذ الفخري لعلوم الأرض في جامعة سايمن فرايزر جون كلايغ. قد يعتقد البعض أنّ ارتفاع حرارة الأرض يعني أنّ العالم سيشهد صيفاً أكثر احتراراً بحوالي درجتين في العقود القليلة المقبلة. لكنّ هذا الاعتقاد غير صحيح، ليس في جميع الأحوال على الأقل. تُقدّم موجة الحر الأخيرة في أميركا الشمالية أهم معطى عمّا سينتظر بقاعاً كثيرة حول الأرض. يقول كلايغ إنّ الاحترار العالمي سيتسبب بتغيّر الأنظمة التي تتحكم بالمناخ، ولهذا السبب تشهد كندا مثلاً ارتفاعاً قياسيّاً في درجات الحرارة عن معدّلاتها الطبيعية بزيادة 11 إلى 19 درجة. بالمقابل، إنّ تغيّر هذه الأنظمة سيولّد تطرفاً في الصيف والشتاء، مع احترار وبرودة قياسيّين.

سبق للولايات المتحدة وكندا أن شهدت موجات برد قارس خلال السنوات القليلة الماضية. وفي وقت ادّعى المشككون بالتغير المناخي أنّ هذه الموجات تدحض نظرية التغير المناخي، ثمة دراسات عدة ترجّح العكس. لا يزال على علماء الطقس والمناخ معرفة الكثير من خصاص هذه الأنظمة البالغة التعقيد. في الواقع، يصل هذا التعقيد إلى درجة اعتقاد الخبراء بأنّ أساس موجة الحر في شمال غرب أميركا الشمالية يكمن في منظومة أمطار طوفانية ضربت الصين بدءاً من 23 حزيران الماضي. وثمّة اعتقاد موازٍ بأنّ سلوكاً غير معتاد للتيار النفاث (حزام من الهواء المحيط بالقطب الشمالي على ارتفاع 10 كيلومترات تقريباً يتجه من الغرب إلى الشرق) يرسّخ هاتين الظاهرتين في الصين وأميركا الشمالية. بحسب عالم الطقس جيف ماسترز أدّت تلك الأمطار إلى تغذية التيار النفاث بالطاقة فأصبح أشد قوة من المعتاد مطلقاً سلسلة تفاعلات من أنماط الطقس تسببت بنشوء منطقة ضغط جوي عنيدة فوق غرب أميركا الشمالية. ويشرح ماسترز أنّ تموجات التيار النفاث سببها التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري. ويرى علماء آخرون أنّ ارتفاع حرارة مياه الهادئ بسبب تقلص الغطاء الجليدي في القطب الشمالي فاقم الأزمة.

علاوة على ذلك، يمكن لظواهر الطقس المتشابكة أن تدعم بعضها فتخلق دوامات تعزز نفسها بنفسها. على سبيل المثال، يوضح عالم المناخ في جامعة كاليفورنيا دانيال سواين أنه حين يضرب الجفاف وموجات الحر منطقة معيّنة في آن معاً، يمكن أن يؤسسا "حلقة تغذية مرتدّة" (feedback loop) تجعل الظاهرتين أكثر سوءاً. ويضيف أنّ للرطوبة في التربة قدرة على تخفيف تأثير الحرّ، كما يبرّد العرق الجسم، لكن بوجود تربة شديدة الجفاف ستزداد حرارة الغلاف الجوي.

يبدو أنّ ظاهرة "القبة الحرارية" آيلة للانتشار بصورة أكبر قرب الدائرة القطبية الشمالية، إن لم يكن داخلها. فبالتزامن مع موجة الحر الحالية في أميركا الشمالية، شهدت مناطق سيبيرية درجات حرارة قياسيّة شمال الدائرة القطبية وصلت إلى 48 درجة مئوية في بعض الأماكن. وفي 23 حزيران، سجّلت موسكو أعلى حرارة على الإطلاق في ذلك الشهر (34.8 درجات). ويرى خبراء مناخيّون أنّ منطقتي غرب أميركا الشمالية وشمال شرق آسيا هما "أسرع نقطتي احترار" في فصل الصيف.

حالياً، ينتظر الملايين من الأميركيين والكنديين انتهاء موجة الحر التي قد تستمر بوتيرة متفاوتة في الأيام القليلة المقبلة. تخطت الوفيات التي يشتبه بأنها ناجمة عن الموجة 100 شخص في الولايات المتحدة و 700 في كندا. وهذه الأرقام هي المقدّرة لغاية يوم الجمعة الماضي فقط. على أي حال، قد تمر فترة طويلة نسبياً قبل معرفة الحصيلة النهائية للخسائر البشرية والاقتصادية لـ "القبة الحرارية"، أو لنستعير توصيف كلير لونيس، لـ"طنجرة الضغط" هذه.

اقرأ في النهار Premium