تنطلق اليوم جلسات مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرّية وتستمرّ لأيام عدّة. ومجلس المحافظين هو أحد هيئتي صناعة القرار في الوكالة الأمميّة إلى جانب المؤتمر العام السنويّ للأعضاء.
يدرس المجلس ويصدر توصيات للمؤتمر العام بشنّ الموازنة والبرنامج والبيانات الماليّة للوكالة. كما يدرس طلبات العضويّة ويوافق على اتّفاقات الضمانات، ويعيّن المدير العام للوكالة بموافقة المؤتمر العام.
وتنعقد اجتماعات المجلس خمس مرّات سنويّاً في مارس (آذار) ويونيو (حزيران) ومرّتين في سبتمبر (أيلول) قبل وبعد انعقاد المؤتمر العام وفي نوفمبر (تشرين الثاني).
ومن بين ما سيتناوله المجلس الرقابة والتحقّق من التزام إيران بقرار مجلس الأمن 2231، وتطبيق سوريا وإيران اتفاق الضمانات في معاهدة الحدّ من الانتشار، وتأثيرات الوضع في أوكرانيا على الأمن النووي ونقل المواد النووية في إطار تحالف "أوكوس".
في تقرير أصدرته الاثنين الماضي، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنّه لا يزال لديها أسئلة "لم توضّح"، على الرغم من الجهود الطويلة المدى لدفع إيران إلى تفسير وجود مواد نووية من صنع الإنسان في ثلاث منشآت غير معلن عنها. وكانت الوكالة الأممية قد وافقت في مارس على مقاربة جديدة لحلّ قضية هذه المواد التي تمّ العثور عليها في مدينة ماريفان (غرب) وفارامين وتوركوز آباد (محفظة طهران).
ووفقاً لموجباتها القانونية بالحدّ من الانتشار، تلتزم إيران بشرح النشاطات التي أدّت إلى استخدام أو إنتاج هذه المواد النووية.
إيران تردّ
كانت إيران واحدة من الدول الاثنتين والستين الأساسيّة التي وقّعت على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية سنة 1968، والتي دخلت حيّز التنفيذ سنة 1970. بعد أربعة أعوام، وقّعت إيران على اتفاقية الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.
تسمح هذه الاتفاقية بإجراء تحقيقات للتأكّد من أنّه لا يتمّ تحويل التخصيب النووي لغايات سلمية من أجل تصنيع أسلحة نووية أو أجهزة تفجير نووية أخرى.
أعدّت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتّحدة مسوّدة قرار "تدعو إيران إلى التعاون في منشآت غير معلن عنها"، على ما نقلته وكالة "فرانس برس" عن مصدر ديبلوماسيّ أوروبيّ.
أثارت هذه الأنباء حفيظة الإيرانيين. قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده "إننا سنردّ بشدّة وبشكل مناسب على أيّ خطوة غير بنّاءة لمجلس المحافظين". وأضاف: "بإمكانهم السعي إلى الديبلوماسية أو السعي إلى العكس. نحن مستعدون لكليهما".
واستضافت إيران مسؤولين من الوكالة مرّة في أبريل (نيسان) ومرّتين في مايو (أيار) حيث قالت الوكالة إنّ الفيديوهات والتفسيرات التي قدّمتها طهران غير موثوقة من الناحية الفنية.
تفادي التصعيد
امتنعت القوى الغربية عن تقديم مسوّدة قرار بشأن المواد النووية في الاجتماعات الدورية السابقة للمجلس خوفاً من تأثير ذلك على المحادثات النووية التي استضافتها النمسا لإعادة إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة" المعروفة اختصاراً باسم الاتفاق النووي.
لكنّ تلك المحادثات توقفت منذ مارس الماضي بفعل طلب إيران رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو طلب رفضته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. ويبدو أنّ الإدارة لا تزال مصرّة على موقفها، حيث لفتت تقارير الشهر الماضي إلى أنّ الرئيس الأميركي حسم قراره بشكل نهائي.
على أيّ حال، من غير المتوقّع أن يمضي الاتفاق النووي قدماً من دون تقديم إيران أجوبة مقنعة عن جزيئات اليورانيوم التي تمّ العثور عليها. وقال المدير العام للوكالة رافاييل غروسي إنّه لو أخفقت إيران في "توضيح قضايا الضمانات المهمّة جدّاً، فإنّه سيكون صعباً تخيّل تحقيق تقدّم في تنفيذ الاتفاق".
ومشروع القرار "يدعو إيران إلى العمل بشكل ملحّ للوفاء بالتزاماتها القانونية والقبول فوراً بعرض مدير عام (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) المزيد من المشاركة من أجل توضيح وحلّ جميع قضايا الضمانات المعلّقة"، وفقاً لـ"رويترز".
تعديلات محتملة
يتألف مجلس المحافظين من خمسة وثلاثين عضواً. ويحتاج قرار الإدانة أو اللوم إلى موافقة الثلثين.
لو صدر قرار كهذا فسيكون الثاني من نوعه منذ التوقيع على الاتفاق النووي في يوليو (تموز) 2015. ووجّه مجلس المحافظين اللوم لإيران في يونيو 2020 ممّا دفع إيران إلى تقديم تنازلات للمفتشين الأمميّين.
لكنّ ثمّة العديد من النقاط غير الواضح بشأن مشروع القرار. بداية، قد يخضع الأخير للتعديلات وفقاً لوكالة "رويترز". ربّما تفسح الإدارة الأميركيّة المجال أمام تخفيف لهجة المشروع لأنّها لا تزال مؤمنة بإمكانيّة إحياء الاتفاق النووي.
من ناحية أخرى، ليست قدرة الولايات المتّحدة على جمع ما يكفي من الأصوات الشاجبة مضمونة، وإن كانت قريبة من ذلك. قد تكون واشنطن بحاجة إلى قرابة ثلاثة أصوات غير مضمونة وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال".
موقف غروسي
زار غروسي يوم الجمعة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الذي شدّد على "الحاجة الملحّة" لمواجهة إيران "بجميع الوسائل" لمنعها من الحصول على الأسلحة النووية، داعياً مجلس المحافظين لتوجيه "رسالة واضحة ولا لبس فيها" إلى طهران. وذكر في بيان أنّ حكومته تفضّل الديبلوماسية لمنع إيران تطوير أسلحة نووية، لكنّها "تحتفظ بحقّ الدفاع عن النفس والتحرّك ضدّ إيران لعرقلة برنامجها النووي" لو فشل المجتمع الدوليّ في ذلك.
من المتوقّع أن تستمرّ جلسات اجتماع مجلس المحافظين حتّى العاشر من الشهر الحاليّ. ليس واضحاً ما إذا كان بالإمكان التوصّل إلى تسوية حول الموضوع. لكن سبق لغروسّي أن حذّر في مارس (آذار) الماضي من حجب أيّ اتّفاق سياسيّ للقضايا التقنيّة العالقة: "إنّ مسائل الضمانات لن تُحلّ سياسيّاً لأنّني لن أسير بذلك".