النهار

هل "رمش" بوتين في يوم النصر؟
A+   A-

تجنّب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعلان أيّ خطوة تصعيديّة الاثنين. كانت كلمة يوم النصر خالية من أيّ تعبئة أو إشارة لتحويل "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا إلى "حرب". شكّل ذلك مفاجأة لمعظم المراقبين. بحسب رأيهم، لم يكن منطقياً أن تمرّ مناسبة كهذه من دون تقديم انتصار فعليّ للشعب الروسيّ أو على الأقلّ من دون الإعلان عن خطوات تمهّد لهكذا انتصار.

بعد شهرين على انطلاق الغزو، تبدو المعارك العسكرية التي تخوضها روسيا في أوكرانيا قريبة من الفشل. منذ يوم الاثنين، دخلت الحرب الروسية في أوكرانيا مرحلة ضبابية جديدة. الأهداف المستقبلية غير واضحة وسبل تحقيقها أقلّ وضوحاً. هل بدأ بوتين يتكيّف مع التطوّرات الميدانيّة المعاكسة لطموحاته؟

 

"ربّما رَمَش"

الموفد الأميركي الأسبق إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) إيفو دالدر قال في حديث إلى شبكة "سي أن أن" إنّ بوتين يمكن أن يكون قد "رمش". تدلّ هذه العبارة إلى أنّ الرئيس الروسي أظهر نقطة الضعف الأولى في مواجهة الجيش الأوكرانيّ والدول الأطلسيّة التي تقف وراءه. لم يكن دالدر الوحيد الذي رأى أنّ بوتين كان ضعيفاً في خطاب يوم النصر.

الكاتب السياسي ديفيد روثكوبف رأى أنّ الرئيس الروسي "بدا كخاسر" في كلمته إذ أظهر أنّه يمكن أن يكون الرئيس الذي تنفد خياراته. وذكر روثكوبف أنّ بإمكان بوتين حشد صفوف من الجنود المرتدين بزات جديدة ومن الآليات العسكرية. لكن "كان واضحاً" أنّ هنالك عدداً أقل من الجنود والأسلحة المتوفّرة اليوم مما كان قبل شهرين ومروحة المعدات العسكرية المعروضة كانت أيضاً أكثر محدودية. وسادت توقّعات قبل الاحتفالات بأن يكون الحشد العسكريّ المخصّص للاستعراض أقلّ حجماً بـ 35% من الحشود في السنوات السابقة.

 

نقطة أخرى مثيرة للاهتمام في كلمة بوتين هي خلوّها من إشارة إلى انتصار تحقّقه قواته على الأرض. صحيح أنّ تقدّم الجيش الروسي في الشرق محدود جداً، ويناقض تحليلات سابقة بأنّ الحرب في دونباس ستكون أسهل على روسيا من الحرب في غرب البلاد. من جهة ثانية، يبدو أنّ القوات الأوكرانية تواصل استعادة السيطرة على بلدات في إقليم خاركيف على الحدود مع منطقة دونباس، حيث يكاد الجيش الأوكراني يصل إلى الحدود مع روسيا. لكنّ إحكام موسكو قبضتها على الإعلام المحلي يجعل اطّلاع المواطنين الروس على هذه التفاصيل مستبعداً. حتى مع افتراض العكس، ثمّة تساؤلات عن السبب الذي يصعّب على بوتين توقّع انتصار عسكريّ في الشرق على المدى القريب.

 

رسالة طمأنة... ومتاعب محتملة

بحسب "معهد دراسات الحرب" الأميركي، من المرجّح أن يكون بوتين قد فكّر في أنّه لا يستطيع الطلب من الروس إبداء التزام أكبر بجهود الحرب فطمأنهم بطريقة غير مباشرة بأنّه لن يفعل ذلك. وربّما يدرك المخاطر المتزايدة التي يواجهها في الداخل وفي أوكرانيا بما يدفعه إلى تعديل أهدافه، مرة أخرى، كي تتناسب مع الوقائع الميدانية، كما حصل عندما غيّرت موسكو هدفها بتغيير النظام في كييف. مع ذلك، لا يستبعد المعهد أن يلجأ بوتين إلى تعبئة أكثر سرية حيث يجبر المجنّدين على تأدية مهام الجنود المتعاقدين أو يلزم الموظفين الرسميين بالتجنيد الإجباري.

