ارتفعت حصيلة قتلى الزلزال في تركيا وسوريا إلى أكثر من 12 ألف قتيل، اليوم الأربعاء، حسبما أظهرت أرقام رسميّة، فيما لا يزال عناصر الإنقاذ يحاولون العثور على ناجين عالقين تحت الأنقاض.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ "عدد قتلى الزّلزال في بلاده ارتفع إلى 9057 قتيلاً وأقرّ بوجود بعض المشاكل والثّغرات في الاستجابة المبدئيّة للكارثة" لكنّه ذكر أن العمليّات عادت إلى طبيعتها.
وأضاف في تصريحات من إقليم كهرمان مرعش بالقرب من مركز الزلزال أنّه كانت هناك بعض المشاكل في الطرق والمطارات لكنّ كل شيء سيصبح أفضل يوماً بعد يوم.
في الجانب السوري، ناشدت المنظمات الإنسانيّة وعلى رأسها الخوذ البيضاء، المجتمع الدولي إرسال فرق إنقاذ لدعمها في البحث عن عالقين تحت أنقاض مئات المباني المدمّرة في شمال سوريا، وطالبت بأن يتحمّل مسؤولياته تجاه الضحايا.
ودعت الأمم المتحدة الحكومة السورية إلى "وضع السياسة جانباً" وتسهيل إيصال المساعدات الى المناطق المنكوبة بفعل الزلزال في شمال غرب سوريا، وفق ما أفاد مسؤول أممي بارز في دمشق وكالة فرانس برس، معتبراً أنّه "لا يمكننا تحمّل الانتظار والتفاوض. في الوقت الذي نتفاوض فيه، يكون قُضي الأمر".
وأعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيستضيف مؤتمراً للمانحين في آذار بعد الزلزال في تركيا وسوريا.
وسبق أن أعلنت وزارة الزراعة التركية أن طائرة هليكوبتر وطائرة أخرى تكافحان حريقاً اندلع مجدداً في ميناء إسكندرون جنوب البلاد بعد إخماده أمس الثلثاء.
وعُلّقت العمليات في الميناء بعد اندلاع حريق بسبب الزلازل والهزّات الارتداديّة المدمّرة التي هزّت المنطقة يوم الاثنين كما جرى تحويل سفن الشحن إلى موانئ أخرى.
وأعلنت وزارة الدفاع إخماد الحريق مساء أمس.
وقع الزلزال الأول الذي بلغت قوّته 7,8 درجات الاثنين عند الساعة 4,17 وشعر به سكان لبنان وقبرص وشمال العراق.
وأعقبت ذلك 185 هزة ارتدادية على الأقلّ بلغت شدّة إحداها 7,5 درجات ظهر الاثنين وأخرى بقوة 5,5 درجات فجر الثلثاء.
وتسببت الهزات الارتدادية بمزيد من الخوف والمعاناة في منطقة حدودية تشهد نزاعاً مع إحراق الناس في الشوارع لقطع الحطام سعياً للتدفئة مع بدء وصول المساعدات الدولية.
لكن تروى أيضاً بعض قصص النجاة غير العادية، بما في ذلك ولادة طفلة تحت الأنقاض في سوريا.
ويعرقل سوء الأحوال الجوية مهمّة فرق الإنقاذ ويزيد من معاناة الناجين الذين يعانون البرد تحت الخيام التي نُصبت وحول مواقد النيران التي أقيمت في المناطق المنكوبة. ويصعب الوصول إلى منطقة كهرمان مرعش المنكوبة في جنوب شرق تركيا بسبب الثلوج.
وفي سوريا، أمضى مئات السوريين الخائفين من حدوث هزات أخرى، الليل في الشوارع والحدائق.
ورجّحت منظمة الخوذ البيضاء (الدفاع المدني العامل في مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة دمشق) أن ترتفع حصيلة القتلى لوجود "مئات العوائل تحت الأنقاض".
أُحصي ربع عدد ضحايا الزلزال في سوريا بمحافظة حلب الخاضعة لسيطرة دمشق، وفق ما أفادت وسائل إعلام حكومية. وتضرّرت المدينة تضرراً كبيراً، علماً بأنها إحدى المناطق المدمّرة أصلًا من جراء النزاع، مع تسجيل انهيار نحو خمسين مبنى وتضرّر مواقع تاريخية بما في ذلك قلعة حلب.
في صوران (شمال)، يجثو محمود بريمو أمام كومة أنقاض، هو كلّ ما بقي من منزله. ويقول الرجل واضعاً كوفية على رأسه "خسرنا كل شي في صوران... 10 سنوات (من الحرب) لم تؤثر علينا، لكن هذه الدقيقة ونصف الدقيقة أثرت علينا كثيراً. دُمّرنا بالكامل".
- "أين أمّي؟" -
ينهمك عمال الإغاثة والسكان في جانبَي الحدود في العمل لمحاولة إنقاذ الناجين. في بلدة جنديرس في شمال سوريا، انُتشلَت رضيعة وُلدت بأعجوبة تحت الركام، وبقيت متصلة عبر حبل السرة بوالدتها التي قُتلت بعدما دمّر الزلزال منزل العائلة.
في هاتاي في جنوب تركيا عند الحدود مع سوريا، أُنقذت طفلة تبلغ سبع سنوات بعد أكثر من 20 ساعة على الزلزال على ما أفاد مراسل لوكالة "فرانس برس" كان حاضراً في المكان. وقالت لمسعف كان يحملها، "أين أمّي؟".
وعُثر على اللاعب الدولي الغاني السابق كريستيان أتسو البالغ 31 عاماً والذي انتقل أخيراً من الرائد السعودي إلى هاتاي سبور التركي، على قيد الحياة وسط الأنقاض في هاتاي، حسبما قالت سفيرة غانا لدى تركيا.
تتوافد طلائع فرق المسعفين الثلثاء. وأكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي أعلن حال الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في المحافظات العشر المتأثرة بالزلزال، أن 45 دولة عرضت المساعدة.
من جانبه، أعلن الاتحاد الأوروبي أن 19 دولة عضواً بينها فرنسا وألمانيا واليونان، أرسلت إلى تركيا 1185 مسعفاً و79 كلباً للمساعدة في عمليات البحث. أما في سوريا، فالاتحاد يتواصل مع شركائه في المجال الإنساني ويموّل عمليات الإغاثة.
ووعد الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره التركي "بكل المساعدة اللازمة مهما كانت". ويصل فريقان أميركيان صباح الأربعاء يضم كل منهما 79 مسعفاً إلى تركيا.
وأعلنت الولايات المتحدة الثلثاء أنها تعمل مع شركاء لها في سوريا لتقديم المساعدة للمنكوبين، رغم أنها لا تعترف بالحكومة السورية في دمشق. وقال ستيفن ألين الذي يقود الاستجابة الميدانية في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو أس أيد)، إن الوكالة تعيد توجيه المساعدة التي كانت تُقدّم أصلًا لدعم السوريين المتضررين من الحرب.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين للصحافيين "في سوريا نفسها لدينا شركاء إنسانيون تموّلهم الولايات المتحدة ويقدّمون مساعدات لإنقاذ حياة" المتضررين.
وأضاف "نحن مصمّمون على تقديم هذه المساعدة من أجل مساعدة الشعب السوري على تجاوز هذه المحنة"، مشدداً على أن "هذه الأموال ستذهب بالطبع إلى الشعب السوري لا إلى النظام" في دمشق.
بدورها، أعلنت الصين الثلثاء إرسال مساعدات بقيمة 5,9 ملايين دولار وعمال إغاثة متخصّصين في المناطق الحضرية وفرق طبّية ومعدات طوارئ.
كذلك أعلنت دول المغرب العربي وقطر والإمارات العربية المتحدة والعراق والأردن وإيران خصوصاً إرسال فرق إغاثة ومساعدات.
وأعلنت المملكة العربية السعودية، "تسيير جسر جوي وتقديم مساعدات صحية وإيوائية وغذائية ولوجستية لتخفيف آثار الزلزال على الشعبين السوري والتركي".
واستجابت لنداء سلطات دمشق حليفتها روسيا التي وعدت بإرسال فرق إغاثة "في الساعات المقبلة" في وقت أكد فيه الجيش أن أكثر من 300 عسكري روسي انتشروا في المنطقة التي يضربها الزلزال للمساعدة في عمليات الإنقاذ.
وتحركت الأمم المتحدة أيضاً لكنها شدّدت على أن المساعدة التي ستقدَّم يجب أن تذهب "إلى كل السوريين على كامل الأراضي" السورية الخارج بعضها عن سيطرة الحكومة.
- "من لا يخاف؟" -
أعلنت الأمم المتحدة الثلثاء أن نقل المساعدات من تركيا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في سوريا من خلال نقطة العبور الوحيدة المسموحة تأثرت من جراء الزلزال. وصرح المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ينس لاركي في مؤتمر صحافي في جنيف إن "العملية عبر الحدود نفسها تأثرت".
وفي نيويورك، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إن معبر باب الهوى نفسه لم يتضرّر. وصرح ستيفان دوجاريك للصحافيين "نواصل استخدام معبر باب الهوى لأن منصة إعادة الشحن في الواقع سليمة".
ودعا الهلال الأحمر السوري الذي يعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى رفع العقوبات المفروضة على دمشق وطلب مساعدة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وكان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قد أعرب عن استعداد حكومة بلاده "لتقديم كل التسهيلات المطلوبة للمنظمات الأممية في سبيل تقديم المساعدات الإنسانية".
ووسط الفوضى الناجمة عن الزلزال فرّ نحو عشرين مقاتلاً من تنظيم "الدولة الإسلامية" من سجن راجو العسكري الذي تشرف عليه فصائل معارضة مؤيّدة لتركيا.
في شانلي أورفا التركية، حوّلت السلطات قاعات رياضة ومدارس ومساجد إلى مراكز لإيواء الناجين. لكن، خشية من وقوع هزات جديدة فضّل الكثير من السكان تمضية الليل في العراء.
وقال مصطفى كويونجو البالغ 55 عاماً وقد جلس في سيارة العائلة مع زوجته وأطفالهما الخمسة "من لا يخاف؟ الجميع خائفون!".
وأعلنت وزارة الخارجية في حكومة "طالبان" بأفغانستان أن الحكومة سترسل مساعدات بقيمة 165 ألف دولار تقريباً إلى تركيا وسوريا للمساعدة في التعامل مع تبعات الزلزال.
هذا أسوأ زلزال يضرب المنطقة منذ ذلك الذي حصل في 17 آب 1999 وبلغت قوته 7,4 درجات وتسبّب بمقتل 17 ألف شخص في تركيا بينهم ألف في اسطنبول.
ووقع آخر زلزال بلغت قوته 7,8 درجات على مقياس ريختر في عام 1939 وتسبب بمقتل 33 ألف شخص في مقاطعة إرزينجان الشرقية.