النهار

إلى أي مدى ستفتقد أوكرانيا جونسون؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
استقالة جونسون ستترك فراغاً في كييف. ما طبيعته؟
إلى أي مدى ستفتقد أوكرانيا جونسون؟
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي في كييف، نيسان 2022 - "أ ف ب"
A+   A-

ولّدت استقالة بوريس جونسون من رئاسة حزب المحافظين مشاعر متناقضة في كل من روسيا وأوكرانيا. في الأولى ساد الارتياح وأحياناً السخرية، وفي الثانية خيبة الأمل. قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنّ جونسون "لا يحبّنا"، و"لا نحن نحبّه". أمّا الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا فقالت إنّ "العبرة من القصة" هي وجوب "عدم سعي (الدول) إلى تدمير روسيا". الانتقاد الأقسى جاء على لسان رئيس مجلس الدوما فياشيسلاف فودولين الذي أشار إلى أنّ "المهرّج" يغادر منصبه.

من جهته، أشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالجهد الذي بذله جونسون للدفاع عن أوكرانيا قائلاً إنّ المملكة المتحدة تقف على "الجانب الصحيح من التاريخ". كما وصف جونسون بأنه "صديق حقيقي" لبلاده. وغرّد مستشاره ميخائيلو بودولياك كاتباً أنّ جونسون كان دوماً "في طليعة" مقدّمي الدعم إلى أوكرانيا. بالفعل، تؤكّد الأرقام ذلك. فقد بلغ حجم المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا نحو 4.6 مليار دولار وهو الثاني بعد المساعدات الأميركية.

 

قلق كبير

لم يبخل جونسون بالإشادة بالرئيس الأوكراني واصفاً إياه بـ"البطل". وكان جونسون من القادة الغربيين الأوائل الذين زاروا كييف خلال الحرب. وهو بحسب أحد استطلاعات الرأي الزعيم الأجنبي الأكثر شعبية في أوكرانيا (90%) حيث يتأخر فقط بثلاث نقاط عن شعبية زيلينسكي. لا عجب من أن تشكل مغادرته "داونينغ ستريت" إذاً فراغاً كبيراً في كييف. السؤال إذا كان هذا الفراغ أقرب إلى العاطفيّ منه إلى السياسيّ.

قالت ناطقة باسم رئاسة الوزراء البريطانية إنّ جونسون تحدث إلى زيلينسكي بعد تقديم استقالته للتشديد على الدعم العابر للأحزاب الذي تحظى به كييف في بريطانيا وأنّ المساعدات ستستمرّ "طالما دعت الحاجة إلى ذلك".

حين يكون حجم المساعدات التي قدّمتها بريطانيا في عهد جونسون كبيراً (ونوعياً) إلى هذا الحدّ، من الطبيعي أن تنتشر مشاعر القلق بعد تنحّيه. قالت نائبة رئيس حزب "هولوس" الأوكراني إينا سوفسان إن الشعب الأوكراني "قلق جداً" من استقالة جونسون ومن عدم مواصلة لندن الدعم نفسه في المرحلة المقبلة.

 

أسباب القلق

مع انسداد الأفق العنيف الذي يسيطر على الحرب، يمكن أن تميل الدفّة على المدى البعيد لصالح روسيا. لا يعني ذلك بالضرورة أنّ موسكو ستخرج منتصرة، وعلى أيّ حال، إنّ تعريف الانتصار في هذه الحرب دونه صعوبات كبيرة. لكنّ سيطرة روسيا على منطقة لوغانسك مع ترجيح توجيه حربها لاستكمال السيطرة على إقليم دونيتسك يعطيان موسكو وضعاً عسكرياً أكثر مواتاة لها، خصوصاً مع بطء نقل الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا.

وكلّما طالت الحرب ازدادت احتمالات التصدّع في الجبهة الأطلسيّة حيث تخشى كييف من أن تسود وجهة نظر الدول الغربية التي تطالب بإيجاد تسوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب الخوف من انعكاس الصراع على المستوى المعيشي للمواطنين. علاوة على ذلك، لا يمكن توصيف الإدارة الأميركية نفسها بأنّها متشدّدة تجاه روسيا. على الرغم من أنّ الرئيس الأميركيّ جو بايدن "أطلسيّ" التوجّه والمسيرة، تعتمد إدارته موقفاً وسطاً بين "معسكر السلام" الذي يريد تسوية مع روسيا في اقرب وقت ممكن ومهما كانت بنودها، و"معسكر العدالة" الذي يرفض السلام مع روسيا قبل تحقيق العدالة لأوكرانيا ومعاقبة موسكو على حربها. خسارة أوكرانيا المحتملة لبريطانيا كأحد أعضاء "معسكر العدالة" (أقله على المستوى السياسيّ) من أبرز أسباب القلق في كييف. لغاية اليوم، تبدو الصورة في لندن ضبابيّة لكن ليس إلى حدّ انفتاء أيّ قدرة على قراءة المؤشّرات. وجلّها إيجابيّ للأوكرانيّين.

