لا تزال المفاوضات بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي متعثرة. منذ مارس (آذار) الماضي، توقفت تلك المفاوضات بسبب طلب الإيرانيين رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. رغبة بايدن بشطب الحرس عن لائحة الإرهاب غير واضحة. ربما قد يميل في قرارة نفسه إلى قرار كهذا، لكنّه يخشى رد فعل قاسياً من الجمهوريين واعتراض قسم متزايد من الديموقراطيين.
في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنّ تمكّن إيران من تحقيق "الخرق النووي" أصبح يقاس بـ"الأسابيع". يعني "الخرق" تجميع إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية. لكنّ صناعة القنبلة بعد تحقيق الخرق تحتاج لفترة من الزمن قد تصل إلى عامين. وفي 26 أبريل أيضاً، قال البيت الأبيض إنّ فترة الخرق انخفضت من قرابة عام إلى "مجرّد أسابيع أو أقل". وحمّل السياسيون في الإدارة الحالية إدارة ترامب مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، على اعتبار أنّ الاتفاق النووي فصل طهران نحو 12 شهراً عن إمكانية تجميع ما يكفي من المواد الانشطارية لوضعها في قنبلة أو رأس حربي.
موقع إيران الراهن
في أسوأ الأحوال، ومع افتراض أنّ تقييم الإدارة الحالية صحيح، ربّما تكون إيران قد حقّقت "الخرق" أو هي على بعد أيام من تحقيقه. وفي أحوال أفضل، قد تكون إيران بحاجة إلى أسابيع قليلة إضافية لتحقيق هدفها. ما بين هذين الاحتمالين، يبقى مؤكداً أنّ أهمّية الاتفاق النووي تتضاءل وربما توشك على التبدد. وهذا يجعل من استثمار إدارة بايدن في إحياء الاتفاق، أكان عبر رفع الحرس عن قائمة الإرهاب أو عبر تنازلات أخرى، استثماراً غير خالٍ من المخاطرة. فالتوصّل إلى اتّفاق جديد يعيد إطالة الفترة التي تحتاجها إيران لتحقيق "الخرق" إلى بضعة أشهر أمر يصعب على جزء كبير من الكونغرس القبول به.
والمشرّعون حذّروا في وقت سابق من الشهر الحالي من اتّفاق كهذا: "إذا كان كلّ ما سنحصل عليه هو ستة أشهر (فاصلة عن الخرق النووي)، ولا شيء آخر، وإذا كنّا سنرفع سلسلة من العقوبات مع تدفق الأموال إلى إيران كنتيجة لرفع هذه العقوبات، ففي النهاية، سنكون قد ساعدنا على تغذية تقدّمهم"، بحسب ما قاله رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور الديموقراطي بوب مينينديز. وكان مينينديز يتحدّث بعدما وافقت غالبية عظمى من المشرعين في مجلس الشيوخ على قرار غير ملزم ينصّ على ضرورة شمول أي اتفاق نووي مع طهران قضية دعمها للإرهاب في المنطقة وعدم رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب.
يعتقد مراقبون فعلاً أنّ إيران تقترب كثيراً من إحداث الخرق النوويّ. الباحثة في "مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات" أندريا ستريكر ترى أنّ إيران قد تمكّنت تقنياً من تجميع ما يكفي من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% لصناعة قنبلة واحدة. وتعتقد أنّ إيران قد تحتاج لفترة إضافية كي تخصّب اليورانيوم لصناعة خمسة أسلحة نووية أو أكثر.
وأضافت أنّ بإمكان إيران اختيار التخصيب في منشأة معروفة لكن محصّنة أو أخرى سرّيّة حيث ستعجز واشنطن عن الحصول على معلومات موثوقة خصوصاً إذا منعت إيران المفتّشين الأمميّين من دخولها. وبما أنّ الولايات المتحدة تتفادى التلويح بالقوة العسكرية، قد تختار إيران تخطي العتبة النووية كما يمكن أن تقبل واشنطن الخرق كأمر واقع بحسب ستريكر.
الحسابات معقّدة أمام بايدن
لو ترك الرئيس الأميركيّ الاتفاق يسقط فسيتذكر العالم أنّ إيران حقّقت الخرق النووي تحت ناظريه. بالمقابل، تساهلَ بايدن كثيراً في تنفيذ العقوبات على إيران مما دفع احتياطاتها من العملات الصعبة تحقّق قفزة نوعية. بالتالي، باتت طهران قادرة على التعايش مع استمرار العقوبات في المدى المنظور.
ولو قبِل بايدن برفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب فستصبح هذه الخطوة مدار تجاذب كبير قبل الانتخابات النصفية. لن يكون الديموقراطيون في موقع مريح وهم يتلقّون انتقادات خصومهم لأنّهم تجاهلوا سقوط مئات القتلى من الجنود الأميركيين على أيدي الحرس الثوري في العراق. والدعاوى التي رفعتها عائلات الضحايا على إيران يمكن أن تتعرقل بفعل خطوة كهذه.
في هذه الأثناء، يخوض الأوروبيون وساطتهم الخاصة. سافر الديبلوماسي إنريكي مورا إلى إيران في 13 مايو (أيار) لحثها على العودة إلى طاولة التفاوض. نقلت مراسلة الشؤون الخارجية لورا روزن عن خبراء مطّلعين على المحادثات أجواء متضاربة بين التشاؤم والتفاؤل الحذر. كان هنالك حديث عن مقترح تقبل إيران بموجبه بتأجيل البحث في قضية الحرس الثوري إلى ما بعد إبرام الاتفاق. لكن من المنطقيّ ألّا يقبل الإيرانيون بمقترح غير مضمون كهذا بما أنّه قد يصوّرهم بمظهر المنكسر أمام جمهورهم.
لكنّ الأهم هو ما نقلته روزن عن المدير البارز في "جمعية الحد من انتشار الأسلحة" كيلسي دافنبورت والذي يتوافق مع نظرة ستريكر: "الخطر هو أنّ برنامج إيران للتخصيب تقدّم تقريباً إلى نقطة حيث خرقها النووي يمكن أن يكون غير قابل للكشف".
مساعد سابق لبايدن ممتعض
مشكلة بايدن هي أنّه كلّما تأخر في اتّخاذ قراره، ضاقت خياراته أكثر كما تضاءلت منافعها. إنّ اتفاقاً جديداً على أعتاب تحقيق إيران خرقها النووي سيهديها الأموال التي تحتاجها للمضيّ قدماً في برنامجها. كما أنّ تخلّيه عن إعادة إحياء الاتفاق سيظهر أنّه أخفق في تطبيق ما وعد بأن تكون سياسة "ذكية" تجاه إيران تعيد برنامجها النووي "إلى الصندوق".
يقول مساعد سابق لبايدن في حديث إلى مجلة "فورين بوليسي" إنّ واحدة من أحبّ الجمل إلى قلب الرئيس هي: "أعطِني فقط الوقائع. سأقوم أنا بـ(صنع) السياسات". وأضاف المساعد: "لقد ظنّ أنّه كان أذكى رجل سياسيّ على الإطلاق وأنّه لم يَحتجْ إلى أيّ مساعدة".
من الواضح أنّ بايدن اليوم بأمسّ الحاجة إلى من يساعده في الملفّ الإيرانيّ. فهل ينجح الأوروبيون؟