اندلعت اضطرابات وحرائق ليل السبت في سجن "إيفين" في طهران، مع دخول حركة الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة مهسا أميني أسبوعها الخامس.
يشتهر السجن الواقع في شمال طهران بإساءة معاملة السجناء السياسيين، كما أنّه يضم سجناء أجانب، وقد أفادت تقارير بأن المئات ممن اعتقلوا خلال التظاهرات أودعوا فيه. وقد أظهر مقطع فيديو نشرته "منظمة حقوق الإنسان في إيران" التي تتخذ من أوسلو مقراً بعض النيران والدخان المتصاعد من مبنى السجن، وسُمعت أيضاً أصوات في التسجيل بدا أنها لطلقات نارية.
بدورها، ذكرت قناة "1500تاسفير" التي ترصد الاحتجاجات وانتهاكات الشرطة على حسابها في "تويتر" أن "حريقاً ينتشر في سجن إيفين" و"أمكن سماع صوت انفجار" وهتافات "الموت للديكتاتور"، وهو أحد الشعارات الرئيسية للحركة الاحتجاجية المستمرة منذ شهر.
وكان مصدر أمني قد أفاد وكالة "فرانس برس" في وقت سابق بأن "اضطرابات ومواجهات وقعت ليل السبت في قسم احتجاز المجرمين في سجن إيفين"، تطورت إلى "إشكال بينهم وبين عناصر السجن، وقام هؤلاء "البلطجية بإضرام النيران في مستودع للألبسة في السجن، ما تسبب بحريق".
وأضاف "حالياً، الوضع تحت السيطرة بشكل كامل والهدوء يسود في السجن، وعناصر الإطفاء يعملون على إخماد النيران"، موضحاً أنّه "تم فصل مثيري الشغب عن الآخرين، والمحتجزون الآخرون عادوا إلى زنزاناتهم".
قلق عائلات نزلاء السجن
يضم سجن "إيفين" سجناء أجانب بينهم الأكاديمية الفرنسية الإيرانية فاريبا عادلخاه والمواطن الأميركي سياماك نمازي الذي قالت عائلته إنه أعيد إلى "إيفين" هذا الأسبوع بعد فترة إفراج موقت.
وفي ردّ فعل على الحريق، أعربت عائلة نمازي في بيان اطّلعت عليه "فرانس برس" عن "قلقها العميق"، خاصة وأنه لم يحصل أي اتصال معه. وحضّت العائلة السلطات الإيرانية على منحه وسائل "فورية" للاتصال بأسرته وإطلاق سراحه "لأنه من الواضح أنه ليس آمنا في سجن إيفين".
بدورها، قالت شقيقة عماد شرقي، وهو مواطن أميركي آخر مسجون في "إيفين"، إن عائلته"متشنجة وينتابها الخوف"، وذلك في تغريدة على "تويتر".
وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس في تغريدة أن واشنطن تراقب الوضع عن كثب، محمّلاً "إيران المسؤولية الكاملة عن سلامة مواطنينا المحتجزين من دون وجه حق والذين يجب إطلاق سراحهم فوراً".
كذلك، أفادت تقارير بأن المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي صاحب الجوائز السينمائية الدولية والسياسي الإصلاحي مصطفى تاج زاده محتجزان أيضاً في "إيفين".
وقالت روهام ألفاندي الأستاذة المساعدة في كلية لندن للاقتصاد على "تويتر": "في حال لا قدّر الله لقي سجناء سياسيون مصرعهم، عندها سيكون هذا الحدث بحجم حريق سينما ريكس في عبدان في آب عام 1978 الذي سرّع في سقوط الشاه".
وأثار حريق سينما ريكس الذي يُعدّ من أكثر الهجمات دموية في التاريخ قبل أحداث 11 أيلول 2001، احتجاجات ضدّ نظام الشاه على الرغم من أنه لم تتضح حتى الآن هوية المرتكبين. وقد قُتل نحو 400 شخص في الحريق المتعمد بدار السينما التي أغلقت أبوابها عشية الثورة الإسلامية عام 1979.
"على الملالي الرحيل"
تظاهر الإيرانيون الغاضبون مجدداً في الشوارع السبت على الرغم من انقطاع الانترنت. وتتقدّم الشابات الإيرانيات الموجة الحالية من احتجاجات الشوارع، وهي الأضخم من نوعها التي تشهدها البلاد منذ سنوات.
صرخت نساء غير محجّبات السبت "على الملالي الرحيل" في كلية شريعتي التقنية والمهنية في طهران، وفق ما أظهر مقطع فيديو تم تداوله عبر الانترنت على نطاق واسع.
وغرب طهران، ألقى محتجون مقذوفات على قوات الأمن بالقرب من دوار رئيسي في مدينة همدان، وفق صور تحققت منها وكالة "فرانس برس".
وعلى الرغم من تعطيل شبكة الإنترنت على نطاق واسع وحجب السلطات تطبيقات مثل "انستغرام" و"واتسآب"، تجمّع إيرانيون السبت في شوارع مدينة أردابيل في شمال غرب البلاد، وفق ما أظهرت مقاطع فيديو نشرت على "تويتر". ونفّذ التجار إضرابا في مدينة سقز مسقط رأس مهسا أميني في محافظة كردستان (شمال غرب) ومهاباد (شمال) وفق موقع "1500تاسفير".
وأُطلق نداء من أجل المشاركة في الاحتجاجات السبت تحت شعار "بداية النهاية!"، كمان أعلن نشطاء أنّه "علينا أن نكون حاضرين في الساحات، لأن أفضل +في بي أن+ هذه الأيام هو الشارع"، في إشارة إلى الشبكات الخاصة الافتراضية المستخدمة للالتفاف على قيود الإنترنت.
"أعمال شغب"
قُتل 108 أشخاص على الأقل منذ 16 أيلول في احتجاجات أميني، كما لقي ما لا يقلّ عن 93 مصرعهم أيضاً في اشتباكات منفصلة في زاهدان عاصمة إقليم سيستان بلوشستان الجنوبي الشرقي، وفقا لمنظمة "حقوق الإنسان في إيران" ومقرها أوسلو.
من جهتها، أعربت منظمة العفو الدولية عن أسفها لمقتل 23 طفلاً على الأقل "بأيدي قوات الأمن الإيرانية"، موضحة أن أعمارهم تراوح بين 11 و17 عاماً، بالإضافة إلى توقيف مئات الأشخاص.
ونقلت وكالة أنباء "إرنا" الرسمية عن قيادي في الحرس الثوري قوله خلال التجمّع إن ثلاثة من أفراد ميليشيا الباسيج شبه العسكرية قتلوا وأصيب 850 بجروح في طهران منذ بدء "الفتنة".
أثارت حملة القمع إدانات دولية وعقوبات على إيران من بريطانيا وكندا والولايات المتحدة. واتّفقت دول الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع على فرض عقوبات جديدة، ومن المقرر أن تتم المصادقة على هذه الخطوة في اجتماع وزراء خارجية التكتل الاثنين في لوكسمبورغ.
من جهته، اتهم المرشد الأعلى لإيران أعداء البلاد، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، بإثارة "أعمال الشغب". وردّاً على الاحتجاجات، شنت قوات الأمن الإيرانية حملة اعتقالات واسعة شملت فنانين ومعارضين وصحافيين ورياضيين.