عشية انتخابات حاسمة لتركيا ومستقبلها، يعمل الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب إردوغان على حشد مؤيديه في كل أنحاء اسطنبول طوال يوم السبت الذي يختتمه بالصلاة في آيا صوفيا، الكاتدرائية التي أعاد تحويلها إلى مسجد، فيما أشاد كمال كيليتشدار أوغلو في أنقرة بمؤسس الجمهورية العلمانية، مصطفى كمال أتاتورك.
في هذه الكاتدرائية البيزنطية الوردية العائدة إلى القرن الرابع والتي أعاد فتحها للصلاة في 2020، يختتم إردوغان حملة خاضها على وقع إهانات وتهديدات تكاد تكون صريحة، صاغها هو ومن حوله، ضد خصمه الديموقراطي الاجتماعي كمال كيليتشدار أوغلو.
أمام حشد من مؤيديه تباهى السبت بإعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بقوله "الغرب كله أصيب بالجنون! لكنني فعلت ذلك!".
وتوجّه إردوغان اليوم مخاطباً الناخبين الأتراك وأنصاره تحديداً، طالباً منهم أن يبدأوا يوم غد الأحد مبكراً، وأن يكونوا عند الصناديق في موعد أقصاه الساعة 6:30 صباحاً.
واتهم إردوغان، خلال آخر تجمعاته الانتخابية في إسطنبول اليوم، المعارضة بالعمل مع الرئيس الأميركي جو بايدن على الإطاحة به، وناشد الناخبين الرد على ذلك بأصواتهم في الانتخابات، التي تعد التحدي الأكبر لحكمه المستمر منذ 20 عاماً.
وتظهر أحدث استطلاعات للرأي نتائج متقاربة بشكل متكرّر لكن مع تقدّم للمعارضة. وحتى إذا اضطر إردوغان لخوض دورة ثانية، سيكون ذلك سابقة بالنسبة إليه لأنه اعتاد الفوز منذ الدورة الأولى.
بعد عودته السبت إلى حي قاسم باشا الشعبي حيث ولد، وعد إردوغان البالغ 69 عاماً "بإعطاء درس جيد لأولئك الذين يريدون تقسيم البلاد". وانتقد خصمه قائلاً للحشود "سنخرج أقوى من صناديق الاقتراع".
"الدولة وحدها"
واختتم كمال كيليتشدار أوغلو الذي عاد إلى أنقرة، حملته السبت بزيارة رمزية لضريح مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة والعلمانية.
وتوجّه إلى أنصاره بالقول "ركزوا طاقتكم على بناء المستقبل وليس القتال من أجل الماضي".
وأضاف "تذكروا أن الحكومات تأتي وتذهب، والدولة وحدها هي التي تبقى. اختاروا الدولة والعدالة والقانون، وليس التحزب".
الجمعة، وعد إردوغان الذي نجح في الفوز عبر صناديق الاقتراع منذ 2003، باحترام نتيجة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي دُعي للمشاركة فيها 64 مليون ناخب، ولكن ليس من دون أن يصف أي سؤال حول هذه النقطة بأنه "غبي تماماً".
قال إردوغان وقد بدا عليه الغضب خلال مقابلة تلفزيونية بُثت مساء على معظم قنوات الدولة "جئنا إلى السلطة بالوسائل الديموقراطية، بتأييد من شعبنا: إذا اتخذت أمتنا قراراً مختلفاً، فسنفعل ما تتطلبه الديموقراطية. لا يوجد شيء آخر نفعله".
وأكد هارون أرماغان عضو مجلس إدارة حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه إردوغان لوكالة "فرانس برس" رغبة في الشرعية قائلاً "إذا قال الشعب التركي لا، فسنقبل ذلك بالتأكيد".
في الشارع، تعلو أصوات رغم الخوف من الانتقام. وقالت حفيظة تيمورتاش وهي أم كردية تبلغ 48 عاماً، "لقد سئمنا من هذه الحكومة، ونأمل أن ننتصر وننعم بالسلام والعدالة".
ولكن، ما زال الخوف من الانزلاق نحو العنف قائماً في المدن الكبرى بعد سلسلة من الحوادث في المرحلة الأخيرة من حملة شديدة الاستقطاب، مما اضطُر خصم إردوغان إلى ارتداء سترة واقية من الرصاص تحت بدلته خلال تجمعاته الأخيرة.
"رجل واحد"
وخلافاً للسلطة الاستبدادية التي يتولاها "رجل واحد"، وتندد بها المعارضة، يقترح كيليتشيدار أوغلو البالغ 74 عاماً في حال فوزه قيادة جماعية تتمثل في تعيين نواب للرئيس يمثلون أحزاب الائتلاف الستة التي يقودها، من اليمين القومي إلى اليسار الليبرالي.
وقال الجمعة خلال آخر اجتماع كبير له بين لمعان البرق وهدير الرعد في أنقرة "هل أنتم مستعدون للديموقراطية في هذا البلد؟ لإحلال السلام في هذا البلد؟ أنا عن نفسي مستعد، أعدكم بذلك".
و"أعدكم" هو شعار حملته واللازمة التي يُرددها أنصاره في أناشيد الحملة، ويعد من خلاله بالعودة إلى دولة القانون والنظام البرلماني وفصل السلطات وإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين والقضاة ورجال القانون والمثقفين والعسكريين والموظفين المسجونين بتهمة "الإرهاب" أو "إهانة الرئيس".
والانحراف الاستبدادي الذي شهده العقد الماضي واشتد منذ الانقلاب الفاشل في العام 2016 والاقتصاد المتعثر مع انخفاض قيمة الليرة التركية بمقدار النصف خلال عامين وزيادة التضخم حتى 40 في المئة على مدار عام واحد وفقاً للأرقام الرسمية التي لا تحظى بالإجماع، كل هذا أضر بمصداقية رئيس الدولة وشعبيته فيما يروج للإنجازات العظيمة والتنمية الحقيقية التي حققها خلال حكمه منذ العام 2003.
لكن إردوغان أقر بصعوبة جذب الشباب الذين سيصوت أكثر من 5,2 ملايين منهم لأول مرة الأحد.
فضلاً عن ذلك، لا يُعرف مدى تأثير الزلزال القوي الذي دمر الربع الجنوبي من البلاد وأسفر عن ما لا يقل عن 50 ألف قتيل و3 ملايين مفقود. في أنطاكية القديمة المدمرة، سافر الناس أحياناً بالحافلة لساعات عائدين للتصويت في المدارس المدمرة أو في حاويات حُولت إلى مراكز اقتراع.