النهار

هل يُحرِج بوتين الصين في أوكرانيا؟
للصين مصلحة مشتركة مع روسيا... لكن كذلك مع الغرب
هل يُحرِج بوتين الصين في أوكرانيا؟
A+   A-

تبدو قمّة الرئيسين الصينيّ شي جينبينغ والروسيّ فلاديمير بوتين هادفة إلى تنسيق الجهود لمواجهة هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالميّ. من الناحية النظريّة، للرئيسين مصلحة مشتركة في خوض هذه المواجهة معاً. لعلّ أوكرانيا تمثّل الساحة الأولى لبوتين وشي كي يحاولا عبرها توجيه ضربة استراتيجيّة للأميركيّين هناك. ويمكن أن تشكّل تلك الساحة "بروفة" لما يمكن أن يحصل لاحقاً في تايوان. انطلاقاً من هذا الأساس، ستستفيد بيجينغ وموسكو معاً، إذا تبادلتا الدعم في هاتين المنطقتين.

 

البيان المشترك الصادر عن الرئيسين بعد قمّتهما يوم الجمعة الماضي في بيجينغ يظهر في الشكل على الأقلّ وجود نيّة لتبادل الخدمات. عارضت الصين وروسيا "أيّ توسيع للحلف الأطلسيّ مستقبلاً" وطالبتاه بـ"التخلي عن نهجه المؤدلج الذي يعود إلى الحرب الباردة". وشدّد الرئيسان على أنّ دولتيهما "تنويان مواجهة تدخّل القوى الأجنبيّة في الشؤون الداخليّة لدول سيّدة تحت أيّ ذريعة". إنّ رفض توسيع الناتو يشمل ضمناً رفض موسكو وبيجينغ انضمام أوكرانيا إلى الحلف. لكنْ ثمّة تفصيل لا تنقصه أيّ أهمّيّة. لم يتضمّن البيان ذكر أوكرانيا بالاسم. المفارقة هنا أنّه تمّ ذكر اتّفاق "أوكوس" بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ولندن بالاسم. يعني ذلك أنّ الصين وروسيا قد تملكان مصلحة مشتركة في الإندو-باسيفيك أكثر ممّا تفعلان في أوروبا الشرقيّة. لم يكن ذلك مثار استغراب.

 

مبدأ صينيّ في السياسة الخارجيّة

قبل يوم واحد على توجّه سكّان القرم إلى الإدلاء بأصواتهم في قضيّة الاستفتاء حول مصير شبه جزيرتهم سنة 2014، انعقد مجلس الأمن لإعلان عدم شرعيّة نتائج الاستفتاء. صوّتت الدول الغربيّة لصالح عدم الاعتراف بالنتيجة لكنّ موسكو استخدمت حقّ النقض. امتنعت الصين عن التصويت. وبعد أسبوين، جاء تصويت مجلس الأمن على قضيّة متّصلة مماثلاً. بحسب الباحثة في مركز "كارنيغي-الصين"جانغ ليهوا، رأت الصين في السياسة الغربيّة ازدواجيّة معايير بالنسبة إلى آليّة الاعتراف بالاستفتاءات، لكن في السياسة الروسيّة أيضاً تذكيراً بدعم الاتحاد السوفياتيّ لاستقلال مونغوليا عنها سنة 1945.

لا تزال الصين ترفض الاعتراف بأنّ القرم أرض روسيّة مع أنّها تحمّل في بياناتها الغرب مسؤوليّة التصعيد في الأزمة الأوكرانيّة. ويقول ديريك غروسمان، محلّل قضايا الأمن الآسيويّ في مؤسّسة "راند" الأميركية إنّ بكين "في موقف غير مريح من رؤية دولة ذات سيادة تغزو دولة أخرى ذات سيادة" بما أنّه يتعارض مع "مبدأ عدم التدخّل" الذي تعتنقه في سياستها الخارجية. ويرى جيايي جو من منتدى ستانفورد للعلاقات الأميركيّة-الروسيّة أنّ هذا المبدأ قد يمنع الصين من تقديم دعم علنيّ لاجتياح روسيّ عسكريّ لأوكرانيا. وتملك الصين أيضاً علاقات وطيدة مع كييف.

 

البحث عن التوازن

في 2022، قد تضطرّ الصين إلى اتّخاذ موقف أكثر دعماً لروسيا من الموقف الذي أبدته منذ وطوال ثمانية أعوام تقريباً. مع ذلك، قلّة من المراقبين تعتقد أنّ سياسة بيجينغ الأوكرانيّة قد تتحوّل إلى تحالف مع موسكو. يرى الخبير في العلاقات الروسيّة-الصينيّة جو وبستر أنّ بيجينغ ستحاول إيجاد توازن في الأزمة الأوكرانيّة الثانية مع يقظة بشأن إمكانيّة أن تحدّد الأشهر القليلة المقبلة شكل العقد التالي من العلاقات الثنائيّة. "قد تقدّم بيجينغ دعماً أعظم لبوتين من 2014 في وقت تحافظ على بعض المسافة، بسبب حاجتها إلى روابط اقتصاديّة عملانيّة مع أوروبا وأميركا الشماليّة".

 

بالفعل، تظهر الأرقام كيف أنّ الصين تملك مصالح تجاريّة أكبر مع الغرب من تلك التي تربطها بروسيا. ففي 2019، (قبل انتشار جائحة "كورونا")، بلغ حجم التبادل التجاريّ بين الصين والاتحاد الأوروبي قرابة 560 مليار دولار. بينما بالكاد تخطّى حجم التبادل التجاريّ بين الصين وروسيا 100 مليار دولار في الفترة نفسها. ومن المرجّح أن تكون الصين في وارد تخفيف ما أمكن من المشاكل مع أوروبا خصوصاً بعد الخلافات بشأن طريقة تعاملها مع الأويغور وأزمتها المستجدّة مع ليتوانيا، على الرغم من أنّ أوروبا قد لا ترغب هي الأخرى بالمزيد من التدهور في العلاقات الثنائيّة. من جهة ثانية، صحيح أنّ الصين تعتمد على واردات الطاقة (خصوصاً النفط) من روسيا لتشغيل اقتصادها، لكنّ استثمارها في طاقة الرياح والشمس والهيدروجين والسيارات الكهربائيّة يمكن أن يجعلها قادرة على استبدال وارداتها من النفط الروسيّ على المدى البعيد، بحسب وبستر.

 

كذلك، تبقى العلاقات بين الصين والولايات المتحدة محلّ اهتمام لبيجينغ. حتى في ذروة الحرب التجاريّة بين الطرفين، بلغ حجم التبادل التجاريّ أكثر من 550 مليار دولار في 2019. لهذا السبب، تفضّل بيجينغ إيجاد توازن بين هدفها المشترك مع روسيا في إزاحة الولايات المتحدة عن عرش النظام العالميّ من جهة، وعدم الإضرار بمصالحها الاقتصاديّة مع واشنطن والعالم الغربيّ الذي تقوده من جهة أخرى.

 

إحراج... وفرصة؟

قد لا يكون أيّ تحرّك عسكريّ روسيّ ضدّ أوكرانيا عبارة فقط عن إحراج للصين من خلال دفعها إلى اتّخاذ موقف ديبلوماسيّ أكثر صراحة، وموقف تجاريّ أكثر جرأة في تخطّي العقوبات الغربيّة المحتملة على موسكو. فبحسب ألكسندر غابويف من مركز "كارنيغي-موسكو"، ستستفيد الصين على جبهتين إذا تحرّك بوتين ضدّ أوكرانيا: تخفيف الضغط الأميركيّ عنها من أجل التركيز على روسيا، واضطرار موسكو إلى التقرّب أكثر من بيجينغ وفقاً لشروط الأخيرة. وهذا ما يدفع روسيا إلى أن تصبح فعلاً "الأخ الأصغر" للصين، وهو ما لا يرغب به الكرملين. فهل يكون ذلك أحد أسباب إحجام بوتين المحتمل عن غزو أوكرانيا؟ 

 

اقرأ في النهار Premium