رأى الإعلامي والكاتب السياسي في صحيفة "واشنطن بوست" فريد زكريا أن الجانب الأكثر غرابة في الأزمة حول تايوان اليوم هو أنها كانت متوقعة. مثّلت تايوان أكثر قضية حساسة بين بيجينغ وواشنطن مما أوجب إدارتها بشكل حذر على مدى خمسة عقود.
يعتقد زكريا أن الطرفين أخطآ وإن لم يكن بشكل متكافئ. على الجانب الأميركي، برزت أخطاء عدة من بينها ما هو تكتيكي ومدفوع بغايات سياسية داخلية وقد أدت إلى واقع خطير: ما من علاقة جدية فاعلة بين أقوى لاعبين في القرن الواحد والعشرين.
تبنت إدارة الرئيس جو بايدن في بداية ولايتها سياسة من الانتقاد والعدوانية المفتوحة تجاه بيجينغ. خلال أول لقاء مباشر بين كبار القادة في الولايات المتحدة والصين في آذار 2021، قرر وزير الخارجية أنتوني بلينكن توجيه موعظة مطولة وقاسية فردّ عليها نظيره الصيني بقوة. يمكن ملاحظة أن كلمات بلينكن كانت موجهة إلى جمهور داخلي عبر إلقائها في العلن وأمام عدسات التصوير، وهو ما سيعزز موقف بيجينغ. وقال مسؤولون عن الملف الصيني في إدارة أوباما إنّ بايدن تابع سياسة سلفه ترامب تجاه بيجينغ.
لكن في حين كان نهج بايدن مشوباً بالعيوب التكتيكية ويمكن إصلاحه، تبقى أخطاء بكين أكثر خطورة واستراتيجية وفقاً للكاتب. خلال العقد الماضي، غيّرت الصين سياستها التايوانية مع عواقب كارثية محتملة.
رسم الزعيم الصيني الأسبق دنغ شياو بينغ حلاً مبتكراً لمشكلة تايوان حين عرض على الجزيرة في 1979 حلاً بات يعرف بـ"دولة واحدة ذات نظامين". بإمكان الجزيرة أن تصبح رسمياً جزءاً من الصين في نهاية المطاف، وفقاً لمقترح دنغ، لكن يمكنها الحفاظ على نظامها السياسي وقوانينها الإدارية وحتى قواتها المسلحة.
رفضت تايون العرض لكن دنغ حث على اعتماد الصبر الاستراتيجي. ثم قرر إقامة الدليل على حيوية سياسته عبر تطبيقها على هونغ كونغ. خلال سنوات عدة، راقبت بيجينغ مبادرة "دول واحدة بنظامين" في هونغ كونغ وترقبت احتمال تطبيق أمر مماثل في تايوان. ازداد السفر والتجارة بين الصين وتايوان بشكل درامي.
بنى دنغ استراتيجيته على أساس أنه طالما بقيت الصين منفتحة ودينامية واستيعابية، بقي الوقت إلى جانبها. ستدرك تايوان أن هنالك العديد من المنافع والقليل من الأكلاف في اندماجها رسمياً بالبر الأساسي. لكن في السنوات القليلة الماضية، عملت سياسات الرئيس شي جينبينغ على جعل الصين أكثر انغلاقاً وأقل دينامية واستيعاباً. في هونغ كونغ، كانت تلك السياسة الأشد وضوحاً حيث تراجعت بيجينغ عن كل ضمانة مهمة بشأن حرية المدينة-الدولة واستقلالها الذاتي.
ورأى الكاتب أن نتيجة سياسة الصين في السنوات الأخيرة واضحة في تايوان. خلال التسعينات، قلة من التايوانيين ناصرت الاستقلال واعتقد كثر بأن إعادة التوحيد مع الصين حتمية. اليوم، وفقاً لجامعة شينغشي الوطنية في تايوان، أصبح دعم الاستقلال ضعفي ما كان عليه سنة 1997 تقريباً.
وخلص زكريا إلى أن سياسات شي هي التي تجعل الشعب التايواني يرفض أي احتمال للتعاون مع البر الرئيسي ناهيكم عن إعادة الانضمام إليه في نهاية المطاف.