اندلعت اشتباكات صباح اليوم في الخرطوم عاصمة السودان، بين قوات الجيش التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية الموالية لحليفه السابق محمد حمدان دقلو في تحوّل مفاجئ للصراع بينهما إلى نزاع مسلح.
قُتل ثلاثة مدنيّين في المعارك، وفق نقابة الأطباء التي أشارت إلى مقتل شخصين في مطار الخرطوم ومقتل شخص آخر في الأبيض (شمال كردفان في وسط السودان). وأضافت أنّ تسعة أشخاص على الأقل أصيبوا من بينهم ضابط في الجيش في أم درمان.
قُبيل ظهر اليوم، أعلنت قوات الدعم السريع "السيطرة الكاملة" على القصر الجمهوري في وسط الخرطوم ومطار الخرطوم ومطاري مروي (شمال) والأبيض (وسط). وقالت في بيان إنّ القوات المسلحة "هاجمت في وقت متزامن قواعد ومقرات قوات الدعم السريع في الخرطوم ومروي ومدن أخرى جاري حصرها"، مؤكّدة أنّ "قوات الدعم السريع قامت بالدفاع عن نفسها والردّ على القوات المعادية وكبّدتها خسائر كبيرة".
وأكد البيان أنّ قوات الدعم السريع تقف إلى جانب "جميع المواطنين وستواصل جهودها من أجل حماية مكتسبات الوطن وثورة شعبه المجيدة الظافرة المنتصرة"، في إشارة إلى ثورة 2019 التي أطاحت الدكتاتور عمر البشير بعد ثلاثين عاماً في السلطة.
منذ ساعات الصباح الأولى، سُمع في الخرطوم دوي قوي لانفجارات وإطلاق نار قبل أن تتّهم قوات الدعم السريع الجيش بمهاجمة معسكراتها. وردّ الجيش بعد قليل باتهام مماثل للقوات شبه العسكرية بالمبادرة بالهجوم على قواعده.
تحدّث شهود عن "مواجهات" ودوي انفجارات وإطلاق نيران سمع بالقرب من قاعدة تتمركز فبها قوات الدعم السريع في جنوب الخرطوم. وسمع مراسلو "فرانس برس" إطلاق نار بالقرب من مطار الخرطوم وفي شمال العاصمة السودانية.
تبادلت قوات الدعم السريع والجيش السوداني الاتهامات بالمبادرة بالقتال. وأكدت القوات في بيان أنّها "فوجئت صباح اليوم بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل إلى مقرّ تواجد القوات (التابعة للدعم السريع) في أرض المعسكرات سوبا بالخرطوم وتضرب حصاراً على القوات المتواجدة هناك ثم تنهال عليها بهجوم كاسح بأنواع الأسلحة كافّة".
"الاشتباكات مستمرة"
من جانبه، قال الناطق باسم الجيش العميد نبيل عبد الله لوكالة "فرانس برس": "هاجم مقاتلون من قوات الدعم السريع معسكرات عدّة للجيش في الخرطوم ومناطق متفرّقة في السودان". وأضافت أنّ "الاشتباكات مستمرّة والجيش يؤدّي واجبه في حماية البلاد".
وكان البرهان وحميدتي يشكّلان جبهة واحدة عندما نفّذا الانقلاب على الحكومة في 25 تشرين الأول 2021. إلّا أنّ الصراع بينهما ظهر إلى العلن خلال الشهور الأخيرة وأخذ في التصاعد.
وقبل يومين، حذّر الجيش السوداني في بيان من أنّ البلاد تمرّ بـ"منعطف خطير" بعد انتشار قوات الدعم السريع المسلحة في الخرطوم والمدن الرئيسية. ويأتي اندلاع هذا النزاع المسلح فيما يشهد السودان انسداداً سياسياً بسبب الصراع بين الجنرالين.
فمطلع الشهر الحالي، تأجّل مرّتين التوقيع على اتفاق بين العسكريين والمدنيّين لإنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب بسبب خلافات حول شروط دمج قوات الدعم السريع في الجيش وهو بند أساسي في اتفاق السلام الذي تم التوصل اليه.
