النهار

لماذا قد لا تقلب "التعبئة الجزئية" موازين القوى في أوكرانيا؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
إصدار الأوامر بالتعبئة أسهل من تنفيذها
لماذا قد لا تقلب "التعبئة الجزئية" موازين القوى في أوكرانيا؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة متلفزة إلى الشعب الروسي، 21 أيلول 2022 - "أ ب"
A+   A-

في خطوة هي الأولى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعمه لـ"التعبئة الجزئية" التي أمرت بها وزارة الدفاع الروسيّة بدءاً من اليوم الأربعاء. وتوجّه إلى الشعب الروسي قائلاً إنّ "هدف الغرب هو إضعاف وتقسيم وتدمير بلادنا في نهاية المطاف". وتابع: "يقولون بشكل مباشر إنّهم نجحوا بتدمير الاتحاد السوفياتي سنة 1991 وقد حان الوقت الآن كي تتقسّم روسيا إلى مناطق عدّة وأطراف متصارعة".

وأضاف أنّ هدفه هو "تحرير" منطقة دونباس حيث لا يريد سكانها الخضوع لـ"عبودية" أوكرانيا بحسب تعبيره. وقال إنه "من الضروري دعم اقتراح (وزارة الدفاع) بالتعبئة الجزئيّة للمواطنين في الاحتياط" الذين سبق أن خدموا في الجيش ويتمتعون بالخبرة العسكريّة. واتّهم بوتين الغرب بممارسة ابتزاز نووي محذّراً من أنّ روسيا تتمتع بـ"أسلحة كثيرة للرد" على "التهديدات" الغربية.

 

الروس "محتارون"

أتى مرسوم التعبئة الجزئيّة بعدما أعلن المسؤولون الموالون للروس في مناطق لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا يوم الثلاثاء أنه سيتمّ تنظيم "استفتاء" للانضمام إلى روسيا بين 23 و 27 أيلول. وقال بوتين إنّه سيحرص على إجراء هذه الاستفتاءات بشكل آمن.

مراسلة صحيفة "واشنطن بوست" التي تغطي الشؤون الروسيّة ماري إيليوشينا لفتت إلى أنّها ترى العديد من الروس محتارين أمام ما أعلنه بوتين. فروسيا تقول إنّها قتلت نحو 60 ألف جندي أوكراني وإنّ خسائرها بلغت قرابة 6 آلاف. مع ذلك، تعلن روسيا أيضاً أنّها تحتاج إلى استدعاء 300 ألف رجل إضافي.

قال بوتين إنّ الغرب حضّ أوكرانيا على عدم تقديم تنازلات لروسيا بعدما بدأت كييف تستجيب للمطالب الروسيّة في المفاوضات التي استضافتها تركيا. وقال إنّ الجيش الأوكرانيّ هو تحت الإمرة الفعليّة للمستشارين الغربيّين. وكرّر بوتين حديثه عن "النازيين الجدد" الذين يحاربون في أوكرانيا كما عن توسّع حلف شمال الأطلسيّ (ناتو) نحو الشرق.

 

العودة إلى السلاح النووي

نبّه بوتين "الذين يحاولون ابتزازنا بالأسلحة النووية" إلى ضرورة "أن يعلموا أنّ أنمط الرياح قد تتحوّل باتّجاههم". وحذّر من أنّه في حال تهديد "وحدة أراضي بلادنا، سنستخدم بالتأكيد جميع الوسائل التي بحوزتنا لحماية روسيا وشعبنا. هذا ليس خداعاً".

وأعاد تأكيد أنّ "بإمكان مواطني روسيا أن يثقوا بأنّ وحدة أراضي وطننا الأم، استقلالنا وحريتنا ستكون مضمونة – أشدّد على هذا مجدّداً – بجميع الوسائل المتاحة لنا".

تثير عبارة "وحدة الأراضي" الروسيّة التباساً مع "الاستفتاءات" المزمع إجراؤها. هل هي الأراضي الروسيّة بحدودها الحاليّة أم بالحدود المتوقع إضافتها مع تصويت المناطق الأربع في الشرق والجنوب لصالح الانضمام إلى روسيا؟ وإذا هاجمت القوات الأوكرانيّة تلك المناطق فهل سيرى الكرملين أنّ هذا الهجوم يستدعي الردّ بالسلاح النوويّ لأنّه مدعوم أو منسّق أميركياً؟

بعد استعادة القوات الأوكرانية لخاركيف، نشرت صحيفة "نيويورك تايمس" تقريراً عن أنّ البنتاغون أجرى محاكاة مكثّفة للهجوم على المنطقة. كما حضّ القوات الأوكرانية على عدم مهاجمة ميليتوبول في الجنوب.

