النهار

روسيا مقبلة على حرب أسهل في دونباس؟
تساؤلات عمّا إذا كانت "المرحلة الثانية" من الحرب الروسية على أوكرانيا نسخة عن "المرحلة الأولى" بأخطائها وإخفاقاتها.
روسيا مقبلة على حرب أسهل في دونباس؟
A+   A-

يبدو أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا، أو ما تسميه موسكو "العملية العسكرية الخاصة"، دخلت منعطفاً جديداً في الساعات الأخيرة، مع معاودة الجيش الروسي تركيز هجومه على الشرق وتحديداً منطقة دونباس. في هذا السياق، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الاثنين أنّ روسيا بدأت "معركة دونباس" قائلاً إنّ "جزءاً كبيراً جداً من الجيش الروسي يركّز بأكمله الآن على هذا الهجوم". وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذا الأمر يوم الثلاثاء إذ قال إنّ "المرحلة الثانية من هذه العملية بدأت الآن". وفي حديث إلى صحيفة "إنديا توداي" أوضح لافروف أنّ الهدف من المرحلة الثانية هو "التحرير الكامل" لأبناء منطقتي دونيتسك ولوغانسك.

بدأت الاستعدادات للمرحلة الثانية من "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا منذ 25 مارس/آذار الماضي على الأقل، حين أعلن جنرال روسي انتهاء "المرحلة الأولى" من العملية والقاضية بتجريد أوكرانيا من القوة العسكرية التي تمكّنها من استعادة السيطرة على دونباس. تنفي روسيا أنّها حاولت في المرحلة الأولى الاستيلاء على كامل أوكرانيا وتغيير الحكم فيها، بعكس تحليل الاستخبارات الغربية. يأتي ذلك مع العلم بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طالب الجيش الأوكراني في 25 فبراير/شباط بتولي السلطة لأنّه سيكون من الأسهل التفاوض والتوصل معه إلى اتفاق.

من علامات الاستفهام الأساسية في المرحلة المقبلة معرفة ما إذا كانت روسيا ستقع مجدداً في الأخطاء التي ارتكبتها خلال المرحلة الأولى أم أنها أتمّت استعداداتها بشكل أفضل. في حال تكرر سيناريو الفوضى اللوجستية الذي طبع المرحلة السابقة من الحرب، فقد لا تجد روسيا بديلاً عن الخروج من المأزق سوى التفاوض مع أوكرانيا بشروط أضعف. إلى اليوم، يرى بعض المراقبين أنّ روسيا ستواجه العقبات نفسها في الشرق.

 

العقبات اللوجستية والتقنية على حالها

قالت وزارة الدفاع البريطانية في تقييم استخباري مساء الثلاثاء إنّ القوات الروسية التي تهاجم شرق أوكرانيا تتعامل مع المشاكل اللوجستية والتقنية نفسها التي شوشت عمليتها في المرحلة الأولى. وتابعت أن الجيش الأوكراني صدّ "محاولات تقدم عديدة" في منطقة دونباس.

لمجلة "إيكونوميست" تقييم مشابه عن استعدادات الجيش الروسيّ: بدأت روسيا الحرب بـ120 كتيبة تكتيكية تقريباً وهي تشكيلات قوامها نحو 700 جندي للكتيبة الواحدة. العشرات من هذه الكتائب لم تعد قادرة على خوض الحرب بعد تلقيها خسائر فادحة في العديد والتجهيزات. قدر المسؤولون الأوكرانيون وجود 87 كتيبة تكتيكية مقابل 76 بحسب البنتاغون. لكن هنالك نحو اثنتي عشرة كتيبة مقيّدة في ماريوبول بينما تشكّل البقية قوة متواضعة نسبياً لإرسالها إلى المعركة ضدّ القوات الأوكرانية الأكثر خبرة، بحسب المجلة نفسها.

تمتد دونباس على طول الخط الممتد من خارج ماريوبول في الجنوب وصولاً إلى أقصى شمال شرق أوكرانيا. تعدّ السيطرة على تلك المنطقة هدفاً أساسياً لموسكو حيث تقول إنّها تدافع عن سكانها الناطقين بالروسية. مع ذلك، ليس من الضروري أن تكون هذه المناطق موالية للروس ولو كان سكّانها يتحدثون بلغتهم، أو حتى تربطهم علاقات قربى مع الجانب الآخر من الحدود. يقول رئيس شركة "روشان" للاستشارات كونراد موزيكا لـ"بي بي سي" إنّ "ماريوبول كانت من أكثر المدن موالاة للروس في أوكرانيا ولا أستطيع فهم سبب تسويتها بالأرض".

