النهار

مجلس الشيوخ يوجّه رسالة قاسية لبايدن بشأن إيران
الرسالة رمزية لكنها لا تخلو من الأهمية
مجلس الشيوخ يوجّه رسالة قاسية لبايدن بشأن إيران
A+   A-

من المرجّح أن يتفادى الرئيس الأميركي جو بايدن تحويل أيّ اتفاق نووي محتمل مع إيران إلى الكونغرس للمصادقة عليه كمعاهدة دولية. هو يدرك أنّه لا يملك غالبية الثلثين في مجلس الشيوخ. لكنّ المؤشرات الأخيرة تظهر أنّ الدعم الذي يحظى به أساساً للتفاوض مع إيران، حتى من داخل حزبه، ليس راسخاً. فالمعارضة داخل مجلس الشيوخ، أقلّه للطريقة التي يخوض من خلالها المفاوضات مع إيران، تتزايد مع مرور الوقت.

تعرقلت عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق النووي بفعل مطالبة الأخيرة برفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. بحسب التصريحات الأخيرة الصادرة عن الإدارة الأميركية، ثمّة رفض نظري للقبول بهذا المطلب. لكنّ صحيفة "وول ستريت جورنال" رأت أنّ واشنطن يمكن أن تكون راغبة بالتوصّل إلى تسوية تقضي برفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب مقابل الإبقاء على تصنيف أحد فروعه، "قوة القدس".

كذلك، كانت هنالك تقارير تتحدّث عن أنّ الإدارة مستعدة لشطب الحرس عن قائمة الإرهاب إذا تعهد الأخير وقف عملياته المزعزعة للاستقرار في المنطقة. في أبريل (نيسان) الماضي، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إنّ "الطريقة الوحيدة التي يمكنني من خلالها رؤية رفع (التصنيف) هي اتّخاذ إيران الخطوات الضرورية لتبرير رفع ذلك التصنيف. لذلك هي تدرك ما سيكون عليها فعله لرؤية ذلك يتحقق". لكنّ الضمانات التي ستقدمها إيران لدعم هذا التعهّد ولدعم استدامة أيّ خطوات أولية يمكن أن تتّخذها في هذا الشأن ستبقى قيد التخمين.


لم تفقد أملها
من جملة الأسباب التي تدفع إلى الاعتقاد بأنّ الإدارة الأميركية لا تواصل الاحتفاظ بأمل التوصل إلى اتفاق نووي وحسب بل هي تعمل أيضاً على تسهيل المهمة، اعتراف بلينكن أمام المشرّعين بأنّ الإدارة لن تقف في وجه تنفيذ روسيا عقداً بقيمة 10 مليارات دولار لبناء أجزاء من البنية التحتية النووية في إيران. وحاول بلينكن أن يفصل بين العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا والعقوبات المفروضة على التعامل التجاري مع إيران لانتهاكها اتفاق 2015. وهذه محاولة فصل قد لا تجد صدى إيجابياً بين مشرّعين اتّفقوا على إدانة غزو روسيا لأوكرانيا، وقد يتّفقون على وجوب عدم تقديم المزيد من التنازلات مع إيران لإقناعها بالعودة إلى الاتفاق.

تقف الإدارة عند منعطف حساس من المفاوضات غير المباشرة مع الإيرانيين. إمّا تقبل الولايات المتحدة بطلب إيران من أجل إنقاذ الاتفاق النووي وإمّا ترفض شطب الحرس عن لائحة الإرهاب الأمر الذي يجعل الاتفاق النووي بحكم الميت. أبرز نتيجة لذلك هي انهيار ما تبقّى من فترة متضائلة تفصل إيران عن تحقيق "الخرق النووي"، أي تجميع ما يكفي من اليورانيوم المخصّب لصنع قنبلة نووية.


إنذار
في وقت تحاول الإدارة اتخاذ القرار المناسب، وجّه مجلس الشيوخ أمس إنذاراً للإدارة بشأن ضرورة التشدد في المفاوضات لو تمّ استئنافها في أيّ وقت قريب. مساء الأربعاء، صوّتت غالبية في المجلس على اقتراح غير ملزم يعارض العودة إلى اتفاق مع إيران يهدف فقط إلى التصدّي لبرنامجها النووي. جاء التصويت بناء على اقتراح قدمه السيناتور الجمهوري جيمس لانكفورد كجزء من دراسة المجلس قانوناً يسعى إلى تعزيز القدرات التنافسية لمواجهة الصين.

يوجّه الاقتراح أعضاء مجلس الشيوخ في مفاوضاتهم مع النواب إلى "الإصرار" على ضرورة أن يتضمن أيّ اتفاق جديد بنوداً "تتصدّى لكامل نطاق نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار" بما فيها الصواريخ والإرهاب والالتفاف حول العقوبات وعدم رفع أيّ عقوبة عن الحرس الثوري وعدم شطبه عن لائحة الإرهاب. وصوّت 26 سيناتوراً لصالح المقترح مقابل اعتراض 33. ومن بين الموافقين عليه 16 سيناتوراً ديموقراطياً. وفي وقت سابق من اليوم نفسه، صوّت 86 سيناتوراً لصالح اقتراح تقدّم به السيناتور الجمهوري تيد كروز ينصّ على أنّ بقاء العقوبات المتّصلة بالإرهاب على البنك المركزي الإيراني "ضرورية" للحدّ من التعاون بين الصين وإيران.


ليس استراتيجيّة ناجحة
يحتاج تحويل أيّ اتّفاق تتوصّل إليه الإدارة إلى معاهدة لموافقة 67 سيناتوراً. اليوم، يبدو هذا الاحتمال أبعد من أيّ وقت مضى. وهذا يعني أنّه في حال إصرار الإدارة على إعادة إحياء الاتفاق القديم، سيتحتّم عليها اللجوء إلى المسار الذي سلكته إدارة أوباما سنة 2015 عبر تفادي تحويل الاتفاق إلى معاهدة. قد لا يجد فريق بايدن أيّ حرج في ذلك طالما أنّ هنالك سابقة سياسية بشأن الموضوع.

لكنّ تجاهل مخاوف جزء متزايد من الديموقراطيين بشأن التساهل الذي تبديه الإدارة مع إيران، ومن بينها غضّ الطرف عن بيع إيران مليون برميل نفط يوميّاً لصالح الصين كما ذكر السيناتور كروز، لن يكون استراتيجيّة رابحة في سنة انتخابية. كذلك الأمر بالنسبة إلى رفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب حيث ذكرت وزارة الدفاع في 2019 أنّه مسؤول عن مقتل ما لا يقلّ عن 600 من أفراد الخدمة الأميركية.

وسيبدأ المشرّعون في الكونغرس مفاوضات رسمية قد تستغرق أشهراً لصياغة مشروع قانون يمكن أن يقرّه كلا المجلسين لتعزيز القوة التنافسية للولايات المتحدة مع الصين بما يشمل السياسة الأميركية تجاه إيران. ومن بين ما يثير تخوّف مشرّعين أميركيين إمكانية استفادة بكين وطهران من اتفاق الشراكة الاستراتيجية الذي تبلغ قيمته 400 مليار دولار. وقّعت الدولتان على هذه الاتفاقية في مارس (آذار) 2021 وتمتدّ على مدى ربع قرن.

تبقى معرفة ما إذا كانت الإدارة ستنظر إلى التصويت على هذين المقترحين كمجرّد عملية رمزية أو كرسالة استياء متزايد بين المشرّعين، بمن فيهم الديموقراطيون. لا تزال الأبواب مشرّعة على الاحتمالات كافّة.

اقرأ في النهار Premium