 

"عشرات آلاف الروس نحو الموت"

على الرغم من التصعيد الذي حمله كلام بوتين، يشكّك البعض في أن يكون لـ"التعبئة الجزئيّة" تأثير مباشر على مسار الحرب. الأستاذ الزائر في معهد دراسات الحرب التابع لكلية الملك بلندن الدكتور مايك مارتن يرى في صحيفة "تيليغراف" البريطانية انّ "التعبئة الجزئية" سترسل عشرات الآلاف من الجنود الروس إلى حتفهم.

وأوضح أنّ تحويل المدنيّ إلى رجل عسكريّ يستغرق نحو ثلاثة أشهر وهي فترة يمكن أن يكون الروس قد خسروا الحرب خلالها. حتى مع افتراض العكس، يمكن أن يكون المشرفون على تدريب هؤلاء الجنود قد قُتلوا في المعارك. وأضاف أنّ الجيش الروسي بات يفتقر للتجهيزات الحديثة مشيراً إلى أنّ القوات الأوكرانية قتلت آلاف الجنود الروس المحترفين الذين حصلوا على أفضل المعدّات. وسأل: "ما الذي ستفعله (القوات الأوكرانية) بهذا الاحتياط المعبّأ؟"

علاوة على ذلك، يبدو أنّ رغبة الروس بالقتال ليست قويّة بما يكفي، أقلّه ليس على نطاق واسع. ذكر تقرير لوكالة "رويترز" أنّ تذاكر الرحلات إلى الخارج كانت تباع سريعاً بعدما أمر بوتين بتعبئة 300 ألف احتياطي.

 

ما الذي يريده بوتين؟

يسلّط كاتب الشؤون العسكرية في مجلة "فوربس" ديفيد أكس الضوء على مشاكل روسيا التي تعيقها عن تحقيق التعبئة. لقد أعاد الجيش الروسيّ تشكيل كتائب جديدة على الخطوط الأماميّة منذ أشهر عبر الاستعانة بالمدرّبين وقوات الحامية العسكرية. حتى ولو ظلت هذه الكتائب سليمة، هي مشغولة بمحاولة صدّ هجومين أوكرانيّين مضادّين في جنوب وشرق أوكرانيا، وهي تفشل بمهمّتها على الأغلب.

وتابع موضحاً أنّ ذلك يعني عدم قدرة الجيش الروسيّ على تدريب أعداد كبيرة من المجنّدين الروس أو تجهيزهم أو قيادتهم. فالبنية التحتيّة الكفيلة بتعبئة الجنود والتي امتلكها الاتّحاد السوفياتيّ لم تعد موجودة بحسب رأيه.

لكن ربّما لا يريد الرئيس الروسيّ أن يقلب موازين القوى لصالحه في المدى القريب. هو يسعى ببساطة إلى وقف النزيف البشريّ في الجيش الروسيّ كما يقول المحلّل العسكريّ في "مركز التحليلات البحريّة" مايكل كوفمان.

لو نجح في تحقيق هذا الهدف فربّما يؤجّل انهيار القوات الروسيّة وحلفائها في منطقة دونباس أمام الهجمات المضادة التي قد تخوضها في أوكرانيا هناك. يساعده هذا العامل أيضاً في الرهان على شرخ غربيّ في مواصلة دعم كييف عسكرياً ومادياً إذا طالت الحرب. لكن حتى هذا الهدف غير مضمون بناء على الخطة المفترضة.

فالتعبئة الجزئية، بحسب كوفمان، "قد تساعد موسكو في وقف تدهور حجم القوّة، لكن ليس تدهور نوعيّة القوّة ومعنويّاتها. بعدما استخدمت أفضل المعدّات، الضباط والأفراد، لا أرى كيف يمكن استرداد" كل تلك الخسائر.

 

اقرأ في النهار Premium