 

"مكاسب محدودة"

دعمت روسيا الانفصاليين طوال ثمانية أعوام ولم يستطع هؤلاء السيطرة على أكثر من ثلث منطقة دونباس. ليس واضحاً اليوم مدى قدرة روسيا على قلب الموازين العسكرية بشكل كامل لصالحها، بالرغم من قولها إنّها سيطرت على نحو 93% من لوغانسك و54% من دونيتسك. سيعتمد ذلك على حجم التعاطف الذي قد يكنّه سكّان المنطقة للروس إلى جانب تصحيح الأخطاء العسكرية السابقة. لكنّ "معهد دراسة الحرب" قلّل من احتمالات نجاح روسيا في الشرق على الرغم من أنها قد تكون قادرة على إرهاق المدافعين الأوكرانيين أو تحقيق مكاسب محدودة.

وأضاف أنّ القوات الروسية لم تتخذ فترة توقف تشغيلي كانت ضرورية على الأرجح لإعادة تشكيل الوحدات المتضررة المسحوبة من شمال شرق أوكرانيا ثمّ دمجها بشكل مناسب في العمليات شرقيّ البلاد. وإلى جانب ترجيح عدم قيام الجيش الروسي بمعالجة أسباب فشل الهجمات السابقة مثل سوء التنسيق وانعدام قدرة شن عمليات عابرة للحدود وانخفاض المعنويات، أشار المعهد إلى أن القوة القتالية الفعالة للوحدات الروسية في شرق أوكرانيا هي جزء ضئيل من قوة روسيا النظرية عبر أعداد الكتائب التكتيكية. لكن لا يوافق جميع الغربيين على هذه التحليلات "المتفائلة".

 

التفاصيل تكشف مساراً مختلفاً؟

يرى الباحث البارز في مؤسسة "ديفنس برايوريتيز" الليفتنانت المتقاعد دانيال ديفيس أنّ عوامل القوة/الضعف لدى طرفي الحرب خلال المرحلة الأولى ستكون معكوسة في المرحلة المقبلة: وزّعت روسيا قواتها بدايةً على أربعة محاور ممّا مدّد انتشار لوجستياتها بشكل مبالغ به. لكن في دونباس، ستكون طرق الإمداد أقصر على روسيا وأطول على أوكرانيا. ولن يستطيع الأوكرانيون الاقتراب من الآليات الروسية كما فعلوا في كييف لأنّ دونباس منطقة مفتوحة ويصعب الاختباء فيها. كذلك، لم يكن مطلوباً من القوات الأوكرانية إجراء تنسيق معقّد لمناوراتها في الدفاع عن كييف، لكنّ ذلك سيكون ضرورياً في دونباس.

وكتب ديفيس في موقع "1945" أنّ روسيا استطاعت تفكيك المقاومة في ماريوبول عبر محاصرتها وتقسيمها، وهذا ما ستفعله على الأرجح في دونباس مع توقّعات بضرب جميع طرق الإمداد الأوكرانية. ويوضح الخبير العسكري نفسه أنّ انتصار أوكرانيا في دونباس ليس مستحيلاً، لكنه أصعب بكثير مما يتخيله المراقبون إذ سيتطلب الانتقال من الدفاع إلى الهجوم وحده قرابة عام من المعارك.

لا يطرح هذا التحليل تساؤلات عمّا إذا كان الأوكرانيون مستعدين لفترة طويلة من الحرب وحسب، بل أيضاً عمّا إذا كان الغرب نفسه مهيئاً لدعم الأوكرانيين بالسلاح المخصّص لهذا النوع من المعارك. حتى فترة قريبة، كان الأطلسيّون يوجّهون مساعدات عسكرية ذات طابع دفاعيّ إلى أوكرانيا. أحبط هذا الأمر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي طالب بإرسال مقاتلات ومدفعية وراجمات صواريخ. لكن يبدو أنّ هنالك قناعة غربية بدأت تتشكل إزاء حدوث تحوّل في متطلبات المعركة. فقد لفتت "فورين بوليسي" الأسبوع الماضي إلى أنّ الأطلسيين بدأوا بإرسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا (بلا مقاتلات حتى اللحظة). كيفية تأثير هذا العنصر، في حال اكتماله، على أمد الحرب رهن المتابعة.

 
*نُقل عن "النهار العربي"
 
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium