النهار

عزلة في الإليزيه ومكامن خلل... ماكرون "متوارٍ عن الأنظار"؟
المصدر: "أ ف ب"
عزلة في الإليزيه ومكامن خلل... ماكرون "متوارٍ عن الأنظار"؟
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يوم النصر ونهاية الحرب العالمية الثانية، في باريس (8 أيار 2022 - أ ف ب).
A+   A-
وجّه إيمانويل ماكرون مساء الإثنين، خطاباً إلى الفرنسيّين أراد من خلاله إنعاش ولايته المنهكة، وقرّر بعدها الخروج لتناول العشاء في باريس علّه يتنشّق بعض الهواء بعيداً عن العزلة التي يفرضها عليه إلى حدٍّ ما المكوث في قصر الإليزيه.
 
توجّه ماكرون مع زوجته بريجيت لتناول العشاء بعد أن أرغمته التوترات الاجتماعية الناجمة عن إصلاح نظام التقاعد في أحيان كثيرة على ملازمة القصر الرئاسي.
 
أصبح تناول العشاء في مطعم "لا روتوند" في حي مونبارناس حيث يحلو له أن يرتاح بعض الشيء، نادراً جداً. ويقول أحد المقربين منه إنّ "الوقت غير مناسب"، خصوصاً أنّ واجهة المطعم تعرّضت لبداية حريق على هامش تظاهرات ضدّ إصلاح نظام التقاعد الذي نصّ خصوصاً على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، والذي أقرّه ماكرون من دون تصويت في الجمعية الوطنية.
 
مغادرة قصر الإليزيه دونها بعض المجازفة. وتَرافق خروجه الإثنين مع جدل عندما توقف خلال عودته سيراً ليُنشد أغنية تقليدية من منطقة بيرينيه في جنوب غرب البلاد مع شباب مجهولين، تبيّن لاحقاً بعد نشر لقطات مصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أنّهم ينتمون إلى منظمة سيئة السمعة.
 
قلّل رئيس البلاد من أهمية ما حصل، وقال: "لم أعرف على الفور من هم"، مشيراً إلى أنّه كان ليُتّهم بأنه "مُتَعالٍ" لو واصل طريقه من دون أن يتوقف.
 
وتصعب إقامة توازن بين الانعزال أو الاحتكاك بالناس في حين يواجه معارضة وانتقادات تصل إلى حدّ الكره أحياناً، بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية من خمس سنوات.
 
 
"غير متوارٍ"
تؤكّد السيدة الفرنسية الأولى بريجيت ماكرون أنّ الرئيس "غير معزول بتاتاً"، لكنّها تقرّ بأن "الإليزيه مكان مختلف نوعاً ما".
 
يُحاول الرئيس وأوساطه تبديد الانطباع بأنّ ماكرون "متوارٍ عن الأنظار"، خصوصاً أنه تعرّض لانتقادات بعضها من أوساط حكومية، بأنه تأخّر "في التواصل" مع المواطنين، مع أن التواصل هو "ميزته الأساسية".
 
بعدما أمضى الجزء الأكبر من وقته في "القصر" منذ مطلع السنة الحالية، عاد ليقترب من الفرنسيّين حتى لو كان ذلك يكلّفه التعرّض لصيحات استهجان كما حصل الأربعاء في منطقة ألزاس في شرق البلاد.
 
وفيما يقول عدد من أصدقاء الرئيس إنّ أوساط إيمانويل ماكرون تحميه كثيراً، يسود انطباع عام في صفوف أنصار الرئيس أنّه لم يبقَ العديد من الأشخاص في أوساطه قادرين على القول له إنه يُخطئ، باستثناء بريجيت ماكرون والرئيس السابق للجمعية الوطنية ريشار فيران الذي لا يزال إلى جانبه منذ خسارته في الانتخابات التشريعية العام 2022.
 
على جري العادة عندما تكون الأجواء السياسية ملبّدة، يتحدّث وزراء ومستشارون - طالبين عدم الكشف عن هوياتهم - مطولاً عن الأمور كافّة التي لا تسير على ما يرام في قصر الإليزيه.
 
 
"مجرد لعبة"
مَن هي الأطراف التي تسدي النصح إلى إيمانويل ماكرون؟ يؤكّد أحدهم أنّه "لا يتلقّى نصائح"، فيما يقول آخر متنهّداً "لا أحد".
 
وكما العادة عندما تكون الأمور متأزمة، يتعرّض الأشخاص الذين يتولّون التواصل للانتقادات.
 
ويرى عدد من خبراء الاستراتيجيا المؤيدين لماكرون أنّ الجبهة السياسية تُعتبر ضعيفة أيضاَ والأسس واهنة. ويفيد البعض بأنّ الأمين العام لقصر الإليزيه أليكسيس كولير النافذ جدّاً والذي يلازم ماكرون كظله ويبتعد عن الظهور ويُقال إنّه يمسك بيد من حديد بالملفات جميعها، لم يعد قريباً كما في السابق من الرئيس. ويقول زائر دائم للقصر الرئاسي: "الأمر أشبه بتفكّك علاقة بين زوجين".
 
في ظلّ الأزمة السياسية الراهنة، عاد ماكرون ليستعين بخدمات مَن عمِل معهم خلال ولايته الرئاسية الأولى ومن بينهم ريشار فران فضلاً عن مستشار التواصل السابق كليمان ليوناردوزي الذي عاد ليعمل مع شركة "بوبليسيس" أو المستشار الخاص السابق فيليب غرانجون.
 
بوره، قال أحد كوادر المعسكر الرئاسي: "عندما تستنجد بمستشارين سابقين فهذا يعني أن الوضع سيء"، فيما قال آخر بأسف إنّ إيمانويل ماكرون "يحكم بمفرده".
 
في الظروف الحرجة، يجمع ماكرون كبار شخصيات حكومته ومؤيّديه، على غرار مآدب العشاء المقامة الخريف الماضي لاتخاذ القرارات بشأن توقيت إصلاح نظام التقاعد وطريقة القيام بذلك. تضاف إلى ذلك سلسلة الاجتماعات المتواصلة التي عقدت منتصف آذار عندما اضطرّ إلى استخدام الآلية الدستورية 49,3 لتمرير مشروع الإصلاح من دون التصويت عليه في الجمعية الوطنية.
 
وشهدت باحة الشرف المهيبة أمام مكاتب الرئيس وصول عدد من الشخصيات. وكان الرئيس يستمع في جلسات مغلقة إلى مواقف هؤلاء التي كانت تجد طريقها سريعاً إلى وسائل الإعلام، من دون أن يكون لها أي أثر بالضرورة.
 
واستمرّ ماكرون بتوجيه رسائل نصّية قصيرة إلى حلفائه والأصدقاء، طارحاً السؤال الاعتيادي "كيف ترى الأمور؟"، لكن أحد مستشاري السلطة التنفيذية يقول بأسف: "أصبح الأمر مجرّد لعبة، وليس تبادلاً سياسياً".
 
لكنّ أوساط أحد هؤلاء المشاركين تروي أنه خلال الاجتماع الأخير الذي ضمّ كبار المسؤولين قبيل خطاب الإثنين، حصل "نقاش سياسي فعلي، غذى فعلاً" الخطاب الرئاسي، مؤكّدة أنّ "هذا أمر مهمّ للغاية ويجب أن يقوم به أكثر".
 

اقرأ في النهار Premium