 

عن نقاط الارتياح

في حديث إلى صحيفة "كييف إندبندنت"، يقول مدير السياسة الخارجية في "مركز الإصلاح الأوروبي" إيان بوند إنّه على المستوى السياسيّ "لا أعتقد أنّ هذه (الاستقالة) ستشكّل فرقاً دراماتيكياً لسياسة المملكة المتحدة تجاه أوكرانيا. لا أرى أياً من المرشحين المتقدمين على أنه يمكن النظر إليه من زاوية تمتعه بوجهات نظر إشكالية حيال روسيا". وأبدى السفير البريطاني السابق إلى أوكرانيا روبرت برينكلي ثقته بأنّ المملكة المتحدة ستواصل دعم أوكرانيا بقوة، بصرف النظر عمّن يقود الحكومة البريطانية.

لكنّ آخرين كانوا أكثر حذراً في تحليل الوضع. نقلت الصحيفة نفسها عن الخبير في مؤسسة الرأي الأوكرانية "بريسم" أولكسندر كراييف قوله إنّ رحيل جونسون قد يفرمل عدد المبادرات المرتبطة بأوكرانيا التي واصل جونسون اقتراحها. لكنّ المبادرات التي هي قيد التداول اليوم والتي تضمّ المساعدات العسكرية ستستمرّ بحسب رأيه.

من النقاط التي قد تريح كييف أيضاً أنّ الرأي العام البريطانيّ يساند أوكرانيا في الحرب كما يؤيّد سياسات لندن في هذا الصدد. قبل أيام من الغزو، أجرى مركز "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة" مسحاً عن نظرة البريطانيين إلى أوكرانيا فقال 47% منهم أنْ لا رأي محدّداً لديهم من تلك البلاد. بينما قال 26% إنّهم ينظرون بإيجابية إليها مقابل 19% احتفظوا بنظرة سلبية. بعد شهرين على الحرب، انخفضت نسبة من ينظرون بسلبية إلى أوكرانيا إلى 8% وارتفعت نسبة من ينظرون بإيجابية تجاهها إلى 59%. اللافت في ذلك الاستطلاع أنّ 60% من البريطانيين نظروا بسلبية إلى روسيا قبل أيام على بدء الحرب. وارتفعت هذه النسبة إلى 74% بعد شهرين على انطلاق الغزو.

 

ما لا يمكن استبداله

يؤكد ناشر قسم الشؤون الأوكرانية في "المجلس الأطلسي" بيتر ديكينسون أنّ استطلاعات الرأي تشير بشكل متكرر إلى دعم هائل للرأي العام البريطاني لسياسات حكومته الحالية حيال أوكرانيا وإلى أنّ الدعم شامل لجميع الأحزاب باعتبار هذه السياسة متجانسة مع القيم والمصالح البريطانية.

ويميل ديكينسون لفكرة دخول المرشّحين المحتملين لخلافة جونسون حفلة مزايدات في جاهزيتهم لمواجهة الكرملين. بذلك، ليس للأوكرانيين ما يخشونه من استقالة جونسون، باستثناء أنّهم سيفتقدون لدعمه الكاريزماتيّ لأوكرانيا على المسرح الدوليّ، وهو أمر سيكون من شبه المستحيل استبداله.

لهذا السبب، من المرجّح أن يكون الفراغ الذي سيتركه جونسون بعد استقالته في كييف أقرب إلى العاطفيّ منه إلى السياسيّ على قاعدة وجود نواة شعبية صلبة في بريطانيا تؤيّد أوكرانيا. لكن تبقى معرفة مدى تأثير انعكاسات الحرب على الأوضاع الاقتصادية في بريطانيا، بما يعنيه ذلك من إمكانية ظهور تململ بريطانيّ من مواصلة دعم أوكرانيا على المدى الطويل. وهو عامل يصعب استشرافه من اليوم.

 

اقرأ في النهار Premium