وكان يفترض أن يسمح هذا الاتفاق بتشكيل حكومة مدنية وهو شرط أساسي لعودة المساعدات الدولية إلى السودان، أحد أفقر بلدان العالم.
كانت قوات الدعم السريع شكلت في 2013 وانبثقت عن ميليشيا الجنجويد التي اعتمد عليها البشير بقمع التمرد في إقليم دارفور.
"الحرب كرّ وفرّ"
أعلن الجيش السوداني بعد الظهر أنّ الطيران الحربي نفّذ ضربات جوية على معسكرين لقوات الدعم السريع في الخرطوم فيما تستمر الاشتباكات.
وقال بيان للجيش إنّ "القوات الجوية تقوم بتدمير معسكر طيبة ومعسكر سوبا التابع لميليشيا الدعم السريع" في الخرطوم.
من جهته، أكّد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" إنّه لن يوقف القتال إلّا بعد أن يسيطر على قواعد الجيش كافّة.
في تصريحات عبر الهاتف لقناة "الجزيرة"، قال حميدتي: "لن نتوقّف إلّا بعد السيطرة على مواقع الجيش كافّة (...) لا أستطيع أن أحدّد متى ينتهي القتال فالحرب كرّ وفرّ".
وفي وقت لاحق، أعلنت الخطوط الجوية السعودية تعرّض إحدى طائراتها "لحادث" في مطار الخرطوم قبل مغادرتها المقرّرة إلى الرياض اليوم، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.
وأعلنت الشركة في بيان تعليق رحلاتها من وإلى السودان حتى إشعار آخر.
كذلك، أعلنت شركة "مصر للطيران" تعليق الرحلات الجوية من وإلى الخرطوم لمدّة 72 ساعة.
"قلق بالغ" ودعوات للتهدئة
اعتبر رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك أنّ "الحرب في السودان تعني حرباً في الإقليم، والحلّ السلمي ما زال ممكناً"، محذّراً من أنّ البلاد تواجه "خطر التفكّك" وأنّ "الضحايا هم السودانيون".
دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس قوات الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية إلى وقف "فوري" للقتال في الخرطوم وأماكن أخرى في البلاد.
وأفاد بيان صادر عن بعثة الأمم المتحدة في السودان بأنّ "بيرتس اتّصل بالطرفين للمطالبة بوقف فوري للأعمال العدائية من أجل سلامة الشعب السوداني وتجنيب البلاد المزيد من العنف".
في السياق، دعت الإمارات الأطراف جميعهم إلى التحلّي بضبط النفس وخفض التصعيد والعمل على إنهاء الأزمة عن طريق الحوار.
وذكرت وكالة أنباء الإمارات أنّ "سفارة الدولة في الخرطوم تتابع بقلق بالغ الأحداث الجارية في السودان الشقيق وتؤكّد موقف الإمارات الثابت المتمثل في ضرورة خفض التصعيد والعمل على إيجاد حلّ سلمي للأزمة بين الأطراف المعنية".
في واشنطن، عبّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن بالغ قلقه إزاء تقارير عن تصاعد العنف، ودعا إلى إنهاء فوري للأعمال القتالية.
وكتب على "تويتر": "نحن على اتصال بفريق السفارة في الخرطوم وجميعهم بخير... نحضّ الأطراف جميعهم على وقف العنف فوراً وتجنّب المزيد من التصعيد أو تعبئة القوات ومواصلة المحادثات لحلّ القضايا العالقة".
كذلك، أعربت روسيا عن "قلق بالغ" إزاء تصاعد العنف في السودان، ودعت إلى وقف إطلاق النار على الفور.
ودعت وزارة الخارجية الروسية إلى إجراء مفاوضات، قائلة: "نحضّ أطراف الصراع على إظهار الإرادة السياسية والتحلي بضبط النفس واتخاذ خطوات فورية لوقف إطلاق النار".
وقالت موسكو إنّ سفارتها في الخرطوم ما زالت تمارس عملها في ظلّ إجراءات أمنية مكثفة. وأضافت أنّ الاشتباكات لم تسفر عن إصابة أيّ مواطن روسي.