"على الاتحاد الأوروبي أن يقوم بالمزيد. عليه أن يقوم بالمزيد لأجلنا، لأجل أوكرانيا. ولأجل نفسه". بهذه الكلمات، عبّر الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي عن حزنه لأنّ طلبه بتسريع الاتحاد الأوروبي إجرءات ضمّ أوكرانيا إلى صفوفه قوبل بالرفض يوم الجمعة الماضي.
بعد انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط) الماضي، استنهضت أوروبا قواها الاقتصادية والسياسية للدفاع عن كييف. منذ أشهر وحتى منذ أسابيع قليلة، كانت الدول الأوروبية على خلاف حول حجم العقوبات والتدابير التي ستّتخذها بحق روسيا في حال شنّت الأخيرة هجومها على أوكرانيا. انقلب الوضع إلى حدّ كبير بعد الغزو ففرض الأوروبيون أربع مجموعات من العقوبات على روسيا، ويدرسون فرض المزيد منها. مع ذلك، لا يزال الأوروبيون أمام تحد كبير في إثبات حجم تحرّرهم من تبايناتهم السياسية القديمة تجاه موسكو. بعد أيام قليلة على الحرب، طالب زيلينسكي بروكسل بتسريع ضم بلاده إلى الاتحاد الأوروبي عبر اعتماد "إجراء خاص جديد". امتنع الأوروبيين عن ذلك بلباقة ديبلوماسية وأحياناً بصريح العبارة.
إجراءات وعقبات
يستغرق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وقتاً طويلاً يقاس بالسنوات. على سبيل المثال، استطاعت فنلندا والسويد وتحقيق هذا الهدف في عامين. لكنّ كرواتيا احتاجت إلى عشرة أعوام. مردّ ذلك إلى أنّ مجلس الاتحاد الأوروبي يدرس الطلب بعد الاستماع إلى رأي المفوضية قبل منح وضعية "المرشح" للدولة المتقدّمة بالطلب ثمّ الدخول في المفاوضات. ويتمّ التأكد عبر مسار طويل من التزام المرشّح بتطبيق عشرات الآلاف من القوانين والأحكام الصادرة عن محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي (معيار كوبنهاغن). ويستطيع عضو واحد في الاتحاد فرض فيتو على منح أوكرانيا العضويّة أو حتى وضعيّة "المرشّح".
تردّد الأوروبيون، وخصوصاً الدول الأقدم في الاتحاد، باتّباع "إجراء خاص" جديد لأسباب عدة. يمكن الخوف الأول في أنّ اعتماد هذه الإجراءات قد يفتح المجال أمام المزيد من الاستثناءات في المستقبل. من ناحية ثانية، يخشى الاتحاد الأوروبي من أن ينتهي المطاف مع أوكرانيا بأن تصبح مثل المجر أو بولندا، وهما دولتان تتراجع فيهما القيم الليبيرالية وحكم القانون وفقاً لاتّهامات بروكسل.
وقال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته لدى وصوله إلى المحادثات في باريس الأسبوع الماضي للمشاركة في المحادثات الأوروبية المتعلقة بأوكرانيا أنْ "ليس هناك من مسار سريع". وأوضح: "أودّ التركيز على ما يمكننا فعله لفولوديمير زيلينسكي الليلة وغداً، وانضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي مسألة (متروكة) للمدى البعيد، إن حدث ذلك أصلاً".
بعد ساعات على النقاش في قمة المجلس الأوروبي في قصر فرساي، اعترف القادة الأوروبيون بـ"الطموحات الأوروبية والخيار الأوروبي لأوكرانيا" دون التطرّق إلى مطلب زيلينسكي. وقالوا إنّ استمارة العضوية تمّ نقلها بشكل سريع إلى المفوضية الأوروبية للحصول على "رأيها" في الموضوع. صدر البيان عن المجتمعين قرابة الساعة الثالثة فجراً بالتوقيت المحلي وقد تعهّد بالمساعدة المالية والسياسية والحماية الموقتة للاجئين لكنّه لم يشر إلى تسريع عملية الانضمام. وهذا ما كان متوقعاً على أي حال. فالقبول باعتماد "إجراء خاص جديد" يعني أيضاً الحاجة إلى تعديل في المعاهدة التأسيسية للاتحاد وهو يتطلّب إجماعاً للدول الأعضاء الـ27.
وقّعت أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي "اتفاقية شراكة" سنة 2014 ودخلت حيّز التنفيذ في 2017. ليست الأخيرة مساوية لاتفاقية الانضمام لكنّ هدفها كامن في جعل المعايير الاقتصادية والقانونية تتلاقى مع المعايير الأوروبية بمرور الوقت. يساعد هذا الواقع في رسم أحد المسارات قدماً نحو العضوية الأوروبية.
خوف من إغضاب روسيا؟
العقبات أمام اكتساب أوكرانيا عضوية الاتحاد الأوروبي ليست إجرائية أو قانونية وحسب. فهذه العملية تطرح التحديات الأمنية نفسها تقريباً التي يطرحها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). فالمادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية للناتو تجد ما يقابلها في معاهدة الاتحاد الأوروبي: المادة 42 الفقرة 7. إنّ هجوماً على عضو في الاتحاد يعد هجوماً على جميع دوله الأعضاء. إذا كان الناتو يتفادى في منح العضوية لدول لها خلافات حدودية مع جيرانه، فستكون أوروبا أكثر حرصاً على ذلك.
اللافت أنّ الانقسامات القديمة في أوروبا حيال روسيا كانت حاضرة في مسألة تسريع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد. فدول أوروبا الغربية كانت عموماً أقرب إلى الرفض، بينما دول وسط وشرق أوروبا أيّدت تسريع الإجراءات في رسالة خاصّة أواخر فبراير. وقال رئيس الوزراء السلوفيني جانيز جانسا إنّ هنالك "الذين يظنون... أنّ الأوكرانيين يقاتلون (لحماية) حياتهم الخاصة (ويستحقون) رسالة (دعم) سياسية قوية... وأولئك الذين لا يزالون يناقشون الإجراءات".
من غير المستبعد أن يكون إرضاء روسيا، أو أقلّه عدم إغضابها، عاملاً في عدم تسريع الأوروبيين انضمام أوكرانيا إلى صفوف بروكسل. نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن المسؤولة السابقة في المفوضية الأوروبية هيذر غرابيه قولها: "سيكون من المشين أن يجعل الاتحاد الأوروبي مستقبل أوكرانيا الأوروبي معتمداً على إرادة روسيا". وغرابيه التي عملت سابقاً في برامج توسيع الاتحاد أشارت إلى أنّ قبول بروكسل برسم حدود الاتحاد سيسلّم الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين انتصاراً.
يرى كثر أنّ امتناع الغرب عن فرض منطقة حظر جوي في أوكرانيا يمنح بوتين الانتصار الذي يبحث عنه أو يساعده في ذلك. يريد الغرب تفادي صدام مباشر مع روسيا يمكن أن تؤدي إليه منطقة الحظر الجوي هذه. وتسريع ضمّ أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى نتيجة تصادمية مع موسكو وفقاً لحسابات أوروبية محتملة. في نهاية المطاف، لم يطلب الروس فقط ألّا تنضمّ أوكرانيا إلى الناتو. أواخر فبراير، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنّ على الأوكرانيين "إجراء تعديلات في دستورهم بحيث تمتنع أوكرانيا عن أي أهداف لدخول أي تكتّل". يصعب أن يكون الروس قد وضعوا الاتحاد الأوروبي ضمن "استثناء خاص" لمفهوم "التكتلات".