لكنّ عدم رغبة بوتين بإثارة الاستياء الشعبي بفعل تعبئة علنية محتملة قد لا يخلو من متاعب أخرى. بالتحديد، حين لا يكون لدى الرئيس الروسي انتصار يعلن عنه، أو على الأقل مرحلة عسكرية جديدة يعلن عنها، فقد يرسل بذلك إشارات "ضعف" إلى النخب التي تساعده في الحكم. كيفيّة قراءة تلك النخب لخطاب بوتين، إن لم يكن لكامل مسار الحرب، خاضع للتكهّنات. بحسب رواية الاستخبارات البريطانية، دخل الجنرالات الروس في صراع داخلي خوفاً من أن يقيلهم الرئيس الروسي. إذا صحّت هذه المعلومات فهذا يعني أنّ بوتين لا يزال ممسكاً بمفاصل الحكم. لكن بالمقابل، وبالاستناد إلى الرواية نفسها، لا يشكّل غياب الاستقرار في قيادة الجيش الروسي علامة صحّيّة في المدى البعيد.

 

آفاق الحرب

في جميع الأحوال، من المتوقع أن تستمر العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا على وتيرتها الحالية لفترة طويلة. فعدم التصعيد في خطاب يوم النصر لا يترادف مع خفض حدّة الحرب. وإذا كان الجيش الروسي غير قادر على تحقيق انتصارات استراتيجية في المدى القريب فهو لا يزال قادراً على استدامة عملياته من الناحية المالية. فشراء الدول الأوروبية للطاقة الروسية يوفّر الموارد اللازمة لتمويل الحرب أو جزء كبير من تكاليفها بالحدّ الأدنى. فحتى أواخر نيسان تقريباً، حصلت روسيا على 38 مليار دولار بفعل صادراتها النفطية إلى أوروبا.

من ناحية ثانية، بإمكان بوتين انتظار سقوط ماريوبول لربط القرم بمنطقة دونباس من أجل إعلان تحقيق شكل من أشكال الانتصار. لكنّ ذلك يتوقّف أيضاً على استنزاف قدرات الجيش الأوكراني لمنعه من مواصلة شنّ هجمات مضادّة في الشرق. لا تعلن أوكرانيا عن حجم الخسائر في قواتها، لكنّ البعض يشير إلى أنّه ما من سبب لافتراض أنّ الخسائر في صفوف الجيش الأوكراني هي أقلّ من الخسائر في صفوف الجيش الروسيّ. لكنّ الاعتماد على استنزاف القدرات الأوكرانية، في وقت تستمر المعدات العسكرية الحديثة بالوصول إلى الجيش الأوكراني، قد لا يعدّ رهاناً فعّالاً.

لهذه الأسباب، يبدو أنّ الاحتمال الأكبر يرجّح استمرار الحرب بوتيرتها الحالية في المدى المنظور. ربّما يكون بوتين قد "رمش" فعلاً في خطاب يوم النصر. لكنّ ذلك لا يعني استعداده للتراجع. وهذا ما يشير إليه دالدر نفسه: "...ما أراه هو أنّ الروس لا يفوزون، لكن سيستغرق الأمر وقتاً قبل أن يستطيع الأوكرانيون ادّعاء أنّهم حققوا ما أرادوا تحقيقه وهو دحر الروس على الأقل إلى حيث كانوا قبل 24 شباط إن لم يكن أبعد، وسيستغرق الأمر وقتاً طويلاً...".

 

 

 

 